حبيبةٌ - كأنني - قابلتها في كتاب الأصدقاء « فيس بوك «، وكان الآتي: تسلل الصباح بجرأةٍ من النافذة, وفتحتُ صفحتي لأنظر ماذا أرى؟، وإذ نافذة الحوار «الدردشة» تقترن بنافذةٍ متخمةٍ بالأنوثة، وكان سبب الاقتران أحدنا، لعلهُ أنا، الذي أزعج هدوءها الجميل بخشونته الجميلة، لكنها مزجتني بتحية صباحية ليّنة، ثم انهالت تراود شيئا آخر عن نفسهِ قد شغفها حباً، وانتظرتُ بطريقة متصلبة أمام الشاشة الصماء التي تركت تحيتها البيضاء، ورضختُ طاعة لأمرها: «يا أخي انتظر شوي»، ولم يزعجني تأخرها أو أسلوبها المتطرف، لأنني في كل مرة أزوّر كلاماً في نافذتي، وأنمق حروفهُ ليبدو جميلاً، لا لذاتية الحروف أو معانيها، بل ليروي لصاحبتي الافتراضية عما خلف الكواليس، وما خلف الكواليس غير: أنا... المتهشمُ في صحاري الوحدة والوحشة.. وعندما أشرقت الصفحة بنور كلامها، نسيتُ كلامي الذي أعددتهُ، وبدل أن أحدثها عن اللون الأحمر، اكتشفتُ أنني حدثتها عن « سعر الطماطم « فتركتني.. وتسللت لآخر.. وكلما عاودت البحث عن ظل مشابه، لم أجد صورة مطابقةً لأصلها،... وفي كل رحلة أخرجُ من عناء البحث المنهك قائلاً: إن البقر تشابه علينا، موقناً أن صفحات الصداقة.. تشبهُ الشطرنج، كلٌ يبحثُ عن نصفهِ الثاني، وهو لا يعلم أين نصفه الأول؟، وسواء كان المبحوث عنه نصفاً رئيساً أو احتياطاً، فإن - أحدهم - ما إن يرى ظل الظل، حتى يخر مغشياً عليه.. وقف شعر رأسي كجماهير فريقٍ حصد التعادل قبل انتهاء المباراة بثانية، عندما وجدتها تقول في يومٍ مباركٍ ما: «كيفك يا عسل؟»، وأجريتُ فحصاً لجسد التاريخ المتذبذب كوترٍ طروبٍ بين الحقيقة والأسطورة, وقبل خروجي ثار شكٌ في نخاعي المستطيل حول مدى خصوصيتهما لي، وأردتُ أن أذبح الشك باليقين، فمررتُ على صفحتها، فوجدت ( الكيف والعسل ) عندها: للجميع سبيل، عندها: وقف شعر رأسي كجماهير فريق حصد التعادل بعد انتهاء المباراة بثانية. ومرت السنون, فهي سنينٌ بالمعنى الذي يشبهُ المجاز، ويشبهُ الضباب.. كم كنتُ محتاجاً إلى مرور كل هذه السنين التي تمرُّ كقطارٍ طويل، حتى تعبر (صاحبتي الافتراضية) إليّ عن طريق نافذة الظل، فنحنُ في عالم الافتراض نوافذٌ يوحي بعضها إلى بعض زخرف القول سروراً، مثل ما توحي لنا لوحة سريالية بمضمونٍ تتمرد عليه أكثر من أن تقدمه.. ولما وقعة الواقعة, واقترنت نافذتينا ذات يومٍ مبارك آخر، نقشت تحية مرهفة، ونجحتُ في رد التحية بأحلى منها في هذه الورطة، وليتني لم أنجح، لأنها صفتني إدراكياً بسؤالها الغرّيد: « - هل عثرت على ما يشبهك؟! « ثم خرجت ولم تعقب !!! آخ.. أصابتني الشظية باحتراف، ووقعت شظيتها في مكانٍ قابلٍ للاشتعال، « فؤادً خالياً فتمكنا «، والكارثة أنني فقدتُ رقم الدفاع المدني، وكم أنا في حاجةٍ إليه الآن، فقد أشعل سؤالها حريقاً داخلياً هائلاً، أتى على كل أعشاش الهدوء، والتهم البنية التحتية والفوقية للجوى، وخلف جذوة من لظى. (هل عثرت على ما يشبهك؟)، لماذا بدأت سؤالها الذي يزن المليار « طن «، ب(هل)، وهل ل(هل) علاقةٌ بسوابقي التي لم تتعرف على ألغازها بعد؟، أم لها علاقةٌ ب احتيالاتي الكتابية التي تشبه أساليب «المافيا»؟, أم أنها أرادت أن تخنقني.. وتخنقُ إجابتي ب( نعم - لا)، حتى تقيم حولي سياجاً يمنعني من مزاولة هوايتي المفضلة، وهي: ملاعبة الألفاظ، ومن ثم تحتكرني وتحتكر ملاعبتي غادرتُ الشاشة الصماء، بعد أن غادرني عقلي.. وهجرتُ طموحي على الرف حتى ضمّهُ الغبار إلى جمع عمّال ينتظرون كفيلاً، وألقيتُ بقلبي على ورقة بيضاء ك- حروف لا تجيد التصوير الاحترافيّ، ولكنها تشبهُ صورة تبعثُ على الشفقة أكثر من المتعة. ولم يمرّ يوما كاملا حتى علمت أن مخزوني الاحتياطي من الصبر نفذ، وبدأت مرحلة جديدة في استهلاك المصبّرات، التي لا تخفف من وحشية الجزع بقدر ما تبني له مستوطناتٍ جديدة في صدري، حتى تراني بلا لباسٍ لائق لمقابلة ورقية، وبلا صوتٍ قابلٍ لحمل الكلمات والوصول بها قبل أن تتصدع... نصف عاشق أنا.. هائمٌ في المدينة أبحثُ عن مقهى اعتاد السهر مثلي، لكي أفتح صفحتي، وألجُ نافذتي، لعل وعسى... مرت ساعةٌ، وساعتان، وثلاث ساعات، وخمس،.. رفع أذان الفجر، وأنا هيكلٌ لا يزال منتصباً أمام الشاشة، « عسى فرجاً يكون.. عسى.. نعلل قلبنا بعسى «، كنتُ أحلمُ أن أنادى: بحبيبي، كنتُ أحلمُ أن ألقى: طبيبي، كنتُ في حمى الأفكارِ أنحتها على كل شيء، خيالاً يداوي خيالا، ويبرد قلباً تحرق وحده، يعالج بعده، وسهده، بشيء من الذاكرة، وشيء من الافتراء، ويوم أن برز اسمها في قائمة المحبوبين، أشرق صاحب المقهى عليّ بوجهٍ عبوس وقال: «صديق برا - صلاة!!»