بداية، أهنئ جميع المسلمين بهذا الشهر الكريم، راجياً الله سبحانه وتعالى قبول الصيام والقيام. الفوضى في شهر رمضان المبارك - للأسف - ميدان واسع، وذلك مشاهد سواء ممن يرتادون المساجد، أو ممن يرتادون أماكن البيع، أو ممن يتجولون بالطرقات بمركباتهم، وكأنَّ البعض -هداهم الله- لا يحلو لهم ذلك إلا في هذا الشهر الكريم الذي تنزل فيه الرحمة. يبحث المسلم عن الأجر ويتحرَّاه ويلتمس مواطنه، وقد يرجع من ذلك بالإثم لاقترافه أموراً عدة منها مثلاً: عندما نريد الصلاة وخصوصاً صلاة العشاء والتراويح وبخاصة إذا كان المسجد مشهوراً ويرتاده الكثيرون تجدنا نقف بشكل خاطئ أمام المنازل، فنخالف أنظمة المرور أولاً، ثم نخالف الذوق العام ثانياً، ولنقترف ثالثاً إثماً في سد الطريق أمام صاحب المنزل، بحجة أداء الصلاة وحضور صلاة التراويح، فيمتد الوقت لساعة أو ساعة ونصف ساعة، فيقف أحدنا وقد أغلق المنافذ لهذه البوابة، وبعد الصلاة قد يتجاذب أطراف الحديث مع هذا وذاك غير عابئ لردود الأفعال التي من الممكن أن تحدث. فماذا لو احتاج الأمر لحضور الإسعاف أو المطافئ، ماذا لو كان صاحب المنزل عاجزاً - مُقَعَّداً - ويحتاج إلى تعامل طبي معين داخل المنزل، وبدخول السيارة بأجهزتها الطبية، وقس على ذلك. لا شك أن صاحب هذا المنزل سيرفع يديه بالدعاء على من تسبب عليه في ذلك، أيضاً ما يحدث في بعض الشوارع الرئيسة أو المتفرعة وبخاصة عند نقاط البيع للأكلات المشهورة أو طلب بعض المستلزمات الخاصة برمضان والطوابير البشرية التي توحي بكثير من الفوضى تؤدي إلى كثير من التلاسن بين الحاضرين، واختناقات السيارات ورفع الأصوات وبعد ذلك الدخول في العراك وذهاب الأجر. فأين سلوك الصائمين؟ فوضى عارمة، وكأن هذا الشهر الكريم الذي فرضه الله سبحانه وتعالى لتهذيب النفس وصدها عن رغبتها ونزعاتها وكسر شوكة تطلعها بأيامه القلائل كأنه أصبح فيه الفعل معاكساً فلا يحلو للبعض إلا إطلاق الهوى لنفسه بأن تأخذ راحتها فيما تريد، فيخطئ على هذا ويعاتب ذاك ويدخل في خصومة مع آخر، بل إن البعض -هداهم الله- لا يحلو لهم ممارسة الأخطاء إلا في هذا الشهر الكريم. نقطة أخرى أحب أن أشير إليها، وهي ما نراه ونشاهده من تكافل اجتماعي إسلامي في إفطار الصائمين -جزى الله القائمين على ذاك كل خير- ولكن الملاحظ أن هذا الاهتمام يقتصر على شهر رمضان، وكأنَّ المقصود به الشهر نفسه فقط، فالله جل في علاه مطلع على الأحوال في سائر الأزمان، ونحن على يقين أن الشهر المبارك أجره مضاعف، والعمل فيه مندوب، ولكن هناك من يحتاج لهذه الالتفاتة بقية العام، بل إنه في غير رمضان أشد حاجة، فالأغلبية تتسابق على فعل الخير في هذا الشهر وقد يعتريها الكسل فيما سواه، إلا من وفقه الله لذلك، فإن برمجة هذه الموائد وتوزيعها سائر العام هي الحل الأمثل لما قد ينشأ في بعض الأحيان من فوائض في المأكل قد يكون مصيرها وجودها فوق بعضها أمام بعض المساجد تمهيداً لنقلها إلى النفايات في مشاهد لا تسر وتفضي إلى ما تمكن أن نسميه تخلفاً. فالنعمة تدوم بالمحافظة عليها وشكرها، ووضعها في موضعها. ولا شك أن البعض -أثابهم الله- قد أدركوا ذلك فأحسنوا بالتنظيم بتعميم فكرة الوجبات المغلفة والتي يستطيع الصائم حملها معه وتناولها في أي وقت. على أن هناك حلاً قد يراه القائمون بتنظيم إفطار الصائم، وهو أن تقوم المساجد بالتناوب فيما بينها -خصوصاً أن بعض المساجد قريبة من بعضها - وأعني بذلك أن يكون هناك وجبتان وأحدة للفطور في مسجد وأخرى للسحور في مسجد آخر، وهكذا تعم الفائدة ونحيي السنة في الحرص على تناول السحور كما أوصانا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحافظ على النعمة بعدم إهدارها وإشعار الصائمين بالالتفاف حولهم سواء كان ذلك في الإفطار أو في السحور. - مدير عام المهرجان الوطني للتراث والثقافة [email protected]