كلما أمعنت في تعاليم الإسلام الخاصة ببر الوالدين أيقنت كم هو عظيم ديننا، فلا أظن أن هناك تشريعًا في أي دين أو نحلة حض على بر الوالدين والإحسان لهم فقد قرن الإسلام في بعض المواضع بر الوالدين بطاعة الله. ويحفظ لنا تاريخنا الإسلامي في القريب والبعيد نماذج وحكايات تروى في مجال بر الوالدين. وهي وقائع من فرط نصاعتها يكاد البعض لا يصدقها أو يعتبرها إلى الأحاجي أقرب منها إلى عالم الناس المعيش. نتساءل في أسى وحسرة لماذا توارات هذه القيم، وما هو السبب فيما نسمعه ولا نكاد نسمعه من مآسٍ في عقوق الوالدين والإساءة لهما؟ هل كان يدور بخلد أسلافنا أنه سيأتي زمان يرفع فيه الابن صوته فوق صوت أبيه وأمه، وهل فكر أحد من قبل في أن ابنٍ ما قد تراود خياله وسواس الاعتداء على والديه.. لقد صار كل هذا واقعًا تتناقل تفاصيل واقعه الصحف والمجلات وتعرض بعض نماذجه على شاشات التلفزة. وفي حادثة عقوق اشترط رئيس محكمة على عاق لوالده أن يحفظ جملة مما ورد في الكتاب الكريم والسنة المطهرة من الأدلة على وجوب طاعة الوالدين ووجوب برهما والإحسان إليهما حفظًا متقنًا، لإسقاط شهرين من عشرة أشهر كعقوبة سجن، فضلا عن جلده 200 جلدة متفرقة على عقوقه. وشدد رئيس المحكمة على الشاب أخذ تعهد على عدم تكرار ما حصل منه تجاه والده، وكانت الدعوى التي قدمها والد المدعى عليه ضد ولده تفيد بأنه تعرض للضرب بحجر على يده اليسرى مما تسبب له بتورم ورضّ استلزمه راحة لمدة أسبوعين حسب التقرير الطبي. وبعد استجواب الشرطة للمدعى عليه، أقر بأنه لحق بوالده ورماه بحجر على يده اليسرى، كما أصر على مطاردته مبرِّرًا ذلك بوقوفه إلى جانب أخيه الصغير ضده، حيث ضربه أبوه بعصا، معلنًا ندمه على فعلته.. نتنمى أن تنطلق حملات توعية وتوجيه من كافة المؤسسات لنعيد لقيمة بر الوالدين مكانتها الرائدة ولنجتث تلك المظاهر الدخيلة التي باغتتنا ونحن في غفلة ساهون. إننا بحاجة أيضًا إلى التذكير بما يمكن من خلاله أن نحسن إلى الآباء والأمهات، ومن عظمة الإسلام أنه جعل هذا الأمر متاحًا ميسورًا في حياة الوالدين وبعد رحيلهما، كما أنه قطع المعاذير على كل من قد يتعلل بضيق ذات اليد أو مشقة الكلفة.. فعبر ابتسامة وكلمة حانية يمكن أن يتحقق معنى الإحسان والبر، ومن خلاله هدية بحسب القدرة والاستطاعة يتحقق معنى الإحسان والبر، ومن خلال الدعاء وصلة من كان الوالدين يصلون في حياتهما إذا رحل أحد الوالدين أو كلاهما تتجسد معاني الإحسان والبر. "جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال: أحيٌّ والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد". [email protected]