كتبت مع بداية الأزمة السورية أن النظام الحاكم يُقاتل «من أجل البقاء على محورين رئيسين، المحور الأمني، وهو المحور الذي أثبت الجيش السوري فيه قسوة وصلفا، وانتهاكا سافرا لحقوق الإنسان، وامتهانا لكرامة الشعب؛ والمحور الاقتصادي الذي ربما تسبب في التعجيل بسقوط النظام. استمرار (الانتفاضة) يعني مزيدا من الخسائر للاقتصاد السوري، ولرجال المال والأعمال النافذين، ويعني أيضاً تقليصا للنفقات، وخفضا حادا لرواتب الموظفين، وإغلاقا للمصانع»؛ وأضفت أن «انهيار الموسم السياحي في سوريا أثر سلبا على تدفق العملات الأجنبية، وتسبب في تسريح أعداد كبيرة من الموظفين، وكبد رجال المال و الأعمال، خسائر فادحة» «أديب ميالة»، حاكم المصرف المركزي السوري، قال في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية: إن على السوريين «شد الأحزمة» بعد فرض عقوبات أوروبية وأميركية قاسية على سوريا. وأضاف: إن «القطاع الأول الذي تضرر هو السياحة التي تراجعت عائداتها بنسبة تسعين في المائة، والمواطن هو المتضرر الأول. النقل والواردات والصناعات ستضطرب أكثر فأكثر وسيزداد الفقر والبطالة». لم يكن الأمر يستدعي فرض العقوبات الدولية للوصول إلى النتائج المؤلمة التي اكتشفها «ميالة» متأخرا؛ «ميالة» حاول التذاكي، حين قال إن «الحظر عقوبة ضد كل السوريين خصوصا الأكثر ضعفا» والحقيقة أن كثيرا من السوريين كانوا ضعفاء وفقراء وفاقدي حقوقهم الأساسية قبل الحظر، لأسباب مرتبطة بسيطرة النظام، وأعوانه على مفاصل الاقتصاد، واستنزافهم ثروات البلاد، وتحويلهم الإموال إلى الخارج؛ ومحاربتهم المستثمرين الأجانب «ميالة» نفى تحويل إيران ستة مليارات دولار لدعم الليرة السورية، وأكد أن «استقرار الليرة السورية ناجم عن إنشاء صندوق لتقلبات أسعار صرف العملة قبل سنتين»؛ وهذا جزء من سياسة الكذب التي يتبناها النظام السوري منذ بداية الانتفاضة. سوريا لا تمتلك الملاءة المالية التي تعينها على تشكيل صندوق لمواجهة تقلبات أسعار الصرف الحادة، وهي وإن امتلكت بعضا منها قبل الأزمة، فمن المفترض أن تكون قد تبخرت مع انقضاء الشهر الأول على الانتفاضة الشعبية، أما الليرة السورية فهي في أدنى مستوياتها حاليا. الاقتصاد والليرة السورية أصبحا أثرا بعد عين، وأجزم بأن «مياله» يعلم قبل الآخرين كذب تصريحاته الإعلامية المُضللة؛ أما التمويل الإيراني القذر فلا يمكن إنكاره؛ وقد تم توجيهه لدفع رواتب الجيش المتأخرة لمنع التمرد لأسباب مالية!، ومستحقات ميليشيا حزب الله، وشراء الذمم في الداخل والخارج، و شراء الأسلحة لمواجهة الانتفاضة، وتدعيم بعض القطاعات المهمة، إضافة إلى تدعيم حسابات قادة النظام في الخارج تحسبا للسقوط؛ تشير بعض المعلومات الصحفية المؤكدة، أن جزءا من تلك الأموال أُعيد تحويلها إلى حسابات بعض أركان النظام في الخارج وهي عملية خطرة ستجر خلفها الكثير من المشكلات المالية، القانونية، والأمنية مستقبلا. إيران ما زالت الممول الأول لسوريا، والداعم العسكري لها، ولعلي أضيف أن هناك بعض التمويلات القذرة التي وصلت سوريا من جماعات خليجية، بتوجيهات من مرجعيات إيرانية عليا، وهي أموال استخدمت في قتل السوريين، والتنكيل بهم، والإضرار بسمعة الدول الخليجية!. سياسة «شد الأحزمة» ربما تبناها النظام السوري بعد فرض الاتحاد الأوروبي حظرا على شراء النفط السوري، وهي ضربة اقتصادية موجعة ستزيد من أعباء النظام، وستؤدي إلى مزيدا من التدهور الاقتصادي وتدهور الليرة السورية؛ فقطاع النفط يحقق ما يقرب من ثلث الإيرادات الحكومية. الدعم الإيراني السخي ربما توقف أيضا تحت ضغط البرلمان الإيراني الذي طالب برفع الغطاء عن النظام السوري بعد تبدل مراكز القوى على الأرض، وبدء الإيرانيين مفاوضات مباشرة مع الثوار وهي إشارة لقناعة الجانب الإيراني باستحالة بقاء النظام السوري مع استمرار الانتفاضة، وإصرار المجتمع الدولي على رحيله. ما زلت أعتقد أن المحور الاقتصادي سيعجل في سقوط النظام، إلا أنه سينهك السوريين أنفسهم، وسيتسبب في مشكلات كثيرة يصعبُ معالجتها مستقبلا. لو تمتع النظام السوري بقليل من الحكمة لما بقي في سدة الحكم يوما واحدا، فخلخلة كُرسي الرئاسة يعني سقوطه لا محالة؛ وسقوطه بأقل الخسائر؛ من الجانبين؛ خير من دمار البلاد والعباد.