فجعت المنطقة الشرقية والوسط الأدبي في المملكة الأسبوع الماضي بوفاة الشيخ الأديب عبد الرحمن بن عبد الكريم العبيد بعد وفاة أخيه بأقل من أسبوع. العبيد الذي شغل منصب رئيس نادي المنطقة الشرقية الأدبي سنوات طويلة ظل لغزاً محيراً للكثير من الباحثين جراء ما تركه من إرث أدبي عظيم سواء في الشعر أو في التربية جغرافية الجزيرة العربية. ويعد الشيخ الأديب عبدالرحمن العبيد الذي تجاوز الثمانين عاما من أوائل المؤلفين في المنطقة الشرقية وقد ترك التعليم الحكومي بعد أن أتم المرحلة المتوسطة وانكب على قراءة كتب الشعر والأدب والنحو كما نهل من كافة العلوم الإنسانية مما جعلته يتربع على عرش الأدب السعودي في الوقت الحاضر ويكون مرجعاً للكثير من الأدباء والشعراء الشباب. وقد شغل العبيد منصب رئاسة نادي المنطقة الشرقية الأدبي قرابة الخمس عشرة سنة كما بقي إلى وفاته رحمه الله عضواً في جمعيات تحفيظ القرآن في المنطقة الشرقية. قبل رحيله وبعد انعقاد مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث بمدينة الرياض في الفترة من 27 - 30 من ذي الحجة 1430ه والذي نال فيه درع تكريم من وزارة الثقافة والإعلام.. وثق الأديب الراحل عبدالرحمن بن عبدالكريم العبيد تجربته في الفترة التي عمل خلالها في نادي المنطقة الشرقية الأدبي منذ تأسيسه عام 1410 وحتى انتهاء رئاسته في عام 1426ه من منطلق مسؤوليته كرئيس لمجلس إدارة النادي. ورغم أن تلك التجربة لم تأت من فراغ إذ إن العبيد بدأ حياته الأدبية والصحفية باكرا في صحف ما قبل المؤسسات مثل «أخبار الظهران» و»الإشعاع» و»الخليج العربي» ونشر قصائده الشعرية في المجلات الثقافية في بيروت ودمشق وأصدر ديوانه الأول «في موكب الفجر» عام 1400ه إلا أن تجربة النادي بصفته مؤسسة ثقافية تلقى رعاية واهتمام أولي الأمر في المملكة تلك التجربة كانت الأبرز والأكثر حضورا وانتشارا للراحل خارج المنطقة الشرقية، إذ اتجهت نحو التواصل الثقافي بين مناطق المملكة والانتشار الفكري والأدبي والثقافي. كتابه الأخير الذي ودع به الساحة كان بعنوان «الأدب والمؤسسات الثقافية.. نادي المنطقة الشرقية أنموذجا «بعد هذا الإصدار الأخير للأديب الراحل بعد مجموعة من الإصدارات منها: «الأدب في الخليج العربي» و»الموسوعة الجغرافية لشرق البلاد السعودية» وديوان: «في موكب الفجر»... وغيرها. يؤكد المرحوم العبيد فيه على دور المؤسسات الثقافية في المملكة خاصة الأندية الأدبية التي تشكل وفق رؤيته المنعطف الأهم في نشر الأدب والثقافة والوعي في المجتمع وذلك من خلال أنشطتها المتنوعة. ويتكون الكتاب من تمهيد وستة فصول وخاتمة.. في التمهيد يؤكد المؤلف على دور المؤسسات الثقافية في المملكة خاصة الأندية الأدبية التي تشكل وفق رؤيته المنعطف الأهم في نشر الأدب والثقافة والوعي في المجتمع وذلك من خلال أنشطتها وبرامجها وفعالياتها المتعددة والمتنوعة. ويرى العبيد أن ما هو مجمع عليه أن الأندية الأدبية تمحورت غاياتها وأهدافها في مجالين رئيسين أولهما: نشر الأدب والثقافة والثاني نشر الوعي في المجتمع.. وهي أهداف سامية ترقى بالمجتمع ولغته وفنونه وفكره وثقافته كما يرى. ويبين المؤلف أنه ود عرض هذه التجربة باعتبارها جديرة بالدراسة نظرا لأهميتها. إنشاء النادي الأدبي في الفصل الأول من الكتاب يتناول الشيخ عبدالرحمن العبيد إنشاء النادي الأدبي في الشرقية ودوره في تأسيس العمل الثقافي في المنطقة ودور مجلس الإدارة ولجان النادي المختلفة في التخطيط الثقافي الذي يعين على تحقيق الهدف الذي تنشره الدولة والمتمثل في رعاية الأدب والفنون وتشجيع البحث العلمي والحفاظ على التراث الإسلامي والعربي.. وأيضا اهتمام النادي بالعضوية التي تحقق أقصى الاستفادة من أهداف النادي.. وقدم الكتاب قائمة بأسماء الأعضاء واللجان العاملة في النادي واللائحة الداخلية للطبع والنشر وجهود الإدارة في إنشاء البنية التحتية للنادي. الفعاليات الثقافية يركز الفصل الثاني من الكتاب على الفعاليات الثقافية ويصفها بالمتنوعة والمتعددة، وشمل ذلك الحديث عن الإبداع والنقد والثقافة من خلال الندوات والمحاضرات والرحلات والمعارض وبحث تاريخ المملكة وجغرافيتها وكذا الاهتمام بالمناسبات الوطنية وتوظيفها من خلال خطة سنوية حرصت على التعددية والتنوع وقدم الكتاب قائمة بأسماء المشاركين في الأمسيات المتنوعة والكتب التي صدرت عن تاريخ المملكة وجغرافيتها والمثاقفة مع الأدباء العرب عبر مشاركات الأدباء والكتاب العرب في فعاليات النادي. رعاية وتطوير الحركة الأدبية في الفصل الثالث يتصدى المؤلف تحت عنوان: «رعاية وتطوير الحركة الأدبية والفكرية» من خلال عناية النادي بالأدباء الرواد وتكريمهم وتجسيد العلاقة بينهم وبين الشباب والاهتمام بأدب المرأة وأدب الطفل من خلال المحاضرات والندوات التي تعنى بهذا المجال وكذلك المسابقات الثقافية والعناية بالمواهب الشابة والاستفادة كما يطرح من المثاقفة مع الأدباء العرب ومحاولة إصدار موسوعة أدباء وكتاب المنطقة والتعريف بهم. الكتب والدوريات يشير المؤلف في الفصل الرابع إلى أن النادي أخذ على عاتقه إصدار عدد من الكتب في مجالات الأدب والفكر والثقافة وذلك لتكون تلك الإصدارات رافدا للمكتبة العربية وتشير إلى أنه قد تم ذلك كله وفق أسس واعتبارات محددة في مقدمتها ما يمثله الكتاب من إضافة في مجاله سواء كان إبداعيا أو لغويا أو نقديا أو في أحد المجالات الثقافية الأخرى. ويتم ذلك وفق فاحص متخصص في مجاله لدراسته وتقويمه والتوصية بطباعته أو الاعتذار للمؤلف. ويقدم الفصل لائحة بإصدارات النادي التي توزعت على مجالات العلوم والأدب والفنون المختلفة واستعرض المؤلف قائمة هذه الإصدارات التي تجاوز عددها «55» إصدارا إضافة إلى مجلة دارين الثقافية الدورية التي صدر عددها الأول عام 1414ه واختير لها اسم يحمل عبقا من تاريخ المنطقة وحوت أعدادها المقالات والدراسات والمحاضرات والإبداعات والبحوث. الفصل الخامس للكتاب يتحدث عن مؤتمرات رؤساء الأندية الأدبية التي شارك فيها نادي المنطقة الشرقية الأدبي وأبرز القرارات والتوصيات الهامة التي صدرت وضمنها توصيات المؤتمر الثامن الذي عقد بمقر النادي بالدمام والذي كان من بين توصياته إنشاء المجمع اللغوي السعودي الذي ناقشه مجلس الشورى واعتبره المؤلف من مقترحات أدبي الشرقية. أما الفصل السادس والأخير في الكتاب فتناول التعاون مع المؤسسات العلمية والإعلامية في المنطقة من جامعات وصحف وقدم من خلالها عن دور الإعلام كما طرح بعض النماذج للتعاون مع هذه المؤسسات منها المشاركة في المهرجانات والندوات وغيرها. الختام في الكلمة الختامية للكتاب طرح المؤلف بعض القضايا والتوصيات الذي أمل أن تصل إلى المسؤولين عن المؤسسات الأدبية ومنها الاهتمام المتوازن بكل المدارس الأدبية الموجودة على الساحة وملاحظة ذلك كله في تشكيلات مجالس الإدارة وغيرها. ولا ينسى المؤلف في نهاية كتابه أن ينسب الفضل لأهله مؤكدا على دعم ومساندة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - وكذلك ثقة ورعاية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية. ووجه الشكر لوزارة الثقافة على دورها الكبير في دعم ومتابعة الأندية الأدبية. هذا وقد حرص الشيخ الفقيد عبدالرحمن العبيد قبل رحيله على أن يلقى هذا الكتاب الانتشار ليؤكد على دور النادي خلال فترة رئاسته. من جانب آخر أثنى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز أمير المنطقة الشرقية على المؤرخ والأديب عبدالرحمن بن عبدالكريم العبيد وقال سموه: إن الفقيد أحد رجالات المنطقة الشرقية الذي أسهم في مجالات عديدة وقدم للوطن إبداعات أدبية وتاريخية ستبقى إرثا ثقافيا للأجيال القادمة. جاء ذلك خلال تأدية سموه العزاء في منزل الفقيد، كما قدم صاحب السمو الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد نائب أمير المنطقة الشرقية تعازيه ومواساته أمس الأول إلى أبناء الفقيد ودعا سموه العلي القدير أن يتقبل الفقيد بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان. وثمن سموه مساهمة الفقيد الثقافية والأدبية في المنطقة الشرقية. سيرته الذاتية ولد الشيخ عبدالرحمن في مدينة الجبيل سنة 1933. - بعد أن أتم الدراسة اتجه إلى مطالعة التراث العربي والثقافة العامة ونشر أبحاثه ودراساته في الصحف. - شارك في بداية الصحافة في المنطقة الشرقية وذلك بالكتابة في كل من جريدة «الإشعاع» و«أخبار الظهران» و«الخليج العربي» وتولى إدارة تحرير الأخيرة من عام 1381ه حتى صدور نظام المؤسسات الصحفية. - نشر أولى قصائده عام 1951م في مجلة الأحد التي تصدر في بيروت وإن كان بدأ كتابة الشعر قبل ذلك بسنوات قبل أن يصدر ديوانه الشعري الأول «في مواكب الفجر» عام 1400ه. - يعتبر كتابه «الأدب في الخليج العربي «الذي صدر عام 1377ه كأول توثيق تاريخي للأدب المعاصر في الخليج العربي. - يعد كتاب «الموسوعة الجغرافية لشرق البلاد السعودية» عملا غير مسبوق في الدراسات الجغرافية للمنطقة الشرقية. - وقد سعى الشيخ العبيد مع عددٍ من الأدباء لتأسيس أول ناد أدبي بالمنطقة الشرقية في العام 1410ه حيث شكلت إدارته برئاسته والتي امتدت حتى عام 1426ه. - ويعد كتاب «الأدب والمؤسسات الثقافية.. نادي المنطقة الشرقية الأدبي أنموذجا» آخر إنتاجه الأدبي. عبد الرحمن العبيد يرحل بعد تاريخ حافل بالعطاء كان الراحل قد بدأ نشر قصائده الشعرية باكرا إذ نشرت أولى قصائده عام 1951م في مجلة «الأحد» التي تصدر في بيروت وإن كان بدأ كتابة الشعر قبل ذلك بسنوات قبل أن يصدر ديوانه الأول «في موكب الفجر» عام 1400ه. ولعب الشيخ عبد الرحمن العبيد دوراً في المشهد الثقافي في المنطقة الشرقية؛ إذ سعى مع عدد من الأدباء لتأسيس ناد أدبي بالمنطقة الشرقية وتكلل السعي بالنجاح إثر صدور الأمر السامي بتأسيسه عام 1410ه حيث شكلت إدارة برئاسة الشيخ العبيد امتدت حتى عام 1426ه. وللشيخ الراحل ريادته في التوثيق والتأريخ الأدبي والجغرافي ويعتبر كتابه «الأدب في الخليج العربي» الذي صدر عام 1377ه أول توثيق تاريخي للأدب المعاصر في الخليج العربي.. كما تعد «الموسوعة الجغرافية لشرق البلاد السعودية» التي عمل عليها من أولى الموسوعات من المنطقة الشرقية.. واعتبرها البعض عملا غير مسبوق في الدراسات الجغرافية للمنطقة الشرقية. والمتأمل لمسيرة الشيخ عبد الرحمن العبيد منذ ولادته بالجبيل عام 1353ه وحتى ما قبل وفاته بأيام يجد أنها حافلة بالإنجازات لرجل عصامي الثقافة والتعليم؛ إذ أكمل تعليمه الابتدائي والثانوي «منازل» واعتمد على جهوده الذاتية في تحصيله العلمي وإن تخلل ذلك دروس تلقاها على أيدي بعض المشايخ. وبالرغم من انشغاله في العمل التجاري لكسب العيش إلا أنه لم يتوان عن التحصيل الثقافي والمشاركة في الحياة الثقافية والقراءة التي كان يذهب من أجلها إلى مصر وبيروت ودمشق للحصول على الكتب والتعرف على مجريات الحياة الثقافية وأحيانا لنشر بعض قصائده الشعرية. وتكلل جهده الثقافي برئاسته نادي المنطقة الشرقية الأدبي لتبدأ رحلة جديدة مع العمل الثقافي المؤسساتي. في العام 1410ه وبعد صدور الأمر السامي بتأسيس نادي المنطقة الشرقية الأدبي تشكلت إدارة النادي تحت رئاسة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الكريم العبيد.. وبدأ مشوارا جديدا موازيا لمشواره الثقافي ومكملا له في آن.. وقد وثق الشيخ تجربته تلك في آخر كتاب أصدره قبل فترة من وفاته.. تحت عنوان: «الأدب والمؤسسات الثقافية» ويتكون الكتاب من تمهيد وستة فصول وخاتمة أشار من خلالها إلى دور المؤسسات الثقافية لاسيما الأندية الأدبية وتناول دور نادي الشرقية الأدبي متمثلا في مجلس إدارته ولجانه المختلفة في العمل الثقافي بالمنطقة.