قد استجاب الله سبحانه وتعالى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا)، إن المدينةالمنورة مدخل صدق وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة أنه سيهاجر إلى بلاد بها نخل، فقد روى الشيخان من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخلٌ، فذهب وهلي إلى أنها اليمامةُ أو هجرُ، فإذا هي المدينة يثربُ”. متفق عليه. وهي دار الحبيب صلى الله عليه وسلم ومبوأ أصحابه من المهاجرين والأنصار قال تعالى (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) (9) سورة الحشر أي: اتخذوا المدينة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم مبوءًا حيث اتخذوها منازل وقد ارتبط هذا المبوأ بالإيمان بالله ورسوله، وتبوءوا الديار أي: توطنوا الدار واتخذوها دار الهجرة والإيمان، ومبوأ تعني المكان فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المدينة قبة الإسلام ودار الإيمان ومبوأ الحلال والحرام) رواه الطبراني بإسناد حسن، وفضائل المدينةالمنورة لا يمكن حصرها في بحث منفرد فهناك فضائل للمدينة المنورة في ضوء القرآن الكريم وأخرى في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته، حيث تعددت مواقع الفضائل، سواء المسجد النبوي أو بقية المساجد، أو الأودية، والجبال، وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على السكن فيها وعدم الخروج منها، كما حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على السكن بالمدينةالمنورة والمجاورة فيها، فعن سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تفتح الشام فيخرج من المدينة قومٌ بأهليهم يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح اليمن فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح العراق فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون). متفق عليه. ويبسون أي: يصدرون أصواتًا لإسراع السير منها. وتتعدد مجالات الخير الواردة في قوله صلى الله عليه وسلم (والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) منها: مضاعفة ثواب الصلاة في المسجد النبوي: يتضاعف أجر الصلاة في المسجد النبوي إلى ألف صلاة فيما سواه من المساجد وهذا فضل من فضائل المدينةالمنورة فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في ما سواه إلا المسجد الحرام). متفق عليه. لذا فإن من سكن المدينة عليه الحرص على الصلاة في المسجد النبوي إن كان ذلك ممكنًا وإلا فإن من فضائل المدينة أيضًا أن يكتب الأجر والثواب لمن صلى في الحي، فقد روى جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: “إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد؟” قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك، فقال: “يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم”. رواه مسلم. فضل التعليم والتعلم في المسجد النبوي: يعتبر المسجد النبوي مدرسة جامعة تنزل بها القرآن الكريم وانطلقت منها جيوش الفتح الإسلامي فهو موقع لنشر الإيمان والإسلام والجهاد في سبيل الله وتنزل أحكام التشريع وهو مدرسة لتعليم الناس، فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله ومن جاءه لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره). حديث صحيح. وبالمسجد النبوي تتعدد مجالات الخير أيضًا حيث الروضة الشريفة (فعن عبدالله بن زيد المازني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة” رواه البخاري. وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي” متفق عليه. وقد فسر ذلك بأنها (الروضة) كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة وحصول السعادة بما يحصل من ملازمة حِلق الذكر أو أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة. - ومن مجالات الخير أن المدينةالمنورة حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ان من أسمائها الحبيبة، والمحببة، فعن عائشة رضي الله عنها قالتْ: قدمنا المدينة وهي وبيئةٌ فاشتكى أبو بكر، واشتكى بلالٌ رضي الله عنهما فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوى أصحابه، قال: “اللهم حبب إلينا المدينة كما حببتَ مكة أو أشد وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وحول حماها إلى الجحفة”. متفق عليه. محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة بما فيها من جبال وأودية: كما أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أوديتها وجبالها فقد أحب جبل أحد في أحاديث متنوعة صحيحة فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم: “إن أحدًا جبلٌ يحبنا ونحبه” متفق عليه. وروي كذلك عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فضربه برجله، وقال: “أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان”. رواه البخاري. وأحب صلى الله عليه وسلم أوديتها ومنها وادي العقيق فعن ابن عباس رضي الله عنه قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “أتاني الليلة آت من ربي، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك...” رواه البخاري. والحب يكون قلبيًا وعمليًا وذلك تطبيقًا لفعله صلى الله عليه وسلم حيث أنه عندما يرى المدينة يسرع في الدخول إليها لمحبته لها صلى الله عليه وسلم فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفرٍ فنظر إلى جدران المدينة أوضع راحلته، وإن كان على دابة حركها من حبها”. رواه البخاري. تعدد الأجر بالمدينةالمنورة: تعدد مجالات الخير بالمدينةالمنورة حيث المساجد التي صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أسسها في مساكن الأنصار وبقية القبائل بالمدينةالمنورة ومن أهم تلك المساجد: مسجد قباء: هو أول مسجد بناه الرسول صلى الله عليه وسلم عند قدومه إلى المدينةالمنورة. وقد شارك الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في بنائه فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبتٍ ماشيًا أو راكبًا. رواه البخاري وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء وصلى فيه صلاة، كان له أجرة عمرة) رواه ابن ماجة. وعن عبدالحميد بن جعفر قال: حدثنا أبو الأبرد مولى بني خطمة أنه سمع أسيد بن ظهير الأنصاري رضي الله عنه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الصلاة في مسجد قباء كعمرة” رواه الترمذي وحسنه. وكان عليه الصلاة والسلام دائم التردد إلى مسجد قباء، وكان عبدالله رضي الله عنهما يفعله. وتوجد مساجد أخرى متعددة داخل المدينةالمنورة صلى بها الحبيب صلى الله عليه وسلم.