نشرتُ مقالةً في (المجلة الثقافية:21-7-1432ه) بعنوان (الأدب الإسلامي خارج الزمن)، ضمّنتها موقفاً عابراً من ورقة أستاذنا الكبير د.عبد القدوس أبو صالح في (أدبي الرياض)، ومن بعض أعضاء الرابطة، الذين أساؤوا إلى مشروع الأدب الإسلامي من حيث لا يعلمون...، وأظهرتُ في تلك المقالة استيائي الشديد الشديد من الدائرة المغلقة التي تتحرك فيها أنشطتهم، ومن العزلة الاختيارية التي فرضوها على أنفسهم أو فرضوا أنفسهم عليها...، وكنتُ متصالحاً مع نفسي إلى حدّ بعيد، فعبّرتُ - طائعاً مختاراً - عن إيماني بمبادئ الرابطة وقيمها، وتقديري لغيرة أعضائها، والمنضوين - ضمناً - تحت لوائها...، لكنّ احترازي واحتراسي لم يشفعا لي عند د.وليد قصّاب، فردّ علي بمقالةٍ اتهمني فيها ب (معاداة الأدب الإسلامي) ، وزعم - منطلقاً من فهم قاصر، أو انتقام جائر - أنني وصفتُ أعضاءَ الرابطة الذين حضروا المحاضرة ب(الخوف)، و(النفاق)، وأنني أنظر إلى الأدب الإسلامي (المشروع وليس الرابطة) كما لو كان شيئاً بالياً، لا مكانَ له إلا في المقابر...، كلُّ ذلك لأنني انتقدتُ ورقةً واحدةً لعضوٍ واحدٍ من أعضاء الرابطة!! يعرف كلُّ من قرأ مقالتي تلك أنني لم أسجّلْ كلمةً واحدةً في حقّ الأدب الإسلامي (من حيث هو مشروع)، ولم أعرض له ولم أعترض عليه، ومع ذلك كلّه صرتُ بقرارٍ من نائب رئيس الرابطة عدواً لدوداً للأدب الإسلامي، ومن عادى الأدبَ الإسلامي، فهو عنده - بلا شكّ - عدوٌ مبين لمبادئه العامة، المستمدّة من الكتاب والسنة!! السؤال المهمّ هنا: ما الذي حدا بالدكتور قصاب إلى إخراج مقالتي من دلالة ضيّقة (انتقاد عضو أو أعضاء من الرابطة) إلى دلالة عامة (معاداة الأدب الإسلامي)؟ هذا السؤال من الأهمية عندي بمكان، وأحسب أنّ الإجابة عنه ستعزّز ما كنت انتهيت إليه في مقالتي السابقة بشأن عدد من أعضاء الرابطة. سأوجز إجابتي عن هذا السؤال في نقطتين: أولاهما: أنّ د.قصاب - مثل غيره من الأعضاء - عوّد نفسه على العيش بين الأشباه والنظائر، فلا يسمع منهم إلا ما يريد، ولا يسمعون منه إلا ما يريدون؛ الأمر الذي ولّد لديهم شعوراً نامياً بأنهم مستهدفون، وأنّ الآخرين متآمرون عليهم؛ يمارسون إقصاءهم، ويحتفلون بالمشاريع الأدبية المنحرفة على حساب مشروعهم. (وأحتفظ بتصريحات لكثير من أعضاء الرابطة في هذا السياق)!! ثانيتهما: أنّ د.قصّاب - مثل كثير من أعضاء الرابطة - يجعل عضو الرابطة معادلاً موضوعياً للأدب الإسلامي، بحيث يكون انتقاده انتقاداً بالضرورة للأدب الإسلامي، واعتراضاً عليه، وعلى مبادئه المستمدة من الكتاب والسنة، (لذلك عدّ انتقادي لرئيس الرابطة عداء سافراً للأدب الإسلامي)!! لقد تضمّن ردّ د.قصاب عدداً من الأسئلة، بعضها مباشر، وبعضها الآخر ضمني؛ وفيما يأتي إجابة عن بعضها: أولاً: سألني د.قصاب عن ملامح العتاقة والقدامة في ورقة (أبو صالح)، وأنا أجيبه هنا بأنّ أكبرَ ملامحها خلُّوها من الجديد والطريف، وتثاقُلها عن مقاربة قضايا الساعة، وتعاليها على المحاورة والمداورة. لقد أسّس الشيخ الجليل ورقته على ثلاث جزئيات، هي: (وجود الأدب الإسلامي في مختلف عصورنا الأدبية)، و(مفهوم هذا الأدب وسماته)، و(مسوِّغات الدعوة إليه)، وهذه الثلاث - كما يعلم الجميع - قُتلت بحثاً ومعالجة، ونُشرت في كلِّ واحدة منها بحوثٌ وكتبٌ بالعشرات، وفرغ الجادون من قراءتها والتهميش عليها قبل عشرين عاماً أو أكثر. لقد أشرتُ في مقالتي السابقة إلى أنني سمعتُ من الشيخ في (أدبي الرياض) ما كنت سمعته منه قبل خمسة عشر عاماً، ولم أكن وقتها ساخراً ولا عدواً، وإنما كنت أعني هذا الرقمَ على الحقيقة لا على المبالغة، فالورقة التي ألقاها الشيخ في (أدبي الرياض) قبل شهرين هي نفسها الورقة التي ألقاها (بإيجاز) على هامش تكريمه في (اثنينية خوجة) أواخر ديسمبر عام 1995م، والتشابه بينهما ليس في الأفكار فحسب، ولكن في الأسلوب أيضاً، وهو تشابه يبلغ في بعض المواضع درجة النقل الحرفي التامّ مع توسّع في الاستشهاد!! فهل حياتنا الفكرية والأدبية من الجمود واليباس بحيث لم تستجدّ فيها فكرةٌ واحدة منذ عام 1995م تستحقّ منه التشخيص والمعالجة؟ وإن كان د.قصاب مُصراً على وصف ورقة الشيخ بالدقة والجدة والطرافة، فإنني مستعد لنشرها في هذا الملحق بعد إذنٍ من الأطراف المعنية، ومستعد لمناقشته علناً في كلماتها واحدة واحدة؛ ليرى بعينيه - بعد أنْ خانته أذناه - أنها صفٌّ بائسٌ لكلامٍ فرغنا منه، وفرغت منه الحياة!! ثانياً: سألني د. قصاب: «لمَ لمْ تناقش المحاضر، ولمَ لمْ تعترض عليه؟»، وأنا أجيبه هنا: بأنّ الشيخ الجليل منعني من فعل ذلك، وهدّد رئيسَ النادي أمام بوابة القاعة بالانسحاب إن لم أغيّر طريقتي في الإدارة، وهذا الكلام (الكواليسي) يشهد عليه رئيسُ النادي، واثنان من مندوبي الصحف المحلية، ولو كان الشيخ على ثقة مطلقة بنفسه - كما يزعم د.قصاب - لفتحَ لنا الأبوابَ كلّها، وأعطانا حريةَ الأسئلة وإجاباتها - كما يفعل ضيوف النادي -، ولستُ بلائمٍ الشيخ على ما فعل، فهو قد تبرمج على أنْ يأمرَ فيطاع، ويقول فيسمع، ويخطب فيصفق له، ولم يعتد على المناظرة العلمية، ولا الحوار الجادّ، (بصيغتيهما المعاصرة)، وإن فعل مرةً أو مرتين أو ثلاثاً فمن وراء الأحبار والقراطيس، وفي مجلات الرابطة، أو ملتقياتها ومؤتمراتها. ثالثاً: أخذ عليّ د.قصّاب أنني انتقدتُ تعاملَ الشيخ مع النادي، وأنني مننتُ عليه الدعوة، وأنا أجيبه هنا بأنني فيما كتبتُ لا أمثّل إلا نفسي؛ إذ لست مدفوعاً من أحد، ولا مخوّلاً من قبل النادي بالترافع أو المحاماة، لكنني في الوقت نفسه أتساءل عن الخصوصية التي خلعها الشيخ الجليل على نفسه؛ فسوّغت له التصرّفَ (وهو فرد) في سياسة عامة أقرها مجلس إدارة النادي قبل سنوات... ألا يعرف الشيخ الجليل أنّ الضيفَ على حكم المضيّف، وأنّ النادي مؤسسة حكومية معتبرة، لها مجلس إدارة ولجان متعدّدة، تضع سياسات البرامج، وتجيز المقترحات الخاصة بها؟ لقد قالها بصوت ندي، وفي مكتب رئيس النادي: «أنا لا أعرف منبرَ الحوار، ولا أعرف طريقه ولا سياسته، كلّ الذي أعرفه أنّ المحاضر يتكلم في ساعة كاملة، والناس يستمعون ويستفيدون»، فأخذنا برأيه اضطراراً لا اختياراً، وخلعنا وجوهنا، وارتدينا الوجوه التي وزّعها علينا. رابعاً: وجّه إليّ د.قصاب دعوة لإلقاء محاضرة في مقرّ الرابطة، أو ترشيح من أراه مناسباً لذلك، وأنا أعلن هنا إجابتي هذه الدعوة وتقديري إياها، وأرشِّح خمسة، له أن يختار منهم من يشاء لإلقاء محاضرة في مقرّ الرابطة عن مشكلات الأدب الإسلامي بما هو مشروع، ومشكلات الرابطة بوصفها الجهة المشغِّلة، وهؤلاء الخمسة هم: د.مرزوق بن تنباك، ود.محمد العوين، ود.عبد الله الوشمي، ود.خليفة بن عربي (البحرين)، وأ.عبد الله السمطي، وأبدي له استعدادي الكامل للتنسيق مع من يختاره من هؤلاء، والتواصل مع الجهات الإعلامية لتغطية المحاضرة - الندوة - المناظرة، وإن اعتذر هؤلاء جميعاً من تلبية دعوة الرابطة، فإنني مستعد لتغطية الخانة بورقة علمية أتناول فيها خطايا الرابطة في الملفّ الروائي. وهنا أرجو من د.قصاب أن يفعّل هذه الدعوة، وأطلب من المجلة الثقافية أن تتابعَ أمر تفعيلها، وأن تنشر باستمرار تذكيراً بها، فالدعوة جاءت من نائب رئيس الرابطة وليس من شخص عادي، ثم هي دعوة علنية، من حقنا أنْ نختبرَ مصداقيتها في العلن. وأخيراً أرجو من د.قصاب، ومن أساتذتي أعضاء الرابطة، أن ينأوا بأنفسهم عن هذه العزلة، وأن يخرجوا بمشروعهم إلى فضاءات أرحب، وأن يتطببوا من عقدة المؤامرة، وأنْ يستمعوا إلى الجيل الجديد، ويتفهموا أسئلته ورؤاه، وأن يتجردوا من أنفسهم وحظوظها...؛ فمثل هذا أدعى لاتساع رقعة الأدب الإسلامي، وأجدى لمسيرة أهدافه وغاياته، فإن لم يفعلوا، فلهم رابطتهم، ولنا في بلادنا رابطة!!