في معرض حديثي عما حدث مؤخرا في أمريكا، ناقشت في المقالة السابقة تأثيره السلبي المحتمل في سمعتنا العالمية، واقترحت عمل ما هو كفيل بالمحافظة على (الانطباع) العالمي المؤسس تاريخيا عن حقيقة وطننا العزيز بوصفه واحة أمن وساحة سلام وميدان عدل. وقد أشرت كذلك إلى أن ما تحقق لنا من سمعة مشرِّفة في نظر (الآخر الثقافي) لم تتحقق صدفة أو تنشأ من فراغ، بل نشأت اشتقاقا من لدن عقيدة ربَّانية، وتطلَّب بلاشك تحقيق ذلك من الجهود جهيدها. وعلى غرار ما حدث خارجيا فيصح القول: إن هذا الحادث الإرهابي قد أخل كذلك بأقل بدهيات المتوقع من انتاجنا القيمي ونظمنا التربوية. فقد كان علينا استشعار ما شابته الغرابة من ظواهر غريبة على فكرنا وسلوكنا الثقافيين، وتحسُّس مواطن علامات ذلك، وسبر بواطن علائمه، ومن ثم استغلال مناهجنا التربوية لمحو السلبي منها غرسا لبديلها الثقافي الإيجابي. فلا شك في أن لمستجدات عصرنا هذا تأثير لا يمكن نكرانه سواء أكان هذا التأثير في السلوك أو في الفكر. فمماحكة القديم التقليدي والجديد الوافد لها من التأثيرات الفكرية والسلوكية ما يوجب وضعها تحت المجهر، فغربلتها وتمحيصها، وهنا يحضرني موضوع الشباب وذلك لما تختص به مراحلهم الزمنية من سمات وضرورات وحتميات تختلف أيما اختلاف عن أزمنة أجيالهم السابقة. فغني عن القول: إن معادلة (ما يصح للكبير يصح للصغير) معادلة غير عادلة البتة، لاسيما في ظل غياب أي نهج مدروس من شأنه احتواء هؤلاء الشباب، (وترويضهم) ثقافيا، وتجسير الفجوة القيمية بينهم وجيل الآباء والأجداد. فالشباب مهما كانت الظروف طبيعية ناهيك عن نقيضها أكثر إقداما على استيعاب واستدماج القيم المغايرة، فالتوحد معها، لاسيما في حال لم نقيضها أكثر اقداما على استيعاب واستدماج القيم المغايرة، فالتوحد معها، لاسيما في حال لم تحقق لهم منظومة قيمهم المعاشة بشقيها المعنوي والمادي ما يربون إليه من متطلبات الإشباع نفسيا وجسديا. وهنا فأي نقيض لهذه المعادلة من شأنه أن يجعل منهم عرضة للحيرة، وفريسة للاغتراب، مما يدفع بهم إلى البحث عن مناطق أمان نفسي يعوزها المنطق، ويحفها الإغراء والتغرير، فالوقوع في براثن الفئات المنحرفة والملل والنحل الضالة المضللة. في المقالة القادمة نناقش إن شاء الله أهمية التأسيس الثقافي (للحيز النفسي/ الثقافي الضروري لأفراد المجتمع لتحقيق التعامل الأمثل مع ما يقع من أزمات وكوارث.. (يتبع).