عندما وجهنا المولى عز وجل للصفح والتسامح الكامل، لم تكن الغاية منه ظاهرة فحسب، بل كانت له أبعاد وغايات ممدودة الفائدة. حيث جاء التوجيه بقوله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (34) سورة فصلت، فما الغاية المرجوة والهدف المنتظر من الإحسان لمن أساء إلينا وانتهك من قيمتنا؟، إنها أبعاد أخرى غير التي يذهب إليها الذهن والخاطر كالأجر والمثوبة والطاعة والاستجابة لنداء الرحمن، إنها نتائج وثمرات يحتاج لها كل أحد، ألا وهي حفظ الصحة من الأوبئة والأمراض كارتفاع الضغط وزيادة نسبة السكر, والنوبات المفاجئة التي تتلازم مع تلك المشاعر والأحاسيس القاتلة التي تنبع وتفيق مع الكراهية والحقد والحسد والرغبة في التشفي والأخذ بالثأر والإساءة لمن أساء. إن عدم الاستجابة للتوجيه السماوي يعني قرب حدوث خطر على حياة الإنسان وخاصة الجزء المتعلق بالقلب، لذلك كانت خصلة وفضيلة التسامح عائده بثمرتها لصاحبها أكثر من الرجل المعفو والمصفوح عنه, إنها تمكنك من العيش بسلام وراحة وتركيز وإبداع وإنتاج أفضل. ارتبط مبدأ وشعار العفو بالرجولة وعلو الهمة وكمال الخلق وحسن السريرة وهذا ليس فيه أي ملامة أو مأخذ. ولكن المهم جداً أن نستشعر أهمية المحافظة عليه من أجل أنفسنا أولاُ وقبل كل شيء فنحن المتضررون من مكوث هذه المشاعر والجراثيم متكرسةً في جذور صدورنا الطرية الزهية التي لم تخلق لهذا وهي أيضاُ لا تحتمله. وهناك مثلٌ يصف لك حجم تأثر الطرفين فيقال (مات الحاقد قبل المحقود). حضر أحد السلف الوفاة, ولما أتوه وهو في سكرات الموت فإذا بوجه يتهلل من النور فقالوا ما بلغ بك ما بلغ وقد بلغت التسعين؟ قال مجيبا: سلامة الصدر وترك مالا يعنيني. وسئل أحد حكماء اليابان ذات مرة عن سر تفوق وتميز اليابان بتلك السرعة؟ فرد عليه بكل ثقة وتمكن: اثنان لا يجتمعان في قلب طموح حب الانتقام والرغبة في البناء والنجاح. ويقصد أن لليابان خصوما وأندادا كأمريكا في وقت مضى ومع هذا لم تلتفت لها بل كرست ووجهت اهتمامها لما يؤول عليها بالنفع والنماء، وتم لها ذلك، وتأمل لو أنها اهتمت بضد ذلك، كيف هي الآن؟! مشاعر الحقد والحسد والكراهية تقضي على مواهبنا وتضعف من طاقتنا وتقلل من قدرتنا على البناء والتفوق والكفاح، لأنها تحبسنا وتقفل على مكامن القوة فينا فيما لا ينفع وطاقة الإنسان الحقيقية هي نفسه التي بداخله فمتى تحكم بها وأحسن توجيهها أبدع وتفنن، ومتى تحكمت به هي خانته وخذلته وصيرته تافه الاهتمام عديم الإنتاجية فارغ المسؤولية. من اليوم ابدأ بالمسارعة بالتحلي بالتسامح وتعلمه وواظب عليه وسترى النتائج المذهلة الضخمة المتوخاة من ممارسته, وستجد أن العيش بدونه يعطيك المزيد من الثقة والنقاء والتوفيق الذي يرجوه كل الخلائق.