قرأت ما كتبه الأستاذ خالد الرفاعي في المجلة الثقافية لصحيفة الجزيرة (الخميس: 21-7-1432ه) في التعليق على المحاضرة التي ألقاها الدكتور عبد القدوس أبوصالح منذ أكثر من شهرين في نادي الرياض الأدبي عن الأدب الإسلامي، فابتهجت به؛ إذ حسبته مقالا ينشد الحقيقة، و سيهدي للقوم عيوبهم، وعندما قرأته رأيت أنه مقال لا ينشد إلا الإثارة والاستفزاز والسخرية. وقد بدأ الاستفزاز والسخرية في المقال من عنوانه، والعنوان هو عتبة النص ؛ كان عنوان المقال : «على هامش خطبة د. عبد القدوس أبو صالح في أدبي الرياض» وتحته بخط كبير فاقع «الأدب الإسلاميّ خارج الزمن». ومن الواضح أن المقال بدأ بإطلاق القذائف من أول كلمة في العنوان، فما ألقاه الدكتور عبد القدوس أبو صالح من آراء حول الأدب الإسلامي – في نظر الكاتب – هو «خطبة» والخطبة هنا تُستعمل بشكل مشوّه، إذ تخرج من دلالتها الإسلامية في كونها جنساً أدبياً راقياً يقوم على المنطق والإقناع، لتتحول إلى دلالة الكلام الحماسي الفجّ البعيد عن المنهجية والعلم. ومن بقية العنوان «الأدب الإسلامي خارج الزمن» يبدأ إطلاق القذيفة الأخرى؛ فالأدب الإسلامي شيء بالٍ لا يصلح لهذا العصر، يعيش في الكهوف والمقابر، إنه خارج الزمن. 1- العدائية تجاه المحاضر: لست في موطن الدفاع عن الدكتور عبد القدوس أبو صالح، ولا عن محاضرته، ولا عما نسب إليه الكاتب من آراء وأقوال لم نشهدها، فالمحاضر الجليل أقدر على ذلك، وبيانه أجلى من أن يحتاج إلى بيان غيره. ولكن ما أسوقه هو دفاع عن الموضوعية التي غابت عن مقالة الأستاذ خالد الرفاعي فيما كتبه عن الشيخ ومحاضرته، والروح العدوانية التي بدت تجاه أستاذ جليل. كان يتوقع القارئ - وهو يطالع مثل هذا العنوان المثير - الذي يحمل حكمين خطيرين يسيئان لا إلى المحاضر وحده، بل إلى جميع من حضر وعقّب، وإلى جميع من يتبنون الدعوة إلى هذا الأدب ؛ كان يتوقع كلاماً علمياً يفنِّد ما ورد في كلام المحاضر، ويرد عليه، ويبيِّن ما فيه مما سماه الكاتب «عتاقة وقدامة». ولكننا فوجئنا بكلام استفزازي حماسي، يتهم كلام المحاضر ب « الخطابية» على حين أن كل لفظة مما قاله كاتب المقال مغموسة غمساً في «الخطابية» الفجة. ماذا قال الأستاذ خالد؟: 1 - قال إن كلام د. عبد القدوس عن الأدب الإسلامي «خطبة» أي ليس علماً ولا نقداً، ولا منهجية أو موضوعية فيه. لماذا ؟ هكذا. رأي شخصي غير معلل، ولا شاهدَ واحداً يؤيده. إنه النقد الانطباعي البدائي. 2 - وقال: إن المحاضر لم يلتزم الوقت، وإنه – في جلسة (كواليسية) قبل أن تبدأ المحاضرة - طالب بوقت أطول، وإنه غضب وهاج. ولم نكن شهوداً لنثبت أو ننفي، ولكن الذي نعرفه أن المحاضر التزم في محاضرته الوقت الذي منح له أمامنا، وإذا كان قد تجاوز بعض الدقائق فإن هذا أمرٌ لا يستحق أن يُتَحدَّث عنه أصلاً بهذه الطريقة الانفعالية العدائية، وهو أمرٌ يقع فيه كثيرٌ من المحاضرين. 3 - اتهم المحاضرَ بالدكتاتورية، والاستبداد بالرأي، وأنه لا يريد الاستماع إلى أحد؛ لا الآن ولا في المستقبل، وأنه «استكثر على وعي الجمهور أن نختلف معه، أو أن نطرح بين يديه رؤانا، وأنه طلب من المقدِّم أن يختصر المداخلات، لأنها لا تحمل في ذاتها قيمة معينة، ولأنها مظنة استعراض عضلات». 4 - امتن على المحاضر وهو أستاذ جليل، وباحث كبير تخرج على يديه المئات من أساتذة الجامعات الآن، بأن نادي الرياض الأدبي أعطاه الفرصة لكي يتحدث عن مشروعه الأدبيّ، ولكنه لم يحسن استثمارها، وهدد بالانسحاب إذا لم يعط الوقت الكافي، كما لو كان النادي محتاجاً إليه وإلى هذه الفرصة (كذا !). 2- العدائية تجاه الجمهور: لم يكتف الكاتب الكريم بالطعن في المحاضر الجليل بل امتد هذا الطعن إلى جمهور الحاضرين من عقَّب منهم ومن لم يعقب، ومما قاله فيهم: 1- قال: إن الحاضرين جميعاً هم جماعة الشيخ – المحاضر – وأتباعه، يرافقونه حيثما حلَّ. وكأن هذا أمر غير مألوف. أليس أكثر من يحضر أية محاضرة هم أصدقاء المحاضر وتلامذته؟ فهل يعني هذا أن جماعة الشيخ لو لم يحضروا لخلت القاعة ؟ وعلى من تقع المسؤولية عندئذٍ ؟ألم يدعُ النادي أحداً؟ 2- قال: إن هذا الجمهور كان في صف الشيخ، ولأنهم جماعته فقد مالؤوه، وجاملوه، وصفقوا «لخطبته» ولمعوا ما فيها من «عتاقة وقدامة». 3 - العدائية تجاه أعضاء الرابطة: لم يقتصر هجوم الأستاذ خالد على المحاضر الذي لم يعجب ب « خطبته» بل امتد في التعميم ليهاجم جميع أعضاء الرابطة. 1 - قال: «إنهم انقطعوا إلى أنفسهم انقطاعاً يشبه الانتحار، وخرجوا طائعين من الزمن، وصاروا يكتبون لأنفسهم ويقرؤون لها، ولا يه مهم موقف الآخرين من مشروعهم». 2 - وقال: «تمر الأيام وهم يدورون على بعضهم كما تدور الرحى لا يتقدَّمون خطوة، ولا يطؤون موقعاً جديداً. . وإنهم لا يحاورون أصحاب التيارات المنحرفة. هذا ملخص الكلام العلمي الذي ليس « بخطبة» والذي كتبه الأستاذ خالد الرفاعي حفظه الله. ولا أريد كما ذكرتُ أن أدافع عن الشيخ أو عن محاضرته، ولكني أسوق الرأي فيما شهدنا ورأينا وكنا طرفاً فيه , ملخصاً في النقاط الآتية: 1 - لم نشهد - ولا علم لنا بما دار خلف الكواليس - المحاضرَ يمنع أحداً من إبداء الرأي، أو يصادر عليه، إلا إذا كان قد هدَّده من خلف ظهورنا ونحن لا ندري. وقد أبدى-على كلّ حال- بعض الحاضرين وجهة نظر مخالفة، وتقبلها الشيخ، ورد عليها بهدوء وثقة. 2 - ولا أحسب الأخ الكريم كاتبَ المقال مُنع من إبداء رأيه. وكونُه مقدِّماً لا يحرمه من هذا الحق إذا شاء، ولكنه سكت، وأدار المحاضرة وهو - بتعبيره - «جدث مهمل في قفر بليد» لماذا سكت ؟ وهل صاحب الحجة يسكت وإن علم أن كلامه سيغضب المخالفين له في الرأي ؟ ترى أهذه شمّاعة نعلِّق علينا أحياناً عجزنا عن الرد؟ 3 - والدكتاتورية التي ينسبها الكاتب الكريم إلى الشيخ المحاضر بدت عنده في أجلى صورها، فهو يريد أن يُنْطق المعلقين بما يريد، وإذا نطقوا بغير ذلك فهم مجاملون منافقون، خائفون من غضب الشيخ. ولذلك فهو مستاء لأن أحداً لم يعارض آراء المحاضر، وهو محبط لأن الدكتورة «سعاد المانع» خيبت أمله في أن تكون صوتاً يعارض الأدب الإسلامي، على الرغم من استفزازه لها على نحو يشبه الأمر عندما سألها وكأنه يقررها: «أحسبك من المعترضين على مشروع الأدب الإسلامي، أليس كذلك ؟» 4- لم يكتفِ الكاتب الكريم بما نسبه إلى المحاضر من اتهامات ظالمة، ولكنه تطاول على المحاضرين والمعقبين، وهم أساتذة جامعة، وباحثون ونقاد، فاتهمهم - كما ذكرت - بأنهم جميعاً أعوان الشيخ وجماعته، وافقوه الرأي - على بطلانه- وصفقوا لورقته، ولمعوا ما فيها من «العتاقة والقدامة» إنهم إذن - هؤلاء الحاضرون - فئة من المنافقين أُتي بهم للتهريج والمجاملة. 5 - وإذا كانت ورقة الدكتور عبد القدوس في رأي كاتب المقال «خطبة»، متسمة بالعتاقة والقدامة وإذا افترضنا جدلاً أن الدكتور عبد القدوس لم يحسن عرض مشروعه والدفاع عنه، فهل يعني ذلك أن أقول عن المشروع بأكمله «إنه خارج الزمن»؟ هل الأدب الإسلامي هو أدب شخص واحد يمثله أو هو أدب أمة ؟ لقد قلت في مداخلتي في هذه المحاضرة : إن الأدب الإسلامي ليس حكراً على طائفة معينة، ولا على الرابطة وحدها، إنه اتجاه من الاتجاهات، وإن من نقاده ومبدعيه الضعيفَ والمتوسط والقوي، شأن أي مذهب أدبي في العالم. وإن خارج الرابطة من الأدباء والنقاد عدداً لا حصر له من الدعاة إليه، وقد يبدعون ويكتبون أحسن بكثير مما يكتبه أعضاء الرابطة. 6 - أما عن محاورة دعاة الأدب الإسلامي الآخرين والرد عليهم، فلعل الأستاذ خالداً لا دراية كافية عنده لما يصدره أعضاء الرابطة وغيرهم من بحوث ودراسات، وأحيله للتمثيل فقط إلى الحوارية التي كتبها صاحب هذه الأحرف هو والدكتور مرزوق بن تنباك عن الأدب الإسلامي، وإلى حوارية «خطاب الحداثة» التي كتبها صاحب هذه الأحرف كذلك مع الدكتور جمال الشحيّد، ليرى كيف يتحاور دعاة الأدب الإسلامي مع المخالفين لهم في الرأي؟ 7 - وأما أنشطة الرابطة وحضورها فالكلام فيها يطول، وحسبها أن لها الآن خمسة عشر مكتباً في أنحاء العالم العربي والإسلامي، ولكل مكتب أنشطته، ولها ست مجلات تصدرها بالعربية والإنجليزية والأوردية والتركية، والبنغالية. وأخيراً أشكر الكاتب الكريم الأستاذ خالداً على إكباره لمشروع الأدب الإسلامي، وتقديره لغيرة أعضاء الرابطة على الكلمة الطيبة الهادفة، ونحمل ما قاله عن عثرات الرابطة والقائمين عليها على المحمل الحسن، وجلَّ الذي لا يخطئ، وأدعوه - بحكم كوني نائباً لرئيس الرابطة - إلى محاضرة في مقر الرابطة هو أو من يرشحه من المعترضين على مشروع الأدب الإسلامي، لكي نستفيد من ملاحظاتهم وتجاربهم، ونسدِّد من مسيرتنا التي لا ندعي لها الكمال.