تمثل عقول وسواعد أبناء الأمم قوة فاعلة تعلي رصيدها في موازين القوة، وتؤكد مكانتها وترفع شأنها في المجتمع الدولي. ولذلك تتجه الدول نحو إعداد أبنائها وبناتها وفق طموحاتها وتوجهاتها في معترك الحياة، وهي في سبيل الإعداد تحشد الإمكانات والقدرات وتنفق من دخلها ما يتناسب مع أهدافها المستقبلية، ومع ما تؤمله من أدوار سيطلع بها أبناؤها في مختلف ميادين الحياة. وهذه القضية في إعداد أبناء الوطن للمستقبل لا يختلف عليها اثنان، ولا يتعارض على أهميتها رأيان، غير أن الوجهة التي يتجه إليها أولئك الأبناء بعد إعدادهم وتهيئتهم للمستقبل تجعلنا نجيل النظر من حولنا فنرى جموع الشباب والفتيات قد صاروا رهناً لقيد البطالة وهنا نجد أنفسنا أمام مشكلة معقدة تتولد عنها ومنها مشكلات، تمثل ظلمات بعضها فوق بعض بما تثيره لدينا من تساؤلات في حاجة إلى إجابات عملية شافية تعالج الموقف دون إبطاء، وتضع الحلول من غير تسويق أو تأخير. فما الذي أوصل أبناء الوطن وفتياته إلى البطالة؟ هل كان الإعداد والتهيئة والتجهيز للمستقبل غير متلائم مع حاجات سوق العمل وهل كان التعليم والتدريب في واد منفصل بعيد عن الحاجات الفعلية لميادين العمل، فكان التركيز على تخصصات غير مطلوبة مما جعل تلك التخصصات رهناً بالتعاقد عليها من الخارج؟ ولعل هذا ما أشار إليه المتحدث الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، وطالعتنا به الصحف مؤخراً حين قال بأن الوظائف المشغولة بغير السعوديين تتركز في المجالات الطبية والصحية وجزء منها في الهندسة كما أن هناك وظائف في أعضاء هيئة التدريس بالجامعات مشغولة بغير السعوديين. ولما كان أمر إعداد أبناء الوطن في حاجة لإعادة نظر عبر تطوير التعليم، وتطوير برامج التدريب فإن الكثرة الكاثرة والأعداد المتزايدة من العمالة الأجنبية تحتاج إلى أكثر من إعادة نظر لتمكين تنفيذ الأوامر الملكية الصادرة بشأن السعودة من أجل توفير فرص العمل لأبناء الوطن، فقد كان الرقم مخيفاً ذلك الذي طرح خلال منتدى جدة الاقتصادي حول العمالة الأجنبية، فقد تجاوزوا الثمانية ملايين عامل في سوق العمل وفي مختلف الميادين والتخصصات، إن ذلك يعلن إشارات الخطر والتحذير فكيف بهذه الأعداد المليونية ونحن نبحث عن فرص وظيفية لأبناء الوطن؟ ألا يحتاج الموقف إلى إجراءات حاسمة وعملية تضع مصلحة الوطن والمواطن فوق اعتبارات الربح والخسارة التي يفكر بها بعض أرباب العمل. إن شماعة التخصص والنوعية والعمل الذي يقوم به الأجنبي وكذلك الراتب الذي يقبل به لا يجب أن تكون شماعات جاهزة نعلق عليها بطء عمليات السعودة، فالوزارات المختصة والمسؤولون التنفيذيون والخبرات المتوافرة في الجهات ذات العلاقة يمكنها تدارس كل ذلك وغيره، ويمكنها أن تضع أمام صاحب الصلاحية مشاريع القرارات المناسبة لمعالجة هذا الخلل في التوظيف. إن مشكلة البطالة المعقدة ستظل تلقي بالمخاوف والمخاطر في كثير من دروب التنمية، لما لها من آثار لا تخفى في سلوك العاطلين عن العمل، وآثار أكبر في عجلة التنمية ومسيرة البناء والنهضة التي تنتظر سواعد أبناء الوطن الذين هم عدته وذخره. ومع تعدد المشكلات الناجمة عن البطالة وحاجتنا إلى الإسهام في المواجهة الشاملة التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - لهذه المشكلات فإن البحث عن أفضل السبل للمواجهة يظل واجباً وطنياً ملحاً وضرورياً، ولن تجد أجهزة الدولة عناء في البحث وبخاصة إذا ما توجهت نحو إيجاد الحلول للبطالة في قطاع المرأة، وأقول ذلك لكثرة الحلول التي طرحت عبر دراسات متخصصة قامت بها وزارات وأجهزة متخصصة في الدولة، إن هذه الدراسات وقفت وبوسائل علمية بحثية على ضرورة الأخذ بنظام التقاعد المبكر للموظفات لملائمة ذلك لظروفها الاجتماعية والصحية وطبيعتها كأنثى عليها يقع عبء كبير في إعداد أبناء الأمة للمستقبل، كما ازدحمت ساحة الآراء بل والبحوث التي أجرتها تلك الجهات بما يعزز التوجه نحو إتاحة الفرصة للموظفات وبصفة خاصة في ميدان التعليم أن تعمل نصف الوقت، فمعروف مدى ما تحتاج إليه العملية التعليمية من فكر وجهد وعمل وإخلاص في الوقت الذي تحتاج فيه المعلمة لقسط من الوقت لتنهض بمسؤولياتها الأسرية والاجتماعية، ولنا أن نتصور كم من الفرص الوظيفية يمكن توفرها إذا وضعت نتائج تلك الدراسات وهذه الآراء موضع التنفيذ، وكم يعود على مجتمعنا من فوائد أسرية تجمع شملها، وتخفف عنها أعباء المربيات الأجنبيات والآثار المترتبة عليها. إن ذاكرة الباحثين عن حلول للبطالة في قطاع المرأة في بلادنا تحفظ حلولاً طالماً ترددت وتنادت بها الآراء وطرحتها وجهات النظر. فهل آن الأوان لنتخذ مواقف حاسمة مبنية على نتائج هذه البحوث العلمية ليمكن حل هذه المشكلة في قطاع كبير يمثل نصف المجتمع وله تأثيره الكبير في إعداد أبنائه لمستقبل أكثر إشراقاً إن الأمر في حاجة ماسة إلى أن يدرك كل مسؤول تنفيذي أن واجبات المسؤولية وأمانة أدائها هو واجب ديني بحكم الأمانة، وواجب وطني بحكم الانتماء، وشبابنا وفتياتنا ينتظرون منهم مواقف حاسمة تنهي معاناتهم مع البطالة وآثارها دون بطء في تنفيذ الأوامر الملكية التي استبشر بها أبناء الوطن ويدعون الله أن يحفظ لهم ولي أمرهم وأن يلبسه ثوب الصحة والعافية ويمده بعونه ويهيىء له وللوطن من يعين على ترجمة وتنفيذ قراراته وتوجيهاته وأوامره دون إبطاء أو تأخير. وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام - سابقاً