بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وبعد: * مدخل: نحاول في هذه المقالة ان نحدد نوعية الأزمة وطبيعة المشكلات التي يواجهها الشباب المسلم في العصر الراهن، ومدى انتشارها وبروز مظاهرها مع التركيز على التحديات الثقافية والفكرية والعقدية التي يواجهها شبابنا وفتياتنا والأخطار والفتن الأخلاقية التي تحيط بهم من كل جانب مع محاولة تقديم الحل الإسلامي السليم لهذه المشكلة والقادر على أخذ هذا الجيل المسلم إلى شاطئ النجاة وحمايته من الغرق في هذا البحر المتلاطم المليء بتيارات الفتن والشهوات وأمواج الشر والفساد ووقايتهم من هذا الجو الملوث بالأفكار المنحرفة والعقائد الباطلة والشبه الزائفة، بفعل قنوات الهدم المباشر التي لا تبث إلا كل ما يُمرض القلوب ويصيبها بالعلل، ويهدم القيم والأخلاق والمجتمعات ويجرها إلى التفسخ والانحلال، كما نحاول أن نشير في هذه المقالة إلى المعوقات التي تقف في طريق هذا الحل وكيفية التغلب عليها وتذليلها والدور المطلوب من مؤسسات التربية والتنشئة الاجتماعية والواجب عليها شرعاً اداؤه وفي مقدمتها الأسرة والمدرسة والمسجد والجامعة والإعلام بأجهزته ووسائله المختلفة. نوعية الأزمة وسببها ان شباب المسلمين وفتياتهم هم الفئة الأكثر تضرراً من الجوانب السلبية والافرازات السيئة لهذا العصر، عصر العولمة والبث المباشر، فهم يعيشون اليوم أزمة نفسية وفكرية وسلوكية نتيجة للتناقض بين القيم الإسلامية التي يؤمنون بها والقيم الغربية المادية التي أصبحوا متأثرين بها ويمارسون كثيراً منها تحت ضغط وإلحاح وسائل الإعلام والقنوات الفضائية أو تحت تأثير عادات وتقاليد اجتماعية لا صلة لها بدينهم الإسلامي وشرائعه السمحة لقد أصبحوا جيلاً تائهاً ضائعاً ضعيف الايمان قليل المعرفة والالتزام بعقيدته الإسلامية فكانت النتيجة ان أصبح فريسة سهلة لأعداء الاسلام وأعداء الفضيلة والاخلاق من أصحاب الإعلام الفاسد والبث العفن المباشر وقنوات العبث الفاجر التي بات واضحاً لكل ذي عقل وبصيرة انها تفسد أكثر مما تصلح وضررها أكبر بكثير من نفعها، إذ لا هم لها ولا غاية سوى اثارة الغرائز والشهوات والترويج للفتن والمنكرات وتزيين الرذيلة والجريمة والمخدرات في أذهان الشباب والفتيات واغراقهم بأمور عبثية لا طائل من ورائها وشبهات فكرية وعقدية بليغ خطرها مدمر أثرها وجعلهم يعيشون حياة الغفلة والبعد عن الدين وتقليد كل ما هو آت ومستورد من بلاد الكفر من الفكر الضال والسلوك المشين الذي صور لهم على أنه حضارة انسانية وحرية فكرية وهو في حقيقته شر شيطاني وانحطاط أخلاقي وقع في أهل تلك البلاد وزينه في عقولهم القاصرة، ابليس اللعين وجنوده فقادهم إلى الهاوية وإلى مرتبة دون مرتبة البهائم، قال الله تعالى: ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون فيها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون الأعراف: 179 . ففي هذه الآية اشارة إلى ان الغفلة عن آيات الله تقود إلى الضلال المستمر وإلى أن الآدمي يهبط إلى درك أهبط من درك الحيوان، وذلك عندما يكفر بربه ويعطل حواسه عن الانتفاع بها، ويقصر همه على الحياة الدنيا وشهواتها أيسر التفاسير للجزائري: 2/266 . مظاهر الأزمة وحجم انتشارها ومشكلة شبابنا المسلم وفتياتنا المسلمات اليوم أنهم وقعوا في الفخ فركنوا إلى الدنيا وابتعدوا عن الدين وشرعهم الإسلامي القويم، وهم يجرون دون أن يشعروا إلى النهاية نفسها التي يقود الشيطان اتباعه إليها والى المصير ذاته الذي بلغته المجتمعات الغربية في جانبها الأخلاقي والروحي من طغيان المادة واللهث وراء أهواء النفس وتلبية شهواتها دون ضابط من دين أو خلق فتفشت فيها العلل الاجتماعية والأمراض الجنسية والنفسية الخطيرة، والذين قادوا الغرب إلى هذا المصير المظلم هم ذاتهم الذين يدفعون الناس إليه اليوم بوسائل أشد خطورة وأبلغ تأثيراً انهم اليهود الصهاينة الذين بات معروفاً انهم يملكون معظم وسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية ويتحكمون في البنوك والشركات العالمية الكبرى ويستخدمون كل ذلك في تنفيذ مخططاتهم لافساد الأمم والشعوب وإلهاء الناس وخصوصاً الشباب والفتيات بصغائر الأمور وترهات الأشياء مثل ما نشاهده من اهتمام بمباريات الكرة وأخبارها ولاعبيها إلى درجة الهوس الكروي وما نلحظه من شغف بالأزياء والموضة وأدوات التجميل المستوردة بأبهظ الأثمان، ومتابعة أفلام الفحش ومسلسلات الرذيلة وأشرطة الغناء وحفلاته، وما نراه من ارتياد الملاهي والمقاهي الليلية وتناول الدخان والشيشة والشمة ولعب الورقة والتحلق حول محطات البث الفساد المباشر دون حسيب أو رقيب,, وهكذا يعيش شبابنا في حلقة مستمرة من الضياع نتيجة الفراغ يمكن أن نطلق عليها حلقة الضياع فهي تبدأ بالضياع وتنتهي إليه وهو يشمل تبديد الوقت والجهد والمال واهدار الطاقات والمواهب والامكانات فيما لا طائل من ورائه سوى الخسران المبين في الدنيا والآخرة، إذ أقسم الله سبحانه ان كل انسان خاسر الا من توفرت فيه أربع صفات فقال سبحانه: والعصر ان الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ، وقد أقسم سبحانه هنا بالعصر الذي هو الوقت أو الزمن دلالة على أهميته ووجوب ملئة بالأعمال الصالحة ولكن الشباب غافلون عن معنى هذه السورة العظيمة على الرغم من أنهم يقرأونها باستمرار وينطبق على كثير منهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ رواه البخاري والترمزي وابن ماجه، وكذلك قول الوزير ابن هبيرة: والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع إن ثمة مظاهر أخرى كثيرة بدأت تنتشر وسلوكيات شبابية عديدة أخذت تبرز إلى السطح تشير إلى أن الحرب الثقافية والفكرية التي يشنها الأعداء بدأت تغزو عقول شبابنا وفتياتنا وتفتك بها وأخطر هذه المظاهر والسلوكيات هو محاكاة وتقليد مالدى الغرب تقليداً أحمق غبياً يأخذ الغث ويترك السمين، وهو كذلك ببغاوياً يكرر ما يراه ويسمعه فيها من قبيح الأفعال ورديء السلوك دون تمعن أو تفكير وكأنهم لم يسمعوا حديث: من تشبه بقوم فهو منهم وما من شك في أن التقليد الأعمى مرض خطير وهزيمة نفسية أصابت الأمة عموماً وجيلها الشاب وبعض كتابها ومثقفيها على وجه الخصوص الذين درسوا في الغرب ورضعوا من ثدي الحضارة الغربية فأصبحوا مفتونين بحبها مخلصين لقيمها ومبادئها بارين بها وذلك ليس مستغرباً أليست أمهم؟! وما نراه اليوم من محاكاة للكفار وتقليد لثقافتهم وتتبع لطريقتهم في الحياة قد تنبأ به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حينما قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلو جحر ضب لدخلتموه وعندما سأله أصحابه رضي الله عنهم: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ وفي هذا الحديث وصف دقيق معجز لما آل إليه حال الأمة وكثير من أبنائها من تبعية للغرب والسير على خطاه في كثير من شؤون الحياة. ومن أحدث الشواهد على ذلك وعلى غفلة الشباب عن دينهم وهموم أمتهم انه في الوقت الذي كان يتعرض فيه أطفال المسلمين ونساؤهم في فلسطين للقتل والتشريد ومقدساتهم للاعتداء والتدمير على يد الأعداء قتلة الأنبياء أحفاد القردة والخنازير وفي الليالي نفسها التي كانت تجمع فيها التبرعات وترتفع فيها الأصوات بالدعاء للمجاهدين ولشباب الانتفاضة كان بعض شبابنا ينتفضون في الشوارع والاحياء ويتراقصون ويرددون الهتافات فرحاً بنتيجة مباراة كروية ليس هذا فحسب بل أقاموا مسيرات فوضوية ومارسوا تصرفات غريبة على مجتمعنا أزعجوا بها الناس وعطلوا مصالحهم وعرضوا أنفسهم للخطر ومركباتهم للتلف. وهذه الشواهد والمظاهر التي نلاحظها في سلوك شبابنا تخبرنا عن المستوى الذي وصل إليه شبابنا وعن نوعية القضايا التي أصبحت تشغل بالهم وتستحوذ على اهتمامهم مما يشير إلى نمط شخصيتهم وحقيقة أوضاعهم النفسية والفكرية، إذ كما يصح اجتماعياً مقولة: قلي لي من تصاحب أقل لك من أنت، فإنه يصح كذلك نفسياً مقولة: قل لي في ماذا تفكر أقل لك من أنت, لقد بات واضحاً ان كثيرا من شباب الأمة وفتياتها اليوم تفكيرهم سطحي واهتماماتهم سطحية الأمر الذي جعل شخصياتهم مهزوزة ضعيفة وطموحاتهم محدودة متدنية. هذا فيما يتعلق بمظاهر الأزمة، أما فيما يتعلق بحجم انتشارها فمن الواضح ان ضحاياها كثيرون سواء من الشباب أو الفتيات وفي مختلف بلاد المسلمين والسبب أننا نعيش زمنا خطيرا كثرت فيه الفتن والمغريات أصبح المتمسك فيه بدينه كالقابض على الجمر وقد تنبأ به المصطفى صلى الله عليه وسلم حينما قال: ويل للعرب من شر قد اقترب فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً,, رواه أحمد والترمذي وابن ماجه فالعالم اليوم يموج بالفتن والفساد والفجور وأصبح ماثلاً أمام أعيننا قول الله سبحانه: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون الروم: 41 . أي انتشرت المعاصي في البر والبحر وفي الجو اليوم فعبد غير الله واستبيحت محارمه وأوذي الناس في أحوالهم وأبدانهم وأعراضهم وذلك نتيجة الإعراض عن دين الله واهمال شرائعه وعدم تنفيذ احكامه وبسبب ظلم الناس وكفرهم وفسقهم وفجورهم فالآية تشير إلى أن الفساد بالجدب والغلاء أو بالحروب والفتن والأمراض يسبقه حسب سنن الله تعالى ظهور فساد في العقائد بالشرك وفي الأعمال بالفسق والمعاصي أيسر التفاسير للجزائري: 4/ ق 1 187. انها حرب ثقافية في خضم هذه الموجة العارمة من الشر والفساد البري والبحري والجوي يعيش الشباب المسلم والفتيات المسلمات مرحلة خطيرة للغاية يواجهون فيها تحديات عديدة ثقافية وفكرية وأخلاقية ويتعرضون لحرب ثقافية شرسة تستهدف الفتك بعقولهم وغسل أدمغتهم وتسميم أفكارهم وتلويث عقائدهم وزعزعة ثوابتهم الدينية وتقويض قيمهم وأخلاقهم الإسلامية وربطهم بقيم الغرب المادية وأخلاقه البهيمية، ومما يزيد من خطورة هذه الحرب وآثارها المدمرة أنها تستخدم أسلحة الدمار الشامل لكل القيم والمبادئ والأخلاق التي جاء بها الإسلام أعني اسلحة الاعلام والبث المباشر والغريب في الأمر أن الانسان نفسه يشتري هذه الأسلحة بماله ويركبها بيديه على سطح منزله وهو يعلم خطرها وضررها فظلم بفعله هذا نفسه وأهله وغشهم انه كان ظلوماً جهولا الأحزاب: 72 وأعرض عن ذكر الله الذي هو القرآن الكريم فتحقق فيه قول الله سبحانه ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قريب الزخرف: 36 فما ظنكم بمن كان قرينه الشيطان وصديقه الدش ؟ تساؤلات لابد منها في ضوء كل ذلك تبرز التساؤلات التالية: هل يصح أن نظل متفرجين على شبابنا وفتياتنا وهم يسيرون نحو الهلاك؟ وهل نتركهم لقمة سائغة لإبليس وجنوده من شياطين الانس والجن الذين تفننوا في افسادهم وإضلالهم؟ وهل نتركهم فريسة سهلة لقرناء السوء وقنوات الشر وبرامج الضياع والإلهاء؟ هل نتركهم يتسكعون في الشوارع والطرقات ويتنقلون بين الحفلات والمدرجات في الوقت الذي تحتاج فيه الأمة لجهودهم وسواعدهم في النهضة والبناء وتحرير المقدسات؟ هل نتركهم لوحدهم في مواجهة هذه الحرب الثقافية المتعولمة دون توجيه وإرشاد وبلا تهيئة وإعداد؟ هل ننتظر حتى يضيعوا ونفقدهم أم ترانا نتحرك قبل فوات الأوان؟ وكيف يمكن لنا أن نحميهم من هذه الأخطار المحدقة بهم؟ انها اسئلة مهمة والاجابة عنها لا تحتمل التأخير وآمل أن يسهم في الاجابة عنها جميع المهتمين والمهتمات بقضايا الشباب والفتيات ومشكلاتهم. ما الحل وما المخرج من هذه الأزمة؟ لما كانت الحرب ثقافية تستهدف تدمير قيم الشباب والفتيات وتلويث عقولهم بالأفكار والشبهات وجرهم الى مستنقع الرذيلة والشهوات,, ولما كانت الأزمة النفسية والفكرية والسلوكية التي يعانون منها سببها الأساسي الغفلة عن الدين وضعف الإيمان,, ولما كانت أوبئة العصر وأمراضه الاجتماعية والأخلاقية أصبحت سهلة الانتشار سريعة العدوى بالغة الخطورة، فإنه لا سبيل لمكافحتها وحماية الشباب والفتيات من آثارها الخطيرة الا بتحصينهم ضدها بارشادهم إلى الطريق الصحيح والسلوك الأمثل لتجنب أخطار هذا التلوث العقدي والفكري والأخلاقي الذي يسود العالم وتزويدهم بالسلاح الوحيد القادر على مواجهة كل أسلحة هذا العصر وهزيمتها انه سلاح الإيمان والتقوى قال الله سبحانه: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب الطلاق : 2 3 وقال تعالى: إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم الأنفال:29 . وقد تناول معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ هذا الحل بتعمق في المحاضرة التي القاها بجامعة الملك سعود بعنوان تعميق الصلة بين الشباب والقيم الإسلامية يوم السبت 24/7/1421ه وذلك ضمن فعاليات الجامعة بمناسبة اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية هذا العام، وقد حضرت هذه المحاضرة وخرجت منها باقتناع تام انه لا سبيل لوقاية شبابنا وفتياتنا من الآثار السلبية للعولمة الثقافية وملحقاتها الا بتحصينهم بعقيدتهم الإسلامية وتوثيق صلتهم بالقيم والأخلاق الإسلامية فشرعت في كتابة هذه المقالة نظراً لأهمية الموضوع وخطورة الأزمة التي يعاني منها الشباب والفتيات حينما ابتعدوا عن دينهم الإسلامي وما جاء به من قيم ومبادئ وتوجيهات ضعفت صلتهم بها وخصوصاً في مجال التطبيق والممارسة نتيجة جهلهم بها وعدم تعويدهم على ممارستها منذ الصغر هذا بالاضافة إلى انخداع كثير منهم بقيم الثقافة الغربية الزائفة التي تعرض عليهم ليلاً ونهاراً بأساليب مؤثرة. ومن هذا المنطلق واستناداً إلى قول الله سبحانه: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله آل عمران: 110 والى قول رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته,, متفق عليه فإنه يجب علينا جميعاً تحمل المسؤولية تجاه الشباب والوقوف إلى جانبهم وتبصيرهم باستمرار بما ينفعهم وما يضرهم, وتدريبهم على كيفية التعامل مع مستجدات الحياة ومتغيرات العصر بما يمكنهم من جلب ما فيها من المصالح والمنافع وتكثيرها والاستفادة منها ودرء ما فيها من المفاسد والمضار وتقليلها ان لم يتمكنوا من منعها فهذا حق من حقوقهم وهم في هذا الوقت في امس الحاجة اليه. وهم بحاجة كذلك الى من ينبههم من غفلتهم ويوقظهم من رقدتهم والى من يرشدهم الى طريق النجاة بعد ان تفرقت بهم السبل وتجاذبتهم التيارات قال الله عز وجل : وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون الانعام 39 فهذه الآية تضمنت الامر بالتزام الاسلام عقائد وعبادات واحكاما واخلاقا وآدابا كما تضمنت النهي عن اتباع غيره من سائر الملل والنحل المعبر عنها بالسبل ايسر التفاسير للجزائري: 2/142 . ولا يكفي التوجيه والارشاد فقط بل لابد كذلك من وضع خطط وبرامج لإعداد الشباب والفتيات إعدادا عقديا وعلميا وفكريا ونفسيا وسلوكيا يتناسب مع التحديات والمشكلات التي تواجههم في هذا العصر وتمكنهم من التمسك بثقافتهم وهيوتهم الاسلامية في عصر تداخلت فيه الثقافات وتشابكت الحضارات واختلطت الامور وانقلبت الموازين نتيجة للتطور الهائل والسريع الذي حدث في مجال المعلومات والاتصالات فأصبح العالم قرية كونية لا حدود ولا فواصل بين اجزائها غير حدود الجغرافيا. وحينما يكتمل اعداد الشاب او الفتاة من هذه الجوانب كلها ويصبح قوي الايمان راسخ العقيدة ناضج العقل سليم التفكير فلن يجرفه تيار العولمة الثقافية ولن يتأثر بأي ثقافة وافدة مهما كانت براقة ومهما كانت وسائلها مؤثرة ومهما كانت قوة ونفوذ من يقفون خلفها ومهما كانت بلاغة من يروجون لها من الكتاب والمثقفين والصحفيين ليس هذا فحسب بل المتوقع ان يكون هو وامثاله هم المؤثرون فيها لا المتأثرين بها ويجب ان يكونوا كذلك لانهم يحملون رسالة عالمية صالحة لكل الامم والأزمنة والأمكنة قال الله سبحانه وتعالى وما ارسلناك الا رحمة للعالمين الانبياء: 107 وقال عز وجل : وما ارسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا سبأ : 28 ففي هذا دليل على ان الاسلام دين عالمي ورسوله عالمي بعثه الله سبحانه الى كافة الناس ليدعوهم الى الدين الحق (الاسلام) ودعوته مستمرة الى يوم القيامة ولذا يجب ان ندعو الى عولمة اسلامية او اسلمة العالم من خلال الدعوة الى الاسلام بالحكمة والموعظة الحسنة وبالقدوة والخلق الرفيع وباستخدام كافة الوسائل المعاصرة والتقنيات الحديثة في مجال المعلومات والاتصالات وان في مقدمة ضروريات الدعوة واولوياتها الملحة اليوم ايجاد قنوات فضائية تدعو الى الاسلام بكافة اللغات العالمية تؤدي من خلالها واجب الدعوة الى دين الله وإقامة الحجة على الآخرين. شواهد من الكتاب والسنة والاهتمام بترسيخ العقيدة الاسلامية وما ينبثق عنها من قيم وأخلاق إسلامية في نفوس الشباب وتعميق صلتهم بها له شواهد عديدة في الكتاب والسنة ومن أمثلة ذلك وصية لقمان الحكيم لابنه بالاخلاص والابتعاد عن الشرك واقامة الصلاة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر وتجنب الكبر قال الله سبحانه واذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم وقال سبحانه: يا بني اقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك ان ذلك من عزم الامور ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا ان الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك ان انكر الاصوات لصوت الحمير لقمان : 13، 17، 19 وما احوج ابناءنا وبناتنا هذه الايام لمثل هذا الوعظ والتوجيه الرباني العظيم. ومن التوجيهات النبوية الكريمة في ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال : كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال لي: يا غلام اني اعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، اذا سألت فاسأل الله واذا استعنت فاستعن بالله واعلم ان الأمة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك، وان اجتمعوا على ان يضروك بشيء لن يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الاقلام وجفت الصحف رواه الترمذي . وفي الكتاب والسنة غير ذلك كثير من التوجيهات السديدة التي تشير الى اهمية الاعتناء بالشباب والفتيات وحسن تأديبهم وتربيتهم وترسيخ الايمان في نفوسهم وتعويدهم على طاعة الله وحسن عبادته والابتعاد عن معصيته ليصبحوا بذلك قوة للأمة ومصدر لعزتها ونصرها بعد الله سبحانه. يقول محمد زناتي في كتابه الشباب ومشكلاته من منظور اسلامي : في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة توجيهات سديدة تجعل الشاب المسلم سليم العقيدة مؤمنا بربه ايمانا لا يتزلزل مراقبا في السر والعلن ثابتا على الحق ثبات الجبال الرواسي فعلينا ان نتخذ من الشرع الحنيف نبراسا للحياة ومنهاجا وشرعة لبلوغ الاهداف المبتغاة ص 51 . ويؤكد على اهمية غرس العقيدة الاسلامية الصحيحة في نفوس الشباب منذ الصغر باعتبارها الحل المناسب والوسيلة المثلى والفعالة لحمايتهم من اخطاء الثقافة الوافدة فيقول: ان حرص الآباء على غرس العقيدة الدينية الصحيحة التي تواجه الحياة في نفوس ابنائهم والتشجيع على اداء التكاليف الشرعية من عبادات ومعاملات واخلاقيات وتهيئة المناخ الصالح والصحبة الطيبة والقدوة الحسنة والرقابة المستمرة كل هذه العوامل مجتمعة تحصن الشباب ضد الانحراف الخلقي وتقيهم آثار الغزو الثقافي وتنقذهم من براثن التيه والضياع ص 53 ان هذا واجب شرعي على الآباء والامهات يجب عليهم أداؤه وحق من حقوقهم الابناء والبنات عليهم امرهم الله سبحانه به فقال: يا أيها الذين آمنوا قوا انفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة التحريم : 6 . ضرورة تعاون مؤسسات التنشئة وتكاملها يواجه الآباء والأمهات الحريصون والحريصات على تنشئة اولادهم وبناتهم نشاة صالحة وتربيتهم وفق نهج الاسلام التربوي يواجهون مشكلة مستعصية تتمثل في ان ثمة عوامل وجهات اخرى تشاركهم في التربية والتوجيه دون ان يكون لهم قدرة على التحكم فيها مثل المدرسة والمسجد والشارع والجامعة والمحيط الاجتماعي والاعلام بوسائله المختلفة التي اصبحت من اخطر وسائل التأثير والتوجيه في حياة الناشئة والشباب لاسيما في ظل غياب او محدودية الدور التربوي لمؤسسات التنشئة بين انشطة واعمال هذه المؤسسات التربوية المختلفة وتكاملها بحيث تنطلق جميعها من اساس مشترك وتسعى لتحقيق غاية واحدة فيما يتعلق بتربية الاجيال ويكون ذلك وفق سياسات وبرامج محددة للجميع مبنية على اسس شرعية نابعة من الكتاب والسنة اللذين هما الاساس والمنطلق في كل شؤون حياتنا ومن المهم ان تتضمن تلك البرامج والسياسات ما يمنع ذلك التناقض الذي يحدث احيانا بين ما تدعو اليه وتقدمه مؤسسة من مؤسسات التنشئة في المجتمع وما تقدمه وتدعو اليه مؤسسة اخرى. والقرآن الكريم يرشدنا الى التعاون والتكامل في مجال الخير قال الله سبحانه: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان المائدة 20 وما من شك في ان من ابواب التعاون على البر والتقوى المهمة اليوم التعاون على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل على نشر قيم الفضيلة والعفة وحراستها في المجتمع المسلم وتربية الشباب والفتيات على التمسك بها وفهم فوائدها في العاجل والآجل لتشكل لديهم جبهة مضادة وسلاحا واقيا من كل المفاسد والرذائل التي تتسلل إليهم عبر أجهزة الاتصال وشبكات المعلومات وقنوات البث المباشر. دور الجامعة يقول سمو الامير عبدالعزيز بن سطام بن عبدالعزيز في مقدمة كتابه الآثار غير الاكاديمية للمرحلة الجامعية: دراسة لاتجاهات طلبة الجامعات السعودية لعل من اهم ادوار الجامعة انها الجهة المعول عليها بالدرجة الاولى في بناء عقول الشباب وطرق تفكيرهم وفق اسس علمية سليمة وتزويدهم بالعلوم والمعارف الضرورية وإكسابهم عادات علمية وعملية تساعدهم في شق طريقهم في الحياة بقوة وابداع هذا الى جانب ان الجامعة تساهم مساهمة فعلية في تشكيل شخصية الشاب وصياغتها صياغة صحيحة تتفق مع معتقدات المجتمع وقيمه العليا وأهدافه الاساسية من ناحية وتتلاءم مع ظروف العصر وتحولاته من ناحية اخرى ص 13 . وتعد الجامعات من أبرز مؤسسات المجتمع التي يمكن ان تمارس دورا مهما ومؤثرا في حماية المجتمع وابنائه وبناته من الجانب السلبي للعولمة وخصوصا في بعدها الثقافي من خلال الابحاث العلمية والندوات والمحاضرات الفكرية التي تعقدها ومن خلال اسهامها في اعداد جيل قادر على التكيف مع متغيرات هذا العصر والتعامل النابه مع مستجداته ولا سيما في مجال الاتصال والمعلوماتية بشرط ان تعمل على تطوير مناهجها وأساليبها التعليمية على نحو يتم فيه توثيق صلة الشباب والفتيات بدينهم الاسلامي عقيدة وشريعة واخلاقا وان يكون هدفها بناء العقول لا حشو الاذهان ولن يتم ذلك الا بالربط بين النظرية والتطبيق في مقرراتها كلما كان ذلك ممكنا. والله نسأل ان يوفق شبابنا وفتياتنا وجميع المسلمين لكل ما يحبه ويرضاه. *طالب دراسات عليا بقسم السياسة الشرعية بالمعهد العالي للقضاء مرحلة الدكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية