فقدت الأمة العربية والإسلامية، وبخاصة هذه البلاد المباركة، في الأيام القريبة الماضية أديباً أريباً، وعالماً فاضلاً، وشاعراً كبيراً، ومؤرخاً خبيراً.. إنه الأستاذ والشيخ عبدالرحمن بن عبدالكريم بن محمد العبيّد رئيس النادي الأدبي في المنطقة الشرقية سابقاً وعَلَمها المعروف. وُلِد فقيدنا في مدينة الجبيل في المنطقة الشرقية بعد أن انتقل إليها والده وأسرته من بلدة الفرعة بإقليم الوثم. وكانت ولادته سنة 1357ه، والتحق بالمدرسة الابتدائية في الجبيل، وانتقل للدراسة في شقراء فترة وجيزة ثم عاد إلى الجبيل وأكمل المرحلة الابتدائية فقط. ثم التحق بالعمل في ميناء الدمام، ثم انتقل للعمل بوزارة المعارف بالمنطقة الشرقية زميلاً لأخيه إبراهيم - رحمه الله - الذي يصغره بسنوات قليلة وتوفي قبله بما يقرب من أسبوع فقط، والأعمار بيد الله سبحانه وتعالى. مارس الأدب في عمر مبكرة في وقت يقل فيه الأدباء والمفكرون والمؤلفون، وكوّن ثقافة عالية بجهد ذاتي، وشق بنفسه طريقه بعصامية ومجاهدة يُقتدى بها، بما يمثل فخراً لكل مواطن من أبناء هذا الوطن المعطاء. قال عنه الدكتور زكي الشيخ: (شاعرنا ثقافته الواسعة كانت عن طريق المطالعة مدعومة بدراسات شرعية، فبلغ بها مرتبة عالية، فهو عصامي التثقيف، ويذكرنا بالعقاد الذي بلغ ما بلغ ودراسته لم تتجاوز الابتدائية، ويذكرنا بمصطفى صادق الرافعي صاحب المؤلفات الأدبية واللغوية وهو يحمل الإجازة الابتدائية فقط). فشاعرنا وأديبنا عبدالرحمن العبيد - رحمه الله - لم تتجاوز دراسته الإعدادية، ولكنه بلغ مرتبة علمية يحمد عليها كثيرون من أصحاب الشهادات العليا. بل لعلي لا أتجاوز الحقيقة إن قلت إن مثل هذا التثقيف الشخصي الاجتهادي المكتسب تكون جذوره أقوى ودقائقه أنقى، وفروعه أبقى، وثماره أجدى، وأكثر فائدة، وأقوى صموداً، وأعم وأشمل من ذلك التثقيف الرسمي المقنن، والمنطق الذي قد نقول به: إنه قشور وتحصيل حاصل؛ لأنه قد يكون أقصى طموحات صاحبه نيل الشهادة أو الحصول على مرتبة وظيفية أو مركز اجتماعي. ومن ثم هجر العلم والركون للكسل!! أما أديبنا الراحل فكان نتيجة لتلك الظاهرة في التثقيف الشخصي متعدد الثقافات والنشاطات ومتنقل الفكر حسب معرفتي الشخصية به بحكم القرابة. ابتدأ من المطالعة والتأليف في زمن مبكر من عمره؛ حيث تولى إدارة تحرير جريدة (أخبار الظهران) سنة 1380ه، وقبل ذلك ألّف كتاب (الأدب في الخليج العربي) سنة 1377ه، وكتاب (قبيلة العوازم) سنة 1387ه أو قبل هذا التاريخ، وكان لهذا الكتاب صداه الواسع والثناء عليه في منطقة الخليج العربي. ثم نجده يتجه إلى الشعر فيؤلف (موكب الفجر) سنة 1404ه وغيره من الدواوين. ثم مع بدايات العقد الأول من القرن الحالي يتجه إلى الثقافة الإسلامية والدراسات الدينية فيؤلف كتاب (أصول المنهج الإسلامي) سنة 1405ه، ويمارس خطب الجمعة في أحد مساجد الدمام، ويؤلف في العام نفسه كتاب (الجبيل ماضيها وحاضرها) بطلب من الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وغير ذلك من المؤلفات المطبوعة وغير المطبوعة في الثقافة الإسلامية والشعر الإسلامي وتفسير القرآن الكريم. ثم أُسند إليه منصب الأمين العام للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمنطقة الشرقية، وكذلك الإشراف العام على مطبوعة (دارين الثقافية)، ثم تولى رئاسة النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية منذ إنشائه ثم استقال منه أخيراً قبل سنوات قليلة. أما مشاركته في الندوات والمؤتمرات والمهرجانات والملتقيات العلمية فحدِّث ولا حرج؛ فهو يُدعى لها ويحضرها ويشارك فيها. وقد نال جوائز تقديرية وأوسمة شرف عدة، وهو عضو رابطة الأدب الإسلامية العالمية وعضو هيئة تحرير الموسوعة الجغرافية لأماكن المملكة العربية السعودية - كلية الآداب جامعة الملك سعود. أُجريت حول الشاعر الكبير - رحمه الله - وآثاره دراسات أكاديمية عدة، منها بحث بعنوان (العبيّد وآثاره الفكرية والأدبية)، قام به محمد نور الهدى الأعظمي، نال بها درجة الدكتوراه من جامعة لكناو الهندية، وبحث قامت به إحدى طالبات كلية الآداب بجامعة الملك سعود لنيل درجة الماجستير بعنوان (عبدالرحمن العبيد شعره وشاعريته)، وكذلك مقالات نقدية لكبار الأدباء مثل الدكتور محمد بن سعد بن حسين والدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي وغيرهما. من أشهر قصائده قصيدة بعنوان (يا أمة الحق) قال في مطلعها: يا أمة الحق ما أشجاك أشجانا وما يسرك يسر قلب جذلانا وقصيدة بعنوان (انهض بعزمك) ألقاها بقاعة المؤتمرات الدولية بإمارة المنطقة الشرقية بمناسبة الحفل السادس لجائزة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد للتفوق العلمي مساء 11-11-1412ه قال في مطلعها: انهض بعزمك للعلياء مجتهداً واسكب نشيدك في آفاقنا غردا كان رجلاً متواضعاً دمثاً في أخلاقه منصتاً لمحدثه قليل الحديث كما عرفته كريماً شهماً باراً عميداً لأسرته واصلاً مع أسرته وأقاربه ومعارفه قدوة في كل أدب وخلق رفيع. أُصيب بمرض القلب قبل مدة، وكان آخر اجتماع لي به في عزاء أخيه إبراهيم - رحمه الله - الذي توفي أواخر شهر محرم 1432ه، ثم أُدخل المستشفى مباشرة حيث توفي الأديب عبدالرحمن العبيد يوم الأحد 12-2-1432ه ولم يعش بعد أخيه - رحمهما الله - إلا أسبوعين أو أقل. وإني بهذه المناسبة لأذكّر وأدعو وزارة الثقافة والإعلام إلى تكريم هذا الأديب والداعية الفاضل، وكذلك أدعو النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية إلى تكريمه، وكذا جامعاتنا، وبخاصة في المنطقة الشرقية؛ لتكريمه ميتاً ما دمنا نعطه حقه حياً كعادتنا نحن أبناء هذه الأمة العربية الإسلامية. رحم الله أبا محمد، وأسكنه فسيح جناته، ورحم الله أموات المسلمين جميعاً. * مستشار متقاعد