شهد العالم بأسره معركة حامية الوطيس دارت رحاها بين عدد محدود من محترفي الحرب الالكترونية وساهم في انجاحها عدد كبير من مناصري أطراف النزاع, ففي الوقت الذي بدأت ولا تزال انتفاضة الأقصى تشهد سقوط العشرات من القتلى والجرحى بشكل يومي, وفي حين يستمر العدو الصهيوني في حربه الشاملة الظالمة التي سخر فيها قواته البرية والجوية لقصف مواطني فلسطين العزل, قامت حرب أوسع نطاقا على شبكة الانترنت بين اليهود والمسلمين. وقد تحدث الزميل الدكتور عثمان السلوم في زاويته عن جانب من الحرب التي تدور رحاها على الانترنت وهي حرب المقاطعة التي انتشرت دعواتها في مختلف المواقع ومنتديات الحوار, أما الحرب الأخرى فهي حرب اغراق المواقع واختراقها والتي اشتعلت اثر الحرب الظالمة التي تشنها القوات الصهيونية ضد الفلسطينيين حتى تاريخه. وقد ساهمت طبيعة الانترنت في اتساع نطاق هذه الحرب الالكترونية لتتيح لكل مسلم ويهودي ان يشترك فيها لو شاء, وقد طالعتنا وكالات الأنباء بخبر سقوط موقع لبناني على الانترنت على يد شاب اسرائيلي تمكن من الدخول الى الموقع والعبث بمحتوياته, عندها قامت جماعات عدة بالعمل من جبهات مختلفة استفادت كثيرا من منتديات الحوار العربية لتجيش الجيوش من مستخدمي الانترنت العرب للمساهمة في قصف عدد من المواقع الخاصة بالحكومة الاسرائيلية والتي كان منها موقع البرلمان الاسرائيلي وعدد من وزاراتها بالاضافة الى عدد من عناوين البريد الالكتروني الخاصة بمسؤولي الكيان الصهيوني كارييل شارون وبارك وغيرهما. وقد استفاد المهاجمون العرب من منتديات الحوار بانشاء صفحات مخصصة لمن يرغب في المساهمة في الهجوم ثم بث عناوين هذه الصفحات في مختلف المنتديات ليقوم مرتادو تلك المنتديات بزيارة تلك الصفحات والمساهمة في الهجوم على المواقع اليهودية بمجرد الضغط على روابط خصصت لذلك, وبهذا فتحت هذه الصفحات المجال لمن رغب في المساهمة في هذا الهجوم العكسي ولو كان عديم الخبرة. ومواكبة الحروب التقليدية بالحروب الالكترونية على الانترنت ليس أمرا وليد الصراع العربي الاسرائيلي بل سبقته حروب مماثلة كهجوم الصرب على عدد من المواقع الأمريكية إبان هجوم الناتو على صربيا لارغامها على الخروج من كوسوفو وهجوم عدد من المخترقين الروس على بعض المواقع الشيشانية واسقاطها عدة مرات وكذا احتلال مجموعة باكستانية من المخترقين لمواقع عدد من الجهات الاعلامية الهندية بعد نشوب الخلافات الأخيرة حول كشمير. وتهدف هذه الهجمات في الغالب الى تسجيل موقف وايصال رسالة من المهاجمين الى الطرف الآخر, وهي وان لم تكن شديدة الضرر لوجود الاحتياطات لدى أصحاب المواقع لتفادي أضرار مثل هذه الهجمات إلا ان تكرار حدوثها وتوفر أدواتها ويسر الحصول عليها لمن كان لديه الفضول ينذر بمخاطر قد تعتري مستقبل الانترنت. ورغم اتجاه الكثير من المخترقين المحترفين الى اعتمار القبعات البيضاء وانضمامهم الى قافلة محاربي الاختراق واسهامهم في مقاومة المخترقين بتقديم خبراتهم الى الشركات والمؤسسات لتدعيم أنظمة الحماية لديهم كما جاء في تقرير القرية الالكترونية الذي نشرته يوم الاربعاء الماضي إلا ان عدد المخترقين ومحبي العبث في تزايد مستمر لا يبشر بخير, ويزيد من القلق في هذا الشأن ان تقدم تقنيات الأمن والحماية واجراءاتها لا يزال بطيئا مقابل الثغرات الكثيرة التي تهدد الشبكات وتتيح للعابثين التلاعب بمقدرات الآخرين دونما رادع. ورغم ظهور مخاطر هذه الثغرات في شبكة الانترنت والتي تبينت بشكل فاضح إثر تعرض عدد من المواقع التجارية الكبيرة على الانترنت لهجمات اغراقية قبل عدة أشهر، الا انه لم تتخذ بعد اجراءات عملية ملموسة تجعل من المستحيل حدوثها مرة أخرى, وما حدث في الهجمات التي وجهت الى عدد من المواقع اليهودية مما أدى لسقوط عدد منها لم يكن مسألة يمكن توجيه اللوم فيها لأحد بعينه بل ساهم فيه آلاف المتعاطفين مع القضية الفلسطينية في شتى بقاع الأرض مما يعني ان الهجوم الاغراقي لا يمثل سوى نموذج يظهر عجز القوانين الدولية عن الاحاطة بمتطلبات الانترنت الأمنية بصورة عملية, فالعقوبات وإن وجدت الا ان الوقاية من حدوث هذه الهجمات في المقام الأول لا تزال أمرا بعيد المنال.