جدة درس جديد.. حين يكون للكوارث فوائدها.. يكون للعقول أن تفكر، للخطوات أن تتراجع.. حيث ترتفع مناسيب السيول يكمن هناك الخلل، وحيث يغرق الناس ويتشتتون تكون هناك الثغرات.. وحيث تتصدع المباني وتنقطع الكهرباء، ويعم الخوف، وترجف القلوب لشتات الأبناء، وغياب الآباء، وتعطل إرسال الاتصالات، فهناك مؤشرات حمراء.. فالبنى قائمة على قبور، والطرق معبدة على غير عماد.. والمطر طارق ينذر ليس بثمة أخطاء، وأخطار.. بل بثمَّات.. جدة والناس يا «ناس» تصرخ: «جاتنا مطرة».. لا لنستقبلها بفرح الطفل.. وبهجة الصادئ، وروح الشاعر، وقلب الحالم.. بل لتلمع في الصدور بوارق الخوف.. مذ بحيرة المسك.. وانفراج المقابر.. وإلى أربعاء الشتات.. ومبيت الظلام.. والهلع غير المباح.. الدرس جاد.. مطوية عليه صفحات.. مشرعة به عقول.. فالبلاد فيها من العباد الخلص.. المختصين القادرين على إعادة بناء المدينة، تخطيطاً، وجدولة، وتزميناً، وتنفيذاً, بما لا يدع للثقة أن تنفد.. ولا للإعادة أن تفشل.. ولكن، من غير أولئك الذين فعلوا ولم يفعلوا.. وبنوا ولم يقيموا.. فانهارت جدة في غمضة عين.. عند أي يقظة غيم.. في يوم الناس فيه إلى أعمالها.. ومصالحها.. وحاجاتها وطوارئها.. في مكاتبها وعرباتها، على أرصفتها وفي محالها.. وجامعاتها واجتماعاتها.. فحال الماء بينها وبين اتجاهاتها.. بين غرقها، وضياعها، وفزعها.. وعودتها لدورها حتى يوم آخر.. والبلاد فيها من الخلص من يدرك حجم الرهبة التي اعترت جدة، وانتهت لصدور ساكنيها.. وحال «المطرة «، طارق شتات لا راوي نبات.. فإلى أي مآل يكون المطر..؟ هذا ما سيجيب عنه وقفة المسؤول.. حين وقف ليفسح المدينة في وجه المطر.. وليعيد فرح الناس بها، ويمحو رهبة الخوف.. فتتغنى بها صدورهم «يا مطرة حطي حطي».. وتلهج بها ألسنتهم: «آنستكم الرحمة»..