قبل وضع مسألة (رؤية الأهلة) على طاولة حوار (الجزيرة) على مدار ثلاث حلقات، لابد من التنويه إلى وقوع خطأ فني أدى إلى نشر (الحلقة الثالثة) الأسبوع الفائت، وفي هذه الحلقة، والتي تليها نفتح الحوار مجدداً حول هذه القضية، التي لازالت تُعيد الجدل الفكري بين الفلكيين والمثقفين والشرعيين مع إطلالة كل موسم ديني أو دعوة قضائية لتحري رؤية الهلال، خاصةً أن هذا الجدل يتمحور حول مسألة الاستعانة بالحساب الفلكي في رؤية دخول الشهر الهجري، حيث تتدفق رؤى ذلك الجدل من الفريقين على الساحة الإعلامية إلى كل أوساط المجتمع حتى تتحول إلى حوار جماعي يصاحبه لغط وربما تشكيك في دخول هذا الشهر أو خروج ذاك. اليوم تضع (الجزيرة) موضوع رؤية الأهلة على طاولة الحوار باستضافة الدكتور خالد الزعاق مشرف مرصد بريدة الفلكي، والدكتور محمد بن فهد الفريح عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء بالرياض... فإلى الحوار: مسألة الرؤية في القرآن يشير القرآن الكريم إلى رؤية شهر رمضان، قال الله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } (185) سورة البقرة، فهل الفعل شَهِد يعني المشاهدة، أم يعني الحضور والتواجد حال دخول شهر الصوم؟ يفسر الدكتور محمد الفريح مضمون الآية بقوله: (الشهود هنا معناه الحضور، فشهد بمعنى حضر الشهر وأدركه، وكان حال شهوده للشهر مقيماً في البلد، وصحيحاً في البدن ومكلفاً، فمن كانت هذه حاله لزمه الصوم لا محالة. لذا يقال: فلان شهد بدراً، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي حضرها، وليس شَهِد بمعنى رأى، وإنما شَاهَد بمعنى رأى، ويجوز أن يكون شَهِد بمعنى: (عَلِم) أي بحلول الشهر)، على ذلك يتفق الدكتور خالد الزعاق مع هذا التفسير، ويضيف: (نصب الشهر على أنه مفعول فيه لفعل شهد؛ أي حضر في الشهر؛ ولم يكن مسافراً، وهو المناسب لقول ما بعده: ومن كان مريضاً أو على سفر إلى آخر الآية، ويكون المعنى فمن حضر في الشهر فليصمه كله، ويفهم أن من حضر بعضه يصوم أيام حضوره. ويجوز أن يكون شهد بمعنى علم كقوله تعالى:{شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} (18) سورة آل عمران، فيكون انتصاب الشهر على المفعول به بتقدير مضاف؛ أي: علم بحلول الشهر، وليس شهد بمعنى رأى؛ لأنه لا يقال شهد بمعنى رأى، وإنما يقال شاهد، ولا الشهر هنا بمعنى هلاله بناء على أن الشهر يطلق على الهلال). رؤية الشهر بالسنة ولكن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته..)، فكيف نفهم أن هذا الحديث يُحدد رؤية الهلال فقط بالرؤية المجردة وليس بالرؤية المسلحة بالأجهزة الدقيقة مع الحسابات الفلكية؟ الدكتور الزعاق يجيب موضحاً: (الرؤية في الأحاديث الصحيحة هي عبارة عن تحصيل العلم بوجود الهلال المرئي دون أن يكون للرؤية البصرية أية خصوصية، أي أنها وسيلة وليست غاية، فلذا لو حصّل الإنسان العلم بأية طريقة للزم عليها العمل طبق هذا العلم، وهذا الأمر اصطلح العلماء عليه بالقول:»الرؤية مأخوذة على الوجهة الطريقية لا الموضوعية». ويقولون إن الرؤية (البصرية) إنما ذكرت في الأحاديث الشريفة كونها وسيلة العلم الوحيدة المتوفرة في زمن صدور النص أي العصر الإسلامي الأوّل، ومن أدلتهم في ذلك المعنى اللغوي للرؤية: يلاحظ المراجع لمعاجم اللغة وما كتبت، أنها اتفقت على كون الرؤية هي الإدراك بالعين أو الإدراك بالعقل. ومنها لسان العرب: «رأى الرؤية بالعين تتعدى إلى مفعول واحد، وبمعنى العلم تتعدى إلى مفعولين، وقال ابن سيده: الرؤية النظر بالعين والقلب»، وأقرب الموارد: «رأى نظر بالعين والقلب، الرؤية: النظر بالعين وبالقلب، وكذلك القاموس المحيط: «الرؤية النظر بالعين وبالقلب..» ولذلك نجد أن عرف الشارع في خطابه هو ورود الرؤية بمعنى مخالف للرؤية البصرية وهو العلم ومن أمثلة ذلك قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ} (258) سورة البقرة، وقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ } (19) سورة إبراهيم، وقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} (1) سورة الفيل، والسر في هذا الاستعمال اللغوي المشترك هو أن الرؤية البصرية وسيلة من وسائل العلم باعتبارها حاسة من الحواس الملتقطة لإشارات المحيط فسمي العلم الحاصل غالبة م نها رؤية. ولذا يمكننا إلحاق حساب الفلك بالرؤية). الدكتور الفريح يأخذ رأياً مخالفاً نوعاً إلا أنه في البداية ينبه إلى أمر فيقول: (بعض الناس يخلط بين مسألتين فيجعل حكمهما واحداً، فيقع في الغلط، فيخلط بين استعمال الآلات المقربة كالمنظار (التلسكوب)، فاستعمال هذه الآلات والاستعانة بها لرؤية الهلال جائز شرعاً، وقد صدر قرار بجواز استعمالها من هيئة كبار العلماء برقم (108) وتأريخ 2 ذو القعدة 1403ه. وبين مسألة الحساب الفلكي الذي أخبر رسولنا صلى الله عليه وسلم: (بأننا لا نحسب)، وهذا كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إنه خبر تضمن نهياً) أي لا تعتمدوا على الحساب، بل صوموا لرؤية الهلال وأفطروا لرؤيته، وقد حكى الإجماع على عدم العبرة بالحساب الفلكي جماعة من العلماء من المذاهب السنية الفقهية، وعليه يؤكد الدكتور الفريح أنه لم يقل أحد من العلماء المعتبرين بحصر وجوب الرؤية بالعين المجردة فقط بل كل رؤية حقيقية للهلال تعد رؤية شرعية, وقد صدر من أكبر مرجعية علمية شرعية (وهي هيئة كبار العلماء بالمملكة) قرار تضمن بعض النقاط هي إنشاء المراصد كعامل مساعد على تحري رؤية الهلال لا مانع منه شرعاً. إذا رئي الهلال بالعين المجردة، فالعمل بهذه الرؤية، وإن لم يُر بالمرصد. إذا رئي الهلال بالمرصد رؤية حقيقية بواسطة المنظار تعين العمل بهذه الرؤية، ولو لم ير بالعين المجردة؛ وذلك لقول الله تعالى: { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }, ولعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما »، ولقوله عليه الصلاة والسلام: « صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم » الحديث, يصدق أنه رئي الهلال، سواء كانت الرؤية بالعين المجردة أم بها عن طريق المنظار، ولأن المثبت مقدم على النافي. ويطلب من المراصد من قبل الجهة المختصة عن إثبات الهلال تحري رؤية الهلال في ليلة مظنته، بغض النظر عن احتمال وجود الهلال بالحساب من عدمه). ويضيف: (ويحسن إنشاء مراصد متكاملة الأجهزة للاستفادة منها في جهات المملكة الأربع، تعين مواقعها وتكاليفها بواسطة المختصين في هذا المجال. وتعميم مراصد متنقلة؛ لتحري رؤية الهلال في الأماكن التي تكون مظنة رؤية الهلال، مع الاستعانة بالأشخاص المشهورين بحدة البصر، وخاصة الذين سبق لهم رؤية الهلال)، إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غُمالهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب، فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا. وهذا القول وإن كان مقيداً بالإغمام، ومختصاً بالحاسب، فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه. فأما اتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم. وقد ذكر د. محمد بخيت المالكي - دكتوراه في الفلك من جامعة جلاسكو- أن الكثيرين يظن أن المراصد الفلكية (التلسكوبات) تُحسن فرصة رؤية الهلال، والواقع قد يكون العكس. لأن فكرة المراصد تقوم على زيادة كمية الضوء الواصلة من الجسم المُراد رصده (القمر هنا)، لا تكبير حجم ذلك الجسم، حيث يُعد ذلك خدمة ثانوية في المرصد الفلكي، وفي حالة الهلال، فإن القمر يكون قريباً جدا من الشمس في الحالات الصعبة، وهنا ستكون كمية ضوء الشمس من الكبر بحيث تُؤثر على عين الراصد ما قد يعرضه للعمى لا قدر الله. أما إذا كان القمر بعيداً عن الشمس فإمكانية رؤيته بصرياً ستكون سهلة، ولن يقدم المرصد الفلكي كبير خدمة هنا). بين الرؤية والحساب إذا كان الموقف الشرعي لا يرى بأساً بالاستعانة بالمراصد، فلماذا الرؤية المجردة هي الطريقة الوحيدة لإثبات دخول الشهر وخروجه وإبطال الحساب الفلكي رغم أن الحسابات الفلكية قائمة أصلاً على الرؤية والرصد الفلكي، ما يعني أنها تحقق الحديث النبوي بطريقة غير مباشرة؟ الزعاق يجيب: (إن الحديث خرج مخرج الغالب، كما هو الشأن في كثير من النصوص الشرعية، والسبب في ذلك أن هذه هي الوسيلة التي كانت متاحة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن متاحاً للأمة الإسلامية في ذلك الوقت الحساب الفلكي القطعي، بل ولا الذي يحقق غلبة الظن .والرؤية بالعين المجردة كلام صحيح فيما مضى حينما كانت وسائل المواصلات بطيئة، ولم يكن من الممكن أن يُنقل خبر بداية الشهر إلى أماكن بعيدة خلال ساعات أو يوم، ولكن في عصر الإذاعة والتلفزيون والهاتف والفاكس والإنترنت لا يكلف الناس شيئاً من المشقة، بل إن الحساب الآن أسهل عليهم من المراقبة بالعين المجردة في كل منطقة، فيكفي وجود عدد قليل من المتخصصين في علم الفلك في العالم الإسلامي كله يحددون بداية الشهر ويبلغون الناس بذلك في دقائق. وأعتقد أنه في المستقبل سيكون هناك قناة للرؤية العالمية وتنقل الصورة مباشرة على الشاشات وحينذاك تتلاشى الرؤية التقليدية). أما الفريح فيقول: (نحن عبيد لله نسمع ونطيع لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي أوجب علينا الصيام هو الذي أمرنا بالصوم لرؤية الهلال والفطر لرؤيته، فإن لم ير فإكمال العدة ثلاثين يوماً كما في الحديث الصحيح المشهور، ونهانا صلى الله عليه وسلم على الحساب الفلكي في قوله: (لا نحسب) قال ابن تيمية: هو خبر تضمن نهياً. فكلامه صلى الله عليه وسلم في نفي الحساب والكتاب فيما يتعلق بأيام الشهر الذي يستدل به على استسرار الهلال وطلوعه. وعلماء الشريعة من المذاهب المختلفة حكوا الإجماع على عدم جواز الأخذ بالحساب مطلقاً بلا تفصيل، ثم إن الحسابات مختلفة وفي محضر ترائي هلال شهر ذي القعدة 1425ه ما نصه (تم التواجد في موقع الرصد قبل غروب الشمس وبعد تجهيز المناظير وعددها اثنان أفاد الدكتور زكي بن عبد الرحمن المصطفى أن الهلال في الحساب قد غرب قبل غروب الشمس ثم تابع الجميع غروب الشمس حيث استمر غروب الشمس من ملامسة حافتها السفلية للأفق ما يقارب ثلاث دقائق، وبعد اختفائها تماماً اتضح أن غروب الشمس في الجهاز بقي عليه ثلاث دقائق وخمسة عشر ثانية، وقد ذكرالدكتور أيمن سعيد كردي أن السبب في ذلك الاختلاف قد يكون هناك مرتفع في الأفق البعيد!!)، فهل يقال لمن رأى الشمس بعينه قد غربت: لا تفطر حتى تغيب في الحساب؛ لأن الرؤية هنا والشهادة عليها لا تقبل، فلا بد من انفكاكها عما يكذبها، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم). فالقول بأن الحسابات الفلكية قائمة أصلاً على الرؤية والرصد الفلكي، وهي تحقق الحديث النبوي بطريقة غير مباشرة خطأ, ومن تأمل ما مضى بان له ذلك. والحمد لله أن جعل الأمر معلقاً على الرؤية فقط، فلو كان الحكم مبيناً على الحساب واختلف أهله كما يحدث الآن فكيف يكون حال المسلمين!؟ لكن من رحمة الله أن ربطه بالرؤية الذي يستوي فيه العالم والجاهل والذكر والأنثى ). تحديد مكان الرؤية على خلفية ما سبق يأتي السؤال: لماذا لا يعُتمد على الأبحاث والحسابات الفلكية التي تحدد مكان ووقت وإمكانية رؤية الهلال بحيث يتم توجيه المترائين إلى كيفية الرؤية السليمة؟. الدكتور خالد الزعاق يجيب بتأكيد أن الحسابات الفلكية دقيقة جداً ما يعني أهميتها، فيقول: (الحسابات الفلكية وصلت في دقتها إلى أقرب جزء من الثانية, ويمكن الاعتماد عليها في معرفة الشهور القمرية لملايين السنين القادمة وهي تعتمد الآلية الحسابية وبفضل الحاسوب قفزت لخطوات متسعة جداً لم يحظى مثلها أي علم على الإطلاق، ولو كنا نحترم العلم ونجله لما جاز لنا أن نقدم شهادة العوام على الشهادة العلمية الموثوقة، فالتخلف هو الذي جعلنا نناقش دقة الحساب في معرفة موقع القمر بينما الشعوب المتقدمة داست بأقدامها القمر ذاته ونحن ما زلنا نراوح مكاننا في نقاشات عقيمة لا تولد نفعاً). في المقابل لا يرى الدكتور محمد الفريح بأساً ولكنه يوضح أكثر بقوله: (هناك قرار هيئة كبار العلماء أن إنشاء المراصد كعامل مساعد على تحري رؤية الهلال لا مانع منه شرعاً. وأنه إذا رئي الهلال بالعين المجردة، فالعمل بهذه الرؤية، وإن لم ير بالمرصد، وأما ضبط الرؤية بحساب فمتعذر قال شيخ الإسلام: (اعلم أن المحققين من أهل الحساب كلهم متفقون على أنه لا يمكن ضبط الرؤية بحساب بحيث يحكم بأنه يرى لا محالة، أو لا يرى ألبتة على وجه مطرد)، (وليس لأحد منهم طريقة منضبطة أصلا بل أية طريقة سلكوها فإن الخطأ واقع فيها أيضا فإن الله سبحانه لم يجعل لمطلع الهلال حساباً مستقيماً بل لا يمكن أن يكون إلى رؤيته طريق مطرد إلا الرؤية)، وذكر صاحب كتاب مبادئ الكونيات وهو من أهل الفلك:( إن حركة القمر معقدة للغاية، وقد يكون في حكم المستحيل وضع تقويم مضبوط للشهور العربية؛ لأن موقع الأرض والقمر والشمس لا يتكرر في فترات منتظمة، وأن الحل في هذه المشكلة هو أن يعتمد المسلمون على الرؤية). استخدام وسائل بدائية ولكن المتراءون يستخدمون أدوات بدائية ويجرون حسابات فلكية قبل وخلال الرؤية المجردة التي يقومون بها، ألا يعتبر هذا من قبيل الاستعانة بالحساب الفلكي؟ يعود الفريح بقوله: (هذه دعوى فأين الدليل على صدقها، وقد خرجتُ مع المترائين أكثر من مرة وهم ينظرون بأعينهم رؤية مجردة، وبعضهم ينظر عن طريق المنظار، وتتم الشهادة على ذلك عند القاضي أن الشاهد رأى بعينه الهلال وجهته كذا، وبعده عن الشمس كذا، ونحو ذلك ما يدل على أنه رأى هلالاً، وأما كونهم يجرون حسابات فينطبق عليهم من القول ما ينطبق على غيرهم من الحسابين مما مضى ذكره). من جهته يقول الزعاق: (تابعت شهادات الشهود في جميع مناطقهم وأدركت أنهم يتبعون طريقة حسابية قديمة لترائي الهلال ملخصها أنهم ينظرون إلى وقت ولادة الهلال ووقت غروب الشمس من الحسابات الفلكية ويستخرجون الفسحة بينها بال درجات بحيث أن كل ساعتين درجة واحدة ويضربون الحاصل بأربعة والناتج هو مكث للهلال وعند الترائي يتوهمون أن الهلال سيمكث هذا المقدار من الزمن ويهيئ لهم بأنهم رآه ويشيعون أنه مكث بالمقدار الذي يستخرجونه من أذهانهم إلا أن إجهاض القمر في بعض شهور السنة يكشف سطحية هذه العملية البدائية، وهؤلاء الشهود لا يشاهدون الهلال ألبتة ولو كانوا واثقين من شهادتهم لفسحوا المجال لوسائل الإعلام بالنقل المباشر لطريقة رصدهم، بل نجدهم عندما تسلمت المحكمة العليا ملف الأهلة غيروا من طريقة الشهادة, وهي أنهم بدأو يشهدون برؤية الأهلة قبل غروب الشمس وهذا محال عقلاً وعلماً، إلا أن تقدمهم بالشهادة هذه حتى لا يخسروا المحكمة العليا لأنها ما راح تثبت شهادتهم والقمر يغيب قبل الشمس كما كان معمول به بالسابق ولا يخسروا الناس بأنهم ما شهدوا فيشهدون برؤية الهلال بطريقة منكوسة حتى لا تنكشف شهاداتهم في السنوات المنصرمة المخالفة للقانون الكوني الدقيق الذي أودعه الله في هذا الكون الفسيح). صيام عام 1404ه على ذلك ألا يعتبر صيامنا عام 1404ه (28 يوماً) دليلاً ملموساً على مدى حاجتنا إلى دعم الرؤية المجردة بالحسابات الفلكية وآراء الفلكيين الثقات ؟ خالد الزعاق يثبت هذه الواقعة ويشرح تفاصيلها بقوله: (عام 1404ه يسمى عام الغرة إذ إن الناس صامت 28 يوماً بناء على خمس شهود تقدموا بعيد مغيب شمس يوم 28 رمضان، وأثبتت شهادتهم، والمحزن أن القمر غائب قبل الشمس ب(30 دقيقة)، وكانت نكبة مخجله سجلها التاريخ، ومن باب التوثيق ذهبت إلى أحد هؤلاء الشهود وطلبت منه أن يرسم لي الهلال الذي شاهده، فرسم لي نقطة، وقال إن الهلال الذي رآه ليس له جناحان وتبين لي أنه شاهد كوكب الزهرة، ولو قدر أن القضاة استعانوا بما بين أيدينا من أجهزة فلكية لما حدث لنا هذا، وهذه الحادثة مشابهة لحادثة حج 1427ه عندما غير ميعاد الحج الأعظم في اليوم الرابع من ذي الحجة بناء على شهادة شهود تأخروا في أداء الشهادة ما أحدث أرباك شديد، وبتقديري أن المشكلة لا تحل حتى يتدخل العلم بين الشهود والقضاء لرد الوهم الذي يحدث في عيون ونفسيات الشهود). غير أن محمد الفريح لا يركز على الواقعة بذاتها إنما بكل أبعاد المسألة، فيقول: (الواجب هو الصوم والفطر على رؤية الهلال أو إكمال الشهر ثلاثين، وما دام المسلمون بذلوا ما كلفهم الله به، فليس عليهم شيء من النتائج، بل عليهم الامتثال لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد فعلوا ذلك في تلك السنة فلما لم يتقدم أحد للإدلاء بشهادته أعلنوا تمام الثلاثين من شعبان، ولما جاء نهاية الشهر جاء من أدلاء بشهادته على رؤية هلال شوال، ففعلوا ما أمرهم الله به، وهذه هي العبودية لله اتباع أوامره، وقد أفتت اللجنة الدائمة في ذلك الوقت ونص فتواها:( لم تثبت شرعاً رؤية هلال رمضان عام 1404ه لدى المسؤولين في المملكة العربية السعودية إلا ليلة الخميس، فأصدروا أمراً بإكمال شعبان ثلاثين يوماً عملاً بالأحاديث الصحيحة في ذلك وأعلنوا أن بدء صيام شهر رمضان هذه السنة يوم الخميس، ثم تحروا رؤية هلال شوال عام 1404ه فثبت رؤيته لديهم ليلة الجمعة فأعلنوا أن عيد الفطر عام 1404ه يوم الجمعة، فصار صومهم ثمانية وعشرين يوماً، والشهر القمري لا يكون ثمانية وعشرين إنما يكون تسعة وعشرين أحياناً وثلاثين أحياناً، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، وتبين بهذا أن الخطأ في تأخير بدء صوم رمضان، فأعلنوا عن ذلك، وأمروا بقضاء يوم عن اليوم الذي أفطروه أوللشهر؛ إبراءً للذمة وإحقاقاً للحق. من هذا يتبين أن المسؤولين بالسعودية عملوا بمقتضى حكم الشرع أولاً وأخراً، وقد جاء في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: (أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس)، فإذا كان هذا الخطأ قد وقع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد بالوحي، ولا ينطق عن الهوى، ومع ذلك لم يرشد الناس إلى الحساب الفلكي لدفع مثل هذه الأخطاء، دل على أنه لا يجوز إحداث طريق لم يشرعه، بل المسلمون مأجورون على اتباعهم لأوامر الشرع، وقد وقع مثل ذلك في عهد عمر رضي الله عنه فقال: (الخطب يسير، وقد اجتهدنا، نقضي يوماً، كما أن هذا دليل على عدم الحاجة إلى الحساب الفلكي، فالمسلمون يصومون صياماً صحيحاً عقوداً كثيرة من الزمن، ونسبة الخطأ قليلة جداً بل هي في حكم النادر، والنادر لا حكم له، كما لا يصح الأخذ بالأخطاء، ومحاكمة النصوص إليها، بل الواجب العمل بالنصوص, وترك الإحداث في شرع لله بدعوى تجنب الأخطاء في المستقبل )... يتبع في الجزء الثاني