اهتم الرحالة العرب بالتأليف الجغرافي كالمقدسي وابن حوقل والمسعودي والقزوني وغيرهم.. وكانت كتاباتهم مصدران من مصادر التاريخ والجغرافية.. ولأدب الرحلات اهتمام كبير لدى كثير من المثقفين قديما وحديثا إذا نتعرف على أنماط مختلفة للأمم والمجتمعات وتسجيل الكثير من المعلومات الهامة عن الحياة العلمية والثقافية وهو كما يقال رافد حيوي من أهم روافد الثقافة والمعرفة. والرحلات أنواع فهناك رحلات في طلب العلم والحج وأخرى للعمل ومعرفة الأماكن والمعالم والمناطق والبلاد والبحار ومن يلقي نظرة على كتب الرحالة من علماء العرب والمسلمين يدرك الجهود التي خدموا بها علم الجغرافية كالمسعودي صاحب كتاب أخبار الزمان ومن إبادة الحدثان وهو كما يقال ثلاثون مجلداً لم يصل منه سوى الجزء الأول وله كتب أخرى مثل كتاب «التاريخ في أخبار الأمم من العرب والعجم» وكتاب «مروج الذهب ومعادن الجوهر» وهو الذي عرف به وقامت عليه شهرته.. لقد قسم المسعودي عمره على قطع الأقطار ووزع أيامه بين تقاذف الرحلات والأسفار ولقد كان ملماً بمعارف العصر واستطاع أن يجعل المشاهدة والمعاينة كقوله (إن بحر الصين والهند وفارس واليمن متصلة مياهها غير منفصلة إلا أن هيجانها وركودها يختلف لاختلاف مهاب رياحها) ويستطرد في تعليل كل بحر ويتحدث عن الأمواج وارتجاج البحر واضطراب الأمواج وظلمة البحر وصعوباته وخاصة في عصره حيث كانت السفن محدودة الإمكانيات. وكان قد وقف على الكثير من المعلومات من خلال تلك الرحلات فجمع المعلومات والمشاهدات وفي ذلك يقول: (على أنا نعتذر من تقصير إن كان ونتنصل من إغفال أن عرض لما قد شاب خواطرنا وعمر قلوبنا من تقاذف الأسفار وقطع القفار تارة على متن البحار وتارة على ظهر البر مستعملين بدائع الأمم بالمشاهدة فقطعنا بلاد السند والزنج والصين).وهكذا يتجلى من الاطلاع على عالم الرحلات ما تشتمل عليه من المشاهد والعجائب والمناظر والمعارف والعلوم في أرجاء الشرق والغرب. ويذكر المسعودي في رحلاته أشياء كثيرة ويروي في أسفاره الغرائب والعجائب وما تحف به من المخاطر والعقبات والصعاب ولقد وصف أحد البحار قائلاً: لقد ركبت عدة من البحار كبحر الصين والروم والقلزم وغيرها وأصابني فيها من الأهوال ما لا أحصيه كثرة وأخذ يعدد الأسماك وطول البحر وعرضه ومده وجزره بوصف دقيق.. والمسعودي كمؤرخ وجغرافي ورحالة يجيد الوصف والسرد التاريخي.. ورحم الله أسلافنا من الرحالة العلماء الذين كانوا ينشرون العلم والفكر والأدب والتاريخ والجغرافيا والآداب والفضائل خلال رحلاتهم وما زالت آثارهم باقية خالدة في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية.