سبق وأن كتبت مقالات عدة، تحدثت فيها عن أن بقاء نظام الأسد رغبة إسرائيلية ملحة، وأوردت تصريحات لساسة وقادة عسكريين ومثقفين إسرائيليين أجمعوا على أهمية بقاء هذا النظام الذي كانت الحدود معه هي الأهدأ منذ قيام الدولة العبرية!، بل إن أحد التقارير الذي نشرته صحيفة هارتس الإسرائيلية أبعد النجعة وقال: «إن الأسد هو ملك إسرائيل». لسنا نتحدث هنا عن نظرية مؤامرة، بل عن ما نراه واقعاً أمامنا، فزوال نظام صدام حسين كان رغبة إسرائيلية، ولذا تنادى العالم أجمع في 1990 لدك حصونه، ومن ثم حصاره، ثم تنادى ثانية ليجهز عليه رغم أنف الأممالمتحدة في 2003، وهو ما نتج عنه تحويل العراق من دولة قوية لها ثقلها الإقليمي، إلى بلد تابع بنكهة طائفية منفرة. ولأن بقاء النظام السوري رغبة إسرائيلية، فقد تم تبادل الأدوار بين شتى دول العالم، فهذا يصرح من هنا، وذاك يزأر من هناك، وهكذا دواليك بينما الآلة القمعية تعمل بلا كلل في أرجاء سوريا. الرئيس الأمريكي الذي قال إن على الرئيس مبارك أن يتنحى، ثم كرر ذلك في اليوم التالي، مشدداً على أننا «عندما نقول الآن فإننا نعني الآن وفوراً»، هو ذات الرئيس الذي أخذ يصرح كل شهرين وعلى استحياء فيما يتعلق بالنظام السوري، ومثله فعل الحلفاء في لندن وباريس وغيرها من العواصم الأوروبية، التي استصدرت قراراً من الأممالمتحدة لمهاجمة نظام القذافي خلال أسابيع من اندلاع ثورة ليبيا. عندما طرح الموضوع السوري أمام الأممالمتحدة في المرة الأولى، لم يكن هناك حشد دولي واحتقان شعبي كما هو واقع الآن، كما أن عدد القتلى لم يكن مرتفعاً بمثل ما نشهده اليوم، ولذا كانت درجة الغضب من تراخي الأممالمتحدة عند حدها الأدنى. الآن، تدرك القوى الكبرى أن مصداقيتها ومصداقية الأممالمتحدة على المحك، ولذا رأينا خلال الأيام الماضية حالة من التوتر داخل المنظمة العالمية لم تشهدها منذ زمن بعيد. نتفهم الموقف الروسي، والذي سيفقد أهم حلفائه في المنطقة بسقوط نظام دمشق، وهي خسارة موجعة في ظل انحسار نفوذه حول العالم، ولكن هذا لا يعني أن العالم، وخصوصاً الولاياتالمتحدة عاجز عن عقد صفقة دبلوماسية من نوع ما تعوض روسيا عن ما ستفقده من نفوذ جراء فقدان حليفها السوري في مقابل عدم استخدام الفيتو على القرار الأممي المقترح، ولكن هل توجد مثل هذه الرغبة؟. كل الدلائل تشير إلى أنه لا توجد رغبة حقيقية لذلك حتى الآن، وكل ما يجري هي محاولات لشراء الوقت كما هو الحال منذ ما يقرب من العام. المؤكد هو أن كل الأدبيات التي أتحفنا بها الغرب عن الديمقراطية والحرية والعدالة أثناء ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن أصبحت بلا قيمة الآن، كما أن مصداقية هذه الدول أصبحت على المحك كما لم تكن من قبل. وختاماً، يعلم الجميع أن الأممالمتحدة أصيبت بعاهة لم تشف منها بعد، وذلك حينما تجاهلتها الولاياتالمتحدة في 2003 وضربت العراق، وستصاب بشلل نصفي إن لم يصدر منها قرار بشأن سوريا هذه المرة، وهذا بالتأكيد ما لا يرغبه الجميع. فاصلة: «إن لم نتمكن من خدمة الإنسانية فلا خير فينا!».. الرئيس الأمريكي جون آدمز.