تستقبل المعزّين والحزن يعلو ملامحها وهي ترتدي اللباس التقليدي لأهل مكةالمكرمة المتشح بالبياض وكأنها ترفض حقيقة موت سلطان الخير، ولسانها لا يلهج سوى بالدعاء له أن يتغمده الرب برحمته وغفرانه، والمسبحة ترافق كلماتها عداً ونظماً، تارةً تذرف دمعة وتارةً تجيب معزيها:{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، والحزن هو القاسم المشترك بين ردات فعلها المختلفة. السيدة «منى مغربي» والتي تقيم في الإمارات العربية المتحدة منذ سنوات قررت أن تفتح منزلها لاستقبال المعزين في وفاة الأمير سلطان رحمه الله وعلى مدى ثلاثة أيام، وبيّنت أن هذا من أقل الأشياء التي أستطيع تقديمها للأمير الراحل وواجب علي كسعودية تجاه رمز وطني وأب حنون. وليست المرة الأولى التي تقوم بها السيدة منى بإقامة عزاء لشخصية وطنية كالأمير سلطان، فقد قامت بعد وفاة الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله بإقامة عزاء في منزلها كذلك، وعلقت قائلة بلهجتها الحجازية الأصيلة: «هذا واجب عليّا يا ولدي، وأقل شيء أقدر أقدمو للأمير سلطان..» وكانت «الجزيرة» حاضرة بعدستها أثناء العزاء والذي حضره عدد من جارات السيدة منى مغربي، فأحداهن تحمل الجنسية المغربية والأخرى لبنانية، بالإضافة لعدد من السيدات السعوديات المقيمات في دبي، وحول مشاعرها أثناء مشاهدتها لوصول جثمان الأمير سلطان والصلاة عليه قالت السيدة مغربي: «كنت أبكي ودموعي تذرف، حتى أتتني حفيدتي ذات الخمسة أعوام تسألني عن بكائي ولم أقدر على إجابتها». وروت السيدة منى قصة حلم رأته أثناء حملها بابنها، حيث أتاها الأمير سلطان في منامها وأوصاها أن تسميه «عبدالعزيز»، وفعلاً تمت تسمية ابنها عبدالعزيز، واستمرت في حديثها: «كنت أتمنى أن أقابل الأمير سلطان شخصياً، لأني فعلاً أحبه بعيداً عن أية مصالح دنيوية، والحب هذا لا يأتي سوى من الله سبحانه، والجميع شاهد مقدار حب الناس للأمير سلطان». وعندما سألتها عن أنها أليست خائفة من ترديد البعض أن ما تقوم به رياء؟ فأجابتني: «من يريد أن يقول هذا فليقول لا يهمني، أنا قمت بعمل العزاء والحديث عنه لأني فعلاً أحب الأمير سلطان وأكن له التقدير والولاء، خصوصاً أني بعيدة عن بلدي وأريد أن أشعر بأني جزء من وطني مهما ابتعدت المسافات، ودمعتي حارة على فقيدنا رحمه الله». النساء يتوافدن لعزاء السيدة أم عبدالعزيز في منزلها، واستأذنت مني عدة مرات كي تقوم للسلام على معزيها ثم تكمل حوارها معي، والمسبحة لا تفارق يديْها وكأنها تشاركها الحزن، والسيدة منى لا تزال تحمل في ذاكرتها قصصا كثيرة حول علاقتها غير المباشرة بالأمير سلطان وعائلته. واستمرت في سرد القصص: «قابلت صاحبة السمو الملكي الأميرة نورة بنت سلطان ابنة الفقيد بالصدفة في أحد مصاعد المستشفيات أثناء زيارتي لأحد أقاربي، ولم أكن أعلم وقتها أنها هي الأميرة نورة من تواضعها الجم وبساطتها، وتفاجأت لاحقاً أنها ابنة الأمير سلطان، وتأكدت وقتها أن أبناء الفقيد رحمه الله تعلموا منه قيم التواضع والخلق الرفيع». «حتى الأميرة البندري بنت سلطان جمعني بها لقائين سابقاً، والابتسامة لا تفارق وجهها، حتى طريقة سلامها لضيوفها ومحبيها مليء بالود والاحترام والتقدير»، وأردفت: «أسأل الله أن يوفق الأمير نايف في مهمته الجديدة وأن يديم الله علينا نعمة الأمن والأمان»، بهذه الجملة أنهت السيدة منى حديثها المليء بالشجن والحب والولاء لقيادة حكيمة ووطن معطاء.