بعد مضي عشر سنوات على تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر يبقى البُعد الأهم في تاريخيته؛ كونه أسس موازين قوى مختلفة، وخرائط تحالفات جديدة، بيّن من خلالها نمط النهج السياسي الغربي بغطرسته، وأسلوبه الاستعلائي المتسلط، ومحاولة إبقاء ميزان القوى في صالحها. تجاوزت تأثيرات الحادي عشر من سبتمبر؛ لتصبح حدثاً معولماً، أضر بمصالح العالم الإسلامي إضراراً كبيراً، إضافة إلى تأثيره على صورة الإسلام لدى الغرب. في المقابل كان لتلك الأحداث أبعادٌ إيجابية، لا يمكن إغفالها، ولعل من المهم الاستفادة من الثغرات التي بدأ العالم يعيها، وعلى رأس تلك الثغرات: اعتبار ما تمارسه إسرائيل إرهاب دولة، وهو ما يتناقض مع المفهوم الأمريكي الداعم الرئيس لإسرائيل، وسياساتها في المنطقة، وما سيتولد عنه من تبعات على مستوى العالمين الإسلامي والعربي. وعلى المدى البعيد يرى الأستاذ محمد محمود ولد محمدو، في كتابه «الهجمة المضادة للحملة الصليبية: جذور وتداعيات الحادي عشر من سبتمبر»، أن مُحَصلة كل تلك الغَطرسة، والجبروت الأمريكي ستكون في: «دَفع الولاياتالمتحدة ثمنًا باهظًا، من جرَّاء سلوكها الإمبريالي، الداعم بلا هَوَادة للسياسة الإسرائيليَّة الهدَّامَة، وللحروب التي أشعلتْها في أفغانستان، والعراق؛ فهناك أجيال جديدة من العرب، والمسلمين، يتربَّون اليوم على كَرَاهية أمريكا، وهذه الكراهية آخذة في الاتِّساع؛ لتشمل كلَّ حليف للولايات المتحدة». وينادي الكاتب الأصوات المتعقلِّة في الغرب بتحييد الصراع، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فمن الواضح - تمامًا - أن «الإسلام هو المستهدَف الوحيد بِجام الغضب، الصادر عن هؤلاء الذين يقدِّمون دروسًا للغير، ويُنَصِّبون أنفسَهم حُماة للقِيَم». قبل أيام ناقش مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام قضية شهر شوال لهذا العام، وقدّم المركز بحثاً عن: «واقع ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م»، للدكتور إبراهيم إسماعيل عبده، رصد من خلاله تحليلاً للتداعيات المجتمعية على العالمين العربي والإسلامي، ولاسيما أن العالم العربي خصوصاً، والعالم الإسلامي عموماً، يمر في العقود الأخيرة بمرحلة تحولات كبرى، تفرضها عوامل داخلية وخارجية. ويبدو أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وما أعقبها، تُعَدّ من أبرز العوامل الخارجية المؤثرة في هذا الصدد؛ فما لبثت أن وقعت هذه الأحداث إلا واحتدم النقاش، وثار الجدل حول أسبابها، والعوامل التي أدت إلى إنتاجها، وتباينت التحليلات في تفسير تداعياتها، التي طالت بدورها مجتمعات دول العالم كافة على حد سواء. وقد تنوعت زوايا مقاربة الأحداث وتفسيراتها؛ لتخرج بنتائج متباينة. والراصد المدقق لتداعيات أحداث سبتمبر، فيما يتعلق بمكون آخر مهم من مكونات المجتمعَيْن العربي والإسلامي، المتمثل في مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بالعمل الخيري، يجد أنها كانت بمنزلة اللحظة الكاشفة عن وجود تلك المشاعر العدائية لدى قطاعات مؤثرة في المجتمعات الأوروبية والأمريكية. وأن هذه المشاعر السلبية والتوجهات والصراعات العدائية ليست وليدة واقعة معينة، ولا حادث عارض هنا، أو هناك، وإنما هي ذات خلفيات بعيدة، تضرب بجذورها في أعماق التاريخ الأوروبي ضد ما هو غير غربي وغير أمريكي. ومع بداية الحملة الأمريكيةالغربية ضد ما سُمي ب»الإرهاب» في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر تراءى لكثير من الدوائر الإعلامية والسياسية الغربية، ولبعض المحليين للسياسات الغربية، أن تاريخ مؤسسات المجتمع المدني في العالمين العربي والإسلامي قد وصل إلى نهايته قبل أن ينضج، ويأخذ مكانته على المستويات المحلية والعالمية. وقد انتهز هذا البعض الفرصة ليشن حملة إعلامية كثيفة ضد أشكال العمل الخيري كافة؛ باعتباره مكوناً رئيسياً من مكونات المجتمع المدني العربي ظناً منهم أن ذلك يمكن أن يسهم في الإجهاز عليه، وإخلاء الساحة الوطنية والعالمية منه. وعلى الرغم من هذا فإن ثمة أربعة أدوار إيجابية، تستطيع أن تنهض بها مؤسسات المجتمع المدني ذات المرجعية الإسلامي في البلدان العربية والإسلامية. وتتعلق هذه الأدوار - بالأساس - بتقوية نسيج البنية التحتية لوحدة الأمة، جنباً إلى جنب مع الدور الذي تسهم به المؤسسات والتنظيمات الحكومية، وكذا تجديد الشعور بالانتماء إلى تلك العوامل التي وحَّدت الأمة الإسلامية، وشدت أزرها في العصور السابقة، وفي مقدمها: العقيدة، والشريعة، واللغة، والقيم الأخلاقية، وحفز التعاون في المجالات الاقتصادية، والسياسية، والثقافية بين شعوب الأمة العربية والإسلامية، لكن هذا لا يجب أن يدفع باتجاه تجاهل ما تواجهه مؤسسات وجمعيات العمل الخيري الإسلامي البناءة من تحديات ناجمة عن الهجمة الغربية في سياق تداعيات أحداث سبتمبر، تضاف بدورها إلى ما تواجهه من تحديات داخلية، تبقى عاملاً مؤثراً في الحد من فاعليتها وكفاءتها في إنجاز أهدافها المشروعة في تنمية مجتمعاتها. غير أنه، ومع الاعتراف بأن ثمة تحديات كبيرة يواجهها العرب والمسلمون في البلدان غير الإسلامية في أعقاب أحداث 11سبتمبر، إلا أنه لا يمكن الإقرار بمواجهتها بالانغلاق، بل بالحوار، والعمل على إعطاء صورة صحيحة عن الإسلام ومبادئه وقيمه، كما أن على العرب والمسلمين أن يدركوا ضرورة تدعيم قنوات التواصل مع الآخرين من القوميات والثقافات الأخرى، وأن إيجاد مثل هذه القنوات أضحى مطلباً ضرورياً؛ للتعريف بالإسلام وبمبادئه السمحة، ولتحقيق التفاهم مع غير المسلمين، وإرساء دعائم السلام في العالم بالتعاون والتضامن معهم.