الاقتصاد كان السبب الرئيس لتغيير الأنظمة المفاجيء في تونس ومصر. قد تتحمل الشعوب صلف الحكومات، وقسوتها، إلا أنها تعجز عن تحمل الجوع، والفقر والعوز؛ إدارة الاقتصاد، تنمية الموارد، زيادة دخل الفرد، ورفع مستوى المعيشة أسباب رئيسة لنجاح الحكومات، وبقاء الأنظمة، وتحقيق الأمن والاستقرار؛ في الوقت الذي تتسبب فيه المشكلات الاقتصادية المزمنة، بكثير من الأزمات الخانقة. في سوريا، يُقاتل النظام الحاكم من أجل البقاء على محورين رئيسين، المحور الأمني، وهو المحور الذي أثبت الجيش السوري فيه قسوةً وصلفاً، وانتهاكاً سافراً لحقوق الإنسان، وامتهاناً لكرامة الشعب؛ والمحور الاقتصادي الذي ربما تسبب في التعجيل بسقوط النظام. استمرار (الانتفاضة) يعني مزيداً من الخسائر للاقتصاد السوري، ولرجال المال والأعمال النافذين، ويعني أيضاً تقليصاً للنفقات، وخفضاً حاداً لرواتب الموظفين، وإغلاقاً للمصانع، إضافة إلى تسريح العمالة، وهو ما قد يؤدي إلى إثارة الصامتين، ودفعهم للحاق بالثورة الشعبية. انهيار الموسم السياحي في سوريا أثر سلباً على تدفق العملات الأجنبية، وتسبب في تسريح أعداد كبيرة من الموظفين، وكبد رجال المال والأعمال، خسائر فادحة؛ بعض رجال المال السوريين حرصوا على تهريب أرصدتهم إلى الخارج، وإن أعلنوا وقوفهم مع النظام وحرصهم على حماية الاقتصاد من الانهيار؛ مجلة ال « إيكونوميست» أشارت إلى أن «20 مليار دولار غادرت سوريا منذ مارس الماضي»؛ الولاءات السياسية الداخلية قد تتبدل بتبدل الأوضاع الأمنية التي يبدو أنها في انحدار؛ وهو ما يعني فقدان النظام لدعم رجال المال والأعمال المسيطرين على التجارة، والعلاقات المالية الدولية. صندوق النقد الدولي توقع انخفاضا في نسبة نمو الاقتصاد السوري، وهذا أمر متوقع، بل ربما يشهد الاقتصاد انهياراً حقيقياً خلال الأربعة أشهر القادمة، يعجز فيها النظام السوري عن الوفاء بالتزاماته الداخلية. خُطَط البنك السوري المركزي في الابقاء على الأرصدة الأجنبية لن يُحالفها النجاح، فمواجهة الثورة الشعبية، إضافة إلى توفير الغذاء، الطاقة، وأساسيات العيش للمواطنين يحتاج إلى أموال طائلة لا يمكن للنظام السوري تحملها إذا ما طال أمد الثورة، وهو أمرٌ مُتوقع. الحكومة السورية اتخذت عدة إجراءات لحماية الليرة السورية من الانهيار بعد النقص الكبير في مخزون العملات الأجنبية، وتوقف التدفقات الداخلة، بما فيه تدفقات الاستثمارات الأجنبية؛ ومن تلك الإجراءات وقف التحويلات الخارجية، وتحديد سقف أعلى للسحب من المصارف، إضافة إلى استقطاع ما يقرب من 500 ليرة من رواتب العاملين؛ مثل تلك الإجراءات قد تحقق الدعم المؤقت لليرة، إلا أن استمرار الاحتجاجات الشعبية، وتصعيدها سيزيد من احتمالية انهيار الليرة السورية؛ إضافة إلى ذلك فإجراءات التقشف، والدعم التي يتحملها العاملون ستنعكس سلبا على علاقتهم مع النظام، ما يعني إذكاء نار الاحتجاجات وتَحَول أعداد كبيرة من الصامتين إلى خانة المحتجين. رجل الأعمال السوري، وقريب الرئيس، مخلوف، حث رجال المال والأعمال على تحويل أرصدة حساباتهم بالدولار إلى الليرة السورية، وهي نصيحة لا أظن أنه عمل بها أصلاً!؛ عودة الليرة إلى سابق عهدها مرتهن بمستقبل النظام، فبقاؤه يعني انهيارها لا محالة، وذهابه يعني عودتها تدريجياً، وفي الحالتين سيتكبد من يستمع لنصائح مخلوف خسائر فادحة. هناك من حقق مكاسب كبيرة في المضاربة على الليرة السورية، واستغلال الفارق الكبير بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء؛ وعلى رأسهم مخلوف؛ رجال المال الانتهازيون أقنعوا الحكومة بعد تحقيقهم المكاسب الضخمة بضرب السوق السوداء وتقليص الفارق بين السعرين، وهو أمر، وإن بدا منطقياً من الناحية النقدية، إلا أنه يُحقق مصالح المتنفذين على حساب الشعب الذي يريد المحافظة على مدخراته!. النظام السوري، أدرك أهمية الجانب الاقتصادي في (معركة البقاء)؛ إلا أن إدراكه المتأخر لن يُساعده على تحقيق النتائج الإيجابية. انهيار الليرة، وإجراءات التقشف والخصم التي يتحملها العاملون، وترنح الاقتصاد، وتسريح العاملين سيؤدي إلى زيادة حدة الاحتجاجات، وإثارة عامة الشعب ما يُرجح تلاشي فرص بقاء النظام، والتعجيل بسقوطه خلال الأشهر القادمة؛ إن لم تحدث المُعجزة!.