قدم الدكتور علي الرباعي في «ملتقى النص الجديد في القاهرة» ورقة عمل عن الإبداع والعالم الافتراضي، إضافة إلى مشاركته في أمسية شعرية. وجاءت مشاركته تلبية لدعوة من اتحاد الكتاب في مصر، وقدم فيها نصا جديدا، ومما جاء فيه: «ما شئت أم ما شيء لك، يجريك نهرا تتماهى بالحلك، تحور أم تدور، أم تبور في السكك، لا هيت لك، لا هيت لك، صعّد جراحك أنت للجرحى ملك». أما عن حيثيات الورقة فقال: «الورقة كانت تحت عنوان (الإبداع والعالم الافتراضي)، وأشرت فيها إلى أن علماء النفس يرون أن الشخصية البشرية تتنازعها عدد من القوى، منها المضيء ومنها المظلم، ولكون بعض القوى غير مرئية فإنها تؤدي عملها داخل النفس من خلال تحريك الحاجات البيولوجية، ورفع مؤشره تصاعديا ليبلغ مرتبة التوتر النفسي، تنتج عنه رغبات محركها الأساسي مبدأ تحقيق اللذة، بعيدا عن أدبيات وقواعد القيم والثوابت والأطر الأخلاقية، إذ هي لا تخضع لمنطق أو عقلنة. وتختزل مشاعر الإنسان في مجتمع سلطات متعددة، تسهم في كبت الكثير من انفعالاته، وتخنق منافذ البوح بها، خصوصا في جانب الأنثى، ما يخلق حالات الاكتئاب النفسي، ويولد ظواهر غير مألوفة منها الانتحار. وأزعم أن التقنية الحديثة نجحت في خلق فضاءات تواصل، ومساحات لقاء عبر أجهزة وآلات، أتاحت لجمهرة كبيرة من أفراد المجتمع فرصة التعبير عن أنفسهم والبوح عن مكنونهم عبر المواقع والمنتديات والفيس بوك من خلال صنع عالمها الافتراضي، اللامرئي غالبا، كون شخوص المشاركين وذواتهم غير معروفة لبعضهم ما فتح مجال للتنفيس والاسقاطات، وكتابة البعض نصوص آنية غير خاضعة للمراجعة، والعناية بالتصحيح الإملائي واللغوي، ويتفاعل المتلقي سريعا ويعلق تعليقات غير مرتبة وفيها الكثير من التعريض الغزلي، ومبادلة المشاعر الحميمية ما يمكن أن ينتج تواصلا يخرج من عالم افتراضي إلى عالم واقعي غير متوهم. أنموذج من مشاركة شاعر على صفحته في الفيس بوك: همست فكان لهمسها شجن ولي أمل يعربد في شظايا الروح يبحث عن مقيل.. أقتات صبري بانتظار نوالها وتمر أنفاس الحروف على فمي خجلى ويسألني المساء الصبر .. في تعب أجب هل من سبيل؟..اشتاق للإنسان يغمرني ويكتب للندى فجرا... ويمنح نشوة الإبحار شمسا من عبير..أهواك أحلم بارتشاف الزهر أو رسم الجنون على شفاه الليل أغنية لها في كل ساكن... هنا نلحظ نصا مشبعا بتعبيرات وجدانية، يستحث عاطفة الآخر ولن يخلو من جمالية، علما بأنه نص آني. ومن التعليقات عليه: رحت أفكر في معاني كلماتك فتاهت حروفي وعدت من دون تعليق...! سلمت أناملك استاذي. والنقل هنا للكتابة، كما هي ما يعني أن العالم الافتراضي يستحوذ على إعجاب كاتب النص ما يحفزه لاستدعائه وترغيبه في التواصل وخلق مجالس ومقاه بديلة تلتقي عبرها المشاعر ولا تلتقي الأجساد. خصائص عامة - عالم الافتراض مغر. - يسقط الكثير من القيود. - يوّلد الجرأة. - يوسع دائرة التعارف. - يستهلك الكثير من الوقت. - يؤطر العضو الفيس بوكي في قراءة محدودة، ويلغي الكثير من العلائق والوسائط الاجتماعية والمعرفية. - عالم متوجس. - عالم تجسس. - عالم استهلاكي في معظمه. نص الفيس بوك نص مترجرج، انفعالي، خال من العمق المعرفي والايديولوجي في بعض الحالات، وينطلق في معظمه من لغة تشبه لغة أو لهجة الدردشة مع صديق، وتظل تعمية الشركاء، وعدم تبين ملامحهم والتحقق من شخصياتهم، مولدة للذة التعاطي مع مجاهيل يحسن الظن بهم / بهن ما يحرك الشجن، ويحفز الذاكرة على مزيد من النصوص المتسارعة والهلامية واللامفكر فيها. هل يغدو الافتراضي أشهى وأكثر إغراء للنص بالتماهي مع حالة إبداعية لا متناهية، أم ينتهي بمجرد خروجه إلى الواقع؟