كنتيجة لتفاعل التقنية بالثقافة، يراهن الناقد والفيلسوف الفرنسي ريجيس ديبريه على نتاج هذا المزيج ويوظفه في مشاريعه الثقافية تحت عنوان عريض هو «الميدلوجيا». فمن امتزاجهما معا (ثقافة - تقنية) نحصل على تقليد ثقافي يستوعب الابتكار التقني «ويُمكن أن ينتج عنه طفرة في العقليات والسلوكيات». هذا المزيج المتفاعل هو مدخلنا لتناول موضوع صناعة المتخيل محليا وبالذات المواد الترفيهية والتعليمية المقدمة للطفل والتي تتخذ من الوسائط المرئية والمسموعة وسيلتها. حديثا، وضمن برامج «حاضنة بادر لتقنية المعلومات والاتصالات» التابعة لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، كان هناك برنامج تعليمي رائد قدمته بادر بالتعاون مع شركات يابانية وأمريكية متخصصة في برامج تقنية المعلومات، وهو عبارة عن تدريب بعض شابات وشباب الوطن على أساليب تعليمية هادفة تمكنهم من استيعاب التقنيات الحديثة، وكان إحداها ابتداع تطبيقات لألعاب إلكترونية متخصصة تساهم في إثراء ثقافة الطفل ورفع مستوى تعليمه، وبما يتلاءم مع أعراف مجتمعنا وقيمه. فمن الجانب التعليمي، يستطيع المتأهلون من هذا البرنامج التقني تصميم ألعاب تدخل ضمن مناهج العلوم لطلبة المرحلة الابتدائية، كابتكار مغامرة تنتهي بحل معادلة رياضية أو إثارة خيال الطفل من خلال رحلة إلى المريخ مثلا. وفي المجال الترفيهي البحت، تتيح للطفل قضاء لحظات ممتعة من المرح بألعاب تبتعد عن العنف وتساهم في ترقية سلوكه الديني والأخلاقي. إذن هذا هو مجال تأثير الثقافة على التقنية بتطويعها لتعبر عن قيم المجتمع ومفاهيمه للكون وللحياة وطبعها بخصوصية ثقافية لصيقة. وما ننشده في هذه المقالة ليس مجرد تتبع هذا الأثر على الثقافة بقدر مناقشة الحاجة إلى ترجمة هذه المبادرات التقنية إلى مشاريع متكاملة واحتضانها من قبل مؤسساتنا التربوية والتعليمية، وكذلك المؤسسات الثقافية التي تعنى بالطفل حتى يتكامل جانبا العطاء لرفعة أبناء وطننا الغالي.