إنّ التفكير بالسعادة يؤدي بالضرورة إلى التفكير فيما كان من قبل وفيما سيكون من بعد، وهذا بحد ذاته يفسد الشعور بالسعادة، قال مصطفى محمود: أنا أشعر بالسعادة لأني رجل متوسط، إيرادي متوسط، وصحتي متوسطة، وعيشتي متوسطة، وعندي القليل من كل شيء، وهذا معناه أنّ عندي الكثير من الدوافع والدوافع هي الحياة، الدوافع في قلوبنا حرارة حياتنا الحقيقية وهي الرصيد الذي يكون به تقييم سعادتنا. ويقول بيفيريروك: لقد جمعت من المال الكثير، ولكني رأيت من واقع التجربة أنّ الاستمرار في هذه اللعبة لعبة جمع المال خطيرة، وليس لها نهاية وتبلع العمر والسعادة.. لذلك غيّرت عملي واتجاهي إلى عمل آخر أهواه في مجال النشر.. لا يدرّ مالاً كثيراً ولكنه يحقق لي السعادة وخدمة المجتمع، وإنني أنصح كل رجل أعمال جمع من المال ما يكفيه جداً، أن يكفّ عن لعبة المال ويتقاعد مبكراً ليستمتع بما حقق ويشرع في عمل محبوب فيه خدمة للمجتمع وإمتاع للوقت. وبحسب موقع البحث الشهير ويكيبيديا: فإنّ تعريف السعادة: هي «شعور بالبهجة والاستمتاع منصهرين سوياً « والشعور بالشيء أو الإحساس به هو شيء يتعدّى بل ويسمو على مجرّد الخوض في تجربة تعكس ذلك الشعور على الشخص، و»إنما هي حالة تجعل الشخص يحكم على حياته بأنها حياة جميلة ومستقرة خالية من الآلام والضغوط على الأقل من وجهة نظره». (الجزيرة) كانت لها جولة بحثاً عن كينونة السعادة وأين نجدها وكيف نحافظ عليها، فخرجت لكم بهذا التحقيق.. مكامن للسعادة الشاب سلامة فهد العنزي الذي يرى أنّ للسعادة أنواعاً ومنها: - السعادة القصيرة أي التي تستمر لفترة قصيرة من الزمن. - السعادة الطويلة التي تستمر لفترة طويلة من الزمن (هي عبارة عن سلسلة من محفزات السعادة القصيرة) وتتجدد باستمرار لتعطى الإيحاء بالسعادة الأبدية. أما الوسيلة التي تحفز الإنسان على إحساسه بالسعادة فهي كيفية التأمّل لوضع أهداف للنفس ليتم تحقيقها: الشخص المشغول دائماً والمثقل بأعباء العمل، فالطريقة الأكثر فاعلية له لكي يكون سعيداً ويبتعد عن الاكتئاب الذي يكتسبه مع دوامة العمل، هو إحراز تقدم ثابت ومطرد. أما عبد الرحمن عطية الفالح أحد المنومين في مستشفى الأمير عبد الرحمن السديري بسكاكا إثر حادث مروري، فيرى أنّ الصحة لا ثمن لها وأنّ سعادة الإنسان في صحته وعافيته، فالله سبحانه أعطانا من السعادة ما كنا لا نراها حتى فقدنا صحتنا، عندها أيقنا وعرفنا أننا كنا في بحبوحة من السعادة لم نول لها بالاً، كنا لاهين معرضين متنكّدين في حياتنا، نبحث عن السعادة وهي تتلبّسنا كل يوم ولكننا نرمي جلباب السعادة ونبحث عن رداء الملذات البالي. أما (ف ر) أحد المساجين بسجن سكاكا العام، فيقول إنّ العالم الخارجي جميعه في سعادة ولو لم يكن له سوى أنه خارج أسوار السجن يمشي حراً طليقاً وقت ما يشاء وكيفما يشاء، لكفاه ذلك من السعادة الشيء الكثير، إنّ السعادة أن تكون خارج أسوار السجن بين أهلك وأفراد أسرتك، لقد دفعنا ثمن غلطاتنا الشيء الكثير، لقد افتقدنا السعادة ولم نذق لمعناها أي طعم في هذا السجن وسأصيح بأعلى صوتي للعالم الخارجي الذي لم يذق طعماً ذقناه ولم يعش حالاً عشناها ولكنهم لا يشعرون... إنكم سعداء صدقوني إنكم سعداء. نايف فلاح المريخان يرى أنّ السعادة في أن تبتسم دون مناسبة، وما بداخلك يهمس الحمد لله على كل حال.. السعادة أن تشعرّ بأنّ الله راضٍ عنك فلا تنسى ذكر الله.. إحسان الظن جالب للسعادة وهو راحة للقلب أيضاً، قال عمر رضي الله عنه: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شراً وأن تجد لها في الخير محملاً. وقال الشافعي من أراد أن يقضي الله له بخير فليحسن ظنه بالناس، فالإنسان حيث يتشبث بفكرة صائبة مبشرة حققها، ويؤيد ذلك قول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي أنا عند ظن عبدي فليظن بي ما شاء. ومما يجلب السعادة مصاحبة السعداء وطرد الأفكار التعيسة واختيار اللفظ الحسن. مفاتيح السعادة أما رجل الأعمال خالد قاسم الزيدان، فيشير إلى أنه يجب أن نفرق بين السعادة الحقيقية والترويح عن النفس، وبما أننا مسلمون فنحن نؤمن بقول الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ، ومن هذه الآية عرفنا مفتاح السعادة، حتى أن غير المسلمين يشعرون بالسعادة عند مساعدة الآخرين وقد يكونوا بذلك حصلوا على الثواب في الدنيا وهذا هو العدل. أظن أنّ السعادة أن تملك القليل وترضى به، وتقنع بما عندك من خير، وبما أعطاك الله من موفور الصحة والعافية، فإذا كنت بأسرة مستقرة وتملك من المال ما يكفيك ويغنيك عن سؤال الناس، فأظن أنك قد مسكت تلابيب السعادة من مجاميعها أو ليس الله تعالى يقول: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}. وللتربويين رأي في السعادة .. صالح صفوق الرويلي مشرف التربية الإسلامية بمكتب التربية والتعليم بصوير، وإمام وخطيب جامع سعد بن أبي وقاص بزلوم، فيقول إنه يكثر السؤال عن السعادة والحل واضح، ولكن الكثير لم يفهم المسألة أصلاً، أو أن المفهوم الحقيقي للسعادة غائب عن البعض، ولكي يصل الإنسان إلى طريق السعادة عليه أن يعرف أولاً سبب وجوده وخلقه, قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، وقال تعالى: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ومن ثم عليه تحقيق المعادلة التالية (أن يحسن التعامل مع الله عز وجل أمره ونهيه واتباع كتابه وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتعامله مع الإنسان والمجتمع المحيط به، وتعامله مع الكون وما سخّر له ويعمل على التوازن بينها وفق الحدود والضوابط التي ارتضاه رب العالمين, قال تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ، وقال تعالى: َمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ، فالضلال والشقاء والضنك في الحياة لمن لم يتبع هدى الله, والسعادة في الدارين لمن اتبع هدى الله وكان مع الله، فذلك سعادته عظيمة يجدها في أنسه بربه وراحة باله وتيسير أموره ومحبة من حوله ولقمته الهانئة، حتى أنه يجد لكل عمل يقوم به لذة وطمأنينة في نفسه. وللسعادة عند المعلم سطام متعب الحربي منحى آخر فيقول إن من محبة الله تعالى للصالحين.. الذين هم أهل الجنة.. أن الله يجمع لهم بين سعادتي الدنيا والآخرة.. فالملل الدائم الذي ينزله الله بمن عصاه.. أو طلب السعادة في غير رضاه.. يضيق على أهل المعصية دنياهم.. وينغص عليهم عيشهم.. حتى يتحوّل ما يسعون وراءه من متع إلى عذاب يتعذّبون بها.. فلماذا؟!! يقول أحمد أمين في (فيض الخاطر) «ليس المبتسمون للحياة أسعد حالاً لأنفسهم فقط، بل هم كذلك أقدر على العمل، وأكثر احتمالاً للمسؤولية، وأصلح لمواجهة الشدائد ومعالجة الصعاب. أما أم محمد - ربة منزل، وهي معلمة - فترى أنّ المرأة السعيدة هي التي تستطيع أن تجعل من منزلها خلية دائمة للسعادة، تجلب من رحيق الحياة أحلاه ومن زهور الأيام أزهاها وتقدمها لزوجها ولأطفالها على طبق من السعادة وهي بذلك تكون سعيدة أيضاً.. وتضيف إنّ الفتاة لا تبحث سوى عن بيت يجمعها بأيام السعادة مع زوج مخلص ووفي، يقدّر قيمتها وكينونتها كأنثى حساسة ورقيقة، هنا سيكون للسعادة طعم وهنا سيكون للسعادة معنى ومذاق مختلف .. أسرة سعيدة وقلب سعيد.