للاجتماع والتآلف منزلة كبيرة في دين الإسلام فالشارع الحكيم دعا إلى إقامة جسور المودة والمحبة بين المسلمين، فهو يدعو إلى الاجتماع لا للعزلة، وللتعارف لا للتكاثر وللتعاون لا للتخاذل ليكون الناس في الإسلام كالجسد الواحد في الائتلاف. ) ومن الخصال الحميدة التودد إلى الناس والتحبب لهم، انطلاقًا من الإخلاص وطلب رضا الله قبل رضا الناس، لأن الأخلاق الصالحة ثمرة التمسك الصحيح بالإسلام، وثمرة العقول الراجحة، فمن لقي الناس بالإحسان، وعاملهم بالأخلاق الحسان، وتعامل معهم بالرفق واللين، وحُسن البشر، ولين الجانب، والصبر على الأذى، فقد جعل الناس يتقربون إليه، ويأنسون بالحديث معه، ويقبلون إليه ويتقبلون منه. ) وهذا هو شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه يقول عبد الله بن الحارث رضي الله عنه : «ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم «. وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم جوانب مشرفة وصفحات مضيئة وصور منيرة تدل على حرصه عليه الصلاة والسلام في إشاعة الخير والمحبة بين الناس، كما ثبت في صحيح البخاري، أن النبي قال: «إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكبه الله في النار». ) ومما يدل على حرص الصحابة في محبتهم للناس وحب الناس لهم ما أخرجه مسلم في صحيحه أن أبا هريرة رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «ادع الله أن يُحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا»، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم حبب عُبيدك هذا - يعني أبا هريرة - وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين» قال أبو هريرة: فما خُلق مؤمن يَسمع بي ولا يراني إلا أحبني. ) ويقول سهل بن عبد الله الساعدي رضي الله عنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله، دلني على عمل، إذا أنا عملته أحبني الله، وأحبني الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد في أيدي الناس، يحبوك». ) وخلق التحبب إلى الناس إن لم يكن خالصًا لله فسوف ينقلب إلى الضد من النفاق والمداهنة والتزلف، فالحب في الله هو الذي يدفع الإنسان إلى الحرص على اكتساب حب الآخرين، فالتحبب إلى الناس يكون بحسن البشر ولين الجانب وإيصال الخير ودفع الأذى وغير ذلك من الصفات الفاضلة، والمحب لإخوانه يبتعد عن إنشاء العداوات بينه وبينهم، يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: «مما أفادتني تجارب الزمان أنه لا ينبغي لأحد أن يظاهر بالعداوة أحدًا ما استطاع فإنه ربما يحتاج إليه مهما كانت منزلته». ) والعبد المحافظ على أوامر الله والواقف عند حدوده، هو المحبوب عند ربه، والمحبوب عند خلقه، فمن أتى بما يجب عليه وتقرب إلى ربه بالنوافل فهو المحبوب. والله ولي التوفيق. *وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية