وجود الأبوين على قيد الحياة نعمة من الباري جل وعلا على كل فرد منا، من أحسّ بها وقدرها فاز بخيري الدنيا والآخرة، ومن فرّط فيها بالعقوق خسر خسرانا مبينا وندم على ذلك ولكن بعد فوات الأوان، ونحن في شهر الرحمة والغفران الذي نجدد فيه التوبة للمولى، ونقف فيه مع أنفسنا دائما محاسبون لهذا لابد أن ندرك أمرا عظيما لابد من القيام به على أكمل وجه حسب استطاعتنا قبل أن نندم وحينها لاينفع الندم ألا وهو تناول طعام الإفطار مع الوالدين أو أحدهما في رمضان إذا كانا منفصلين، ففي ذلك البر واللذة التي يجدها كل من يقوم بذلك حتى وإن كان المرء بعيدا عنهما يسافر لهما ويصلهما، ورمضان فرصة للم الشمل ونبذ القطيعة والفرقة حينما تصفو النفوس وتتحرر القلوب من درن الحقد والحسد، وهي فرصة عظيمة لنا في هذه الدنيا قبل أن يهجم علينا أو عليهما هادم اللذات فنندم وساعتها لايفيدنا ندمنا بعد أن رفعت الأقلام وجفت الصحف، وإن قلبي ليتقطع ألما وحسرة، وعيني تذرف الدموع حينما أسمع أو أقرأ عن فلان وفلانة بأنهما لم يفطرا مع والديهما ولا يوم من أيام شهر رمضان المبارك بحجة مشاغل الدنيا أو الانشغال بالزوج والأولاد، نعم للزوج والأولاد حق ولكن حق الوالدين أعظم، ومن لم يصل والديه وهو يستطيع ذلك في رمضان فمتى يصلهما ويبر بهما، فرحماك ربي من قسوة القلوب وعظم الخطوب! إنني أيها الأحبة أذكركم بهذا الأمر العظيم الذي غفل عنه كثير من الناس وتجاهلوه وتساهلوا فيه رغم أنهم في شهر عظيم فيه تضاعف الحسنات وتمحى السيئات، والوالدان أغلى مافي هذا الوجود عند كل ذي لب وخاصة المسلمين فمن فرط في برهما والإحسان إليهما فإنه سيجني من ذلك الخيبة والخسران في الدنيا الفانية ويوم المعاد، ووالله إن السعادة الحقيقية حينما تجلس معهما وتسليهما وتحقق مايطلبان بنفس راضية وقلب مطمئن واثق بما عند الله من الأجر العظيم، حينما تفطر معهما وتكتحل عيناك برؤيتهما، وما أجمل أن تمسك بالتمرة أو بكأس الماء أو العصير أو فنجان القهوة أو الشاي لتناولها لأبيك أو لأمك وقلبك تغمره السعادة، ففي قربهما الراحة والطمأنينة التي لاتجدها عند أحد غيرهما ! والمسكين ورب الكعبة من حرم نفسه من هذه اللذة العظيمة والأجر الكبير وفرّط في كنزين ثمينين وجنتين من جنان الدنيا، واسألوا من حُرم وجود الوالدين في الدنيا ماحاله، ندم وحسرة وحرقة وألم، وعودة إلى الذكريات القديمة معهما، والبكاء على التقصر في حقهما، وكم من شخص يتمنى عودتهما ليبرهما ويعوّضهما بالإحسان ولكن هيهات هيهات أن يعودا فقد ماتا وطويت صفحتهما بالدنيا، وباب التوبة مفتوح لمن أراد أن يتوب لعلام الغيوب، والعمل الصالح لاينقطع وبإمكان كل شخص أن يبر بهما بعد مماتهما لعله أن يقدم مايشفع له عند مولاه من أعمال البر التي يصل أجرها إليهما في قبرهما، ورسالتي في نهاية مقالتي عبر بوابة جزيرة الخير حث إخواني وأخواتي وتذكيرهما بالحرص على بر الوالدين واستغلال وجودهما على قيد الحياة ببذل الجهد لطاعتهما والتقرب إلى الله ببرهما، ومن ذلك في شهر الخيرات والطاعات، ولاشك بأنه ليس هناك أجمل ولا أروع ولا أعظم من الجلوس مع الوالدين والأنس بحديثهما! والأكل معهما على مائدة واحدة، فهيّا يامن فرطت في برهما تُب إلى ربك وكن بارا بوالديك قبل أن تتلفت يمينا وشمالا فلا تجدهما فتندم وحينها لاينفعك ندمك، فاللهم هل بلغت اللهم فاشهد، اللهم ارزقنا البر بآبائنا وأمهاتنا، وارحم من مات منهما. [email protected]