اليوم هو السبت ثاني أيام عيد الفطر السعيد لهذا العام 1431 ه أعاده الله على الأمة الإسلامية بالخير و اليمن و العزة و التمكين و البركات ، يحتفل فيه المسلمون بما قدموه من طاعة الصيام و القيام ، و يوافق عيدنا السعيد في عامنا هذا ذكرى يوم النحس المستمر الحادي عشر من سبتمبر 2001 م الذي يتخذ منه اليمين المتطرف المتصهين المسيحي بأمريكا ذريعة لنشر الكراهية و الخوف من الإسلام و المسلمين و توجيه الإهانات للرموز الإسلامية. القس «تيري جونز» رئيس كنيسة مركز الحمائم للتواصل العالمي و مؤلف كتاب ( الإسلام من الشيطان ) تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ،اراد أن يستعدي العالم على المسلمين من خلال توجيه إهانة كبرى للكتاب الذي ( لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) بحرق آلاف النسخ من المصحف الشريف في هذا اليوم إحياءً لذكرى الحادي عشر من سبتمبر 2001م ، و أكد على أن في ذلك رسالة للمتطرفين الإسلاميين بأن أمريكا لن تقبل سيادة الشريعة الإسلامية في العالم ، و دعا بقية العالم من خلال موقع الفيس بوك على الشبكة العنكبوتية إلى حرق المصحف الشريف ورغم اعلانه عن تراجعه ،الا ان الغريب ان تكتفي الإدارة الأمريكية إزاء هذا الجرم المشهود بشجب ما كان يزمع القس فعله ، و مناشدته ان لا يفعل و تنبيهه إلى ما يمكن أن ينتج عن الجريمة النكراء من تداعيات قد تشكل حسب تعليق الجنرال بتريوس خطراً على «المهمة الأمريكية» بأفغانستان و على سلامة القوات الأمريكية فيها ، و القصة بتسلسلها الغريب العجيب هذا تتناقض مع المنطق السليم إلا ان تكون الإدارة الأمريكية متواطئة مع القس «جونز» و تتبادل معه الأدوار في خطوات تشكل نقلة نوعية في السياسة الأمريكية المعلنة من الحرب على «الإرهاب» إلى الحرب على الإسلام ذاته. الأسئلة الملحة التي تطرحها هذه الفعلة النكراء حتى و لو لم تتم فقد وقعت بالفعل أضرارها على العلاقات بين أتباع الأديان في كل أرجاء الأرض كثيرة منها : هل يمكن حصر المسؤولية في التجرؤ على مقدسات الأديان كمثل إحراق نسخ المصحف الشريف على شخص واحد أو أشخاص هم المنفذون المباشرون للجريمة فكان كالذي تعاطى فعقر ناقة صالح عليه السلام أم أن جريرتها تشمل الدول التي سمحت بإقترافها و لم تأخذ على يد سفهائها ، ثم ألا تغذي مثل جرائم التطرف هذه ردود الفعل المتطرفة من كل الأطراف ؟! و سؤال ثالث ما الذي يمكن أن يمثلة حرق الكتب عموماً من دلالات غير حضارية في حق الدول و الشعوب التي تمارسه ؟. لم تزل الولاياتالمتحدة و منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 م تتملص من مسؤولية تلك الإهانات التي توجهها قواتها و مؤسساتها العسكرية و المدنية و التي من بينها تعريض نسخ من المصحف الشريف لصور من الأذى و القاذورات في سجن قوانتانامو منها قيام بعض أفراد القوات العاملة في السجن بالتبول على المصحف الشريف و رميه في المراحيض بهدف كسر معنويات السجناء المسلمين ، تتملص من المسؤولية الأخلاقية و القانونية الدولية بنسبة تلك الجرائم لأفراد من قواتها قد تحاكمهم أحياناً محاكمات صورية لذر الرماد في العيون على إعتبار أن تلك التصرفات الفردية لا تمثل سياسة للحكومات الأمريكية المتعاقبة ، فإذا كانت مسؤولية إرتكاب الجرائم مسؤوليةً فردية فلماذا هاجمت أمريكا العالمين العربي و الإسلامي بجريرة 19 شخصا هم مرتكبو أحداث سبتمبر الإرهابية حسب الرواية الرسمية الأمريكية ؟! على كل ليس القس «جونز» وحيداً « بل يمثل توجها عدائيا قديما جديدا ضد الإسلام «الشيطاني ، فقد صرح حاكم ولاية تيناسي رون رامزي في معرض إجابة له في شهر يوليو 2010 م بمدينة «ناشفييل» عن الغزو الإسلامي لأمريكا بالتالي ( أتساءل إن كان الإسلام ديناً أم هوية وطنية و طريقة حياة أو جماعة متطرفة ، إن غالبية ما في الإسلام يماثل فلسفة سياسية عنيفة أكثر من مماثلته لدين محب للسلام ) و قام أتباعه على الفور بعد التصريح بإضرام النيران في موقع مزمع لإنشاء مسجد بالمدينة و إطلاق الأعيرة النارية ، و في شهر رمضان / أغسطس الماضي قام مجموعة من الشباب الأمريكي في مدينة نيويورك بمهاجمة مسجد محلي و إرهاب مرتاديه بإعتبارة بيتا للفئة المتطرفة ، وراء كل ذلك و غيره الكثير الكثير ، العامل المشترك بين كل الأعمال العدائية ضد الإسلام في هذه المرحلة في الولاياتالمتحدةالأمريكية هو مسلّمة المعتقد السياسي الأمريكي الجديدة بأن الإسلام ليس بدين بل فلسفة سياسية عنيفة. فكرة حرق الكتب ظاهرة لا حضارية قديمة عرفها التاريخ تقوم بها جهات و حكومات متطرفة لأسباب دينية أو سياسية أو حتى تراثية ، و هي لا تمثل في حقيقتها تدني محتوى الكتاب بقدر ما تنم عن الجهل المطبق لمرتكبي تلك الحماقات التي قد تتسبب في بعض الحالات في خسائر علمية لا تعوض ، قامت مثلاً محاكم التفتيش الأسبانية عام 1499 م بحرق ما يزيد عن 5,000 كتاب عربي في ساحة غرناطة ، و علق الشاعر الألماني «هيرينش هيني» على تلك الحادثة الأليمة بالتالي ( حيث يحرقون الكتب ، سيحرقون في نهاية المطاف بني البشر ) ، كما شهدت ألمانيا النازية ذاتها تاريخاً حافلاً من حرق الكتب تولى تنفيذه ما عرف حينها بأتحاد الطلبة الالمان إستمر مسلسله من 1933 و حتى نهاية الحرب تقريباً تم من خلاله إحراق في ما يشبه الإحتفالية ما يزيد عن 25,000 كتاب وصفت بأنها غير ألمانية ، فهل تسير أمريكا قائدة العالم الحر اليوم على خطى و قيم ألمانيا النازية بالأمس؟!. الان وبعد ان اعلن القس تراجعه فان من الواضح أن الهدف من هذه الأعمال الإستفزازية ضد الرموز الإسلامية في الولاياتالمتحدةالأمريكية هي تهييج مشاعر الكراهية ضد الإسلام و المسلمين ، و تبني الإساءات للرموز الإسلامية بشكل دراماتيكي لإستثارة ردود فعل متطرفة و عنيفة و ربما «إرهابية» كبرى من قبل المسلمين من الداخل و الخارج الأمريكي بهدف تبرير الحروب المستدامة على العالم الإسلامي. يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون. [email protected]