النار تدفئنا من البرد، وتنير لنا شموع الدرب، كما أنها قد تحرق كل من حولها دون حدّ، هكذا هو كلام الناس، إما أن ينفع وينير العقول الغافلة أو يحرق القلوب ويجعلها محطمة؛ فالمجتمع يرمي سهامه ويعلن أنها شموع تنير الدرب، وهي في الحقيقة سهام من الاتهام تخترق القلب، يرميها كل نمام مغتاب، ولا ينجو من هذه الإصابة بريء غير مخطئ أو مرتكب لذنب. فبعض من في المجتمع يقذف مؤمنات عفيفات رغم نهي الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، وأنه من السبع المهلكات الموبقات، إلا أن هناك من يخوض في هذا، ولكن ليس الخوض في معركة إنما الخوض في سب عِرْض، والنهاية نار مهلكة، فالله يملك الأقدار ويسيرها كيفما يشاء سبحانه وتعالى ذو الحكمة وصاحب القرار، فقد يكون مصير كثير من الفتيات أن يعشن بلا زواج أو ارتباطات، وعندما يصل غيرهن إلى الثمانية والعشرين وما بعد الثلاثين يقال عنهن عانسات، والعنوسة ليست عيباً بل قدراً، فمن يلمهن يكون جاهلاً، ولا يعلم ما معنى القدر والحكمة. وتبدأ سهام المجتمع بالانطلاق إذا تقدَّم رجل لإحدى هؤلاء النساء وقامت برفضه؛ لأنها تشعر بأنه رجل غير مناسب لها، فمن هنا تقذف السهام، يقذفونها مسمومة بالاتهام بأن تلك الفتاة «فيها إنّ»، ولِمَ ترفض الزواج إلى الآن؟! ويبدأ قذفها والشك في أمرها، وهي تكون خالية من جميع تلك الأقاويل والاتهامات، ولكن كيف تُرحم من لسان المجتمع وسهامه فترضى بأول مَنْ يدق على بابها دون النظر إن كان رجلاً صالحاً أم لا. ترضى فقط لأنها تخشى كلام الناس والعمر يمضي وهي واقفة مكانها، فجزء من هذا المجتمع بكلامه وسهامه واتهاماته أصبح ظالماً يجبر العانسات على الزواج بأي شخص، ويطلقون سهامهم المسمومة بالاتهامات المزعومة، ولا يخشون الله الذي لا يرد دعوة مظلوم أو مظلومة. نسوا أن الله لهم بالمرصاد في أبنائهم وبناتهم، نسوا آداب المجتمع المتحضر بتعاليم الإنسانية والتعاليم الإسلامية، نسوا ذلك، وسبوا وقذفوا وعابوا ولاموا، وكأنهم قضاة، والعانسات في قفص الاتهام، مَنْ تُرِد أن تُثبت براءتها فعليها أن تتزوج وتثبت عفتها، فأصبح جزء من هذا المجتمع وحشياً، الكل يتكلم عن الكل، وليس هناك من يدافع عن العِرْض في الغيب، وأسهل كلمة تقال عن عانسة رافضة لمن تقدم لها «فيها إنّ». فاتقوا الله سبحانه، واستغفروه، وارجوا غفرانه. *الرياض