اليوم تفتح الرهبة أبوابها مجددا أمام ملايين الطلاب والطالبات، لتعلن لهم أنهم على موعد مع المصير المحتوم، وكأنه قطار الموت الذي لا يفرق بين كبير وصغير. واليوم تبدأ الأسر في إعلان شعار الرهبة والخوف من مصير الأبناء، ومستقبلهم الدراسي، حرصا على عدم ضياع الأمل وشمعة المنزل. واليوم أيضا يعيش المجتمع بكافة فئاته مرحلة الرهبة المعلقة في كل شارع وحارة وحي، متجاوزا الخواطر، وصولا للعقول، وإذا جاء السؤال لماذا الخوف؟ طاردتنا الإجابة.. من المصير المجهول. في قديم الزمان، كانت مرحلة الثانوية العامة تمثل عنق الزجاجة لأي طالب علم، فغدت الرهبة شعار الجميع: من يضعون الأسئلة، ومن يقتاتون من الدرس، ومن يهيئون الأجواء لقاعات الاختبار، فيما المذنب في كل الأحوال كانت تلك الوزارة التي يقع على عاتقها تعليم فلذات الأكباد. لكن الوضع تغير، وبات عنق الزجاجة، هو نفس العنق، لكن الزجاجة لها أكثر من ثقب، ولا مجال للخسارة، إذا ما اجتهد الطالب، فالمسارات كثيرة. ولم تتوقف الوزارة عند حد التوعية، بل سارعت إلى تبديد المخاوف عمليا بكسر رهبة الاختبارات المركزية، ومنحتها لأقل المستويات بشعار: «الأقربون أولى بالمعروف»، فكان واضع الامتحان من بني جلدة الطلاب، ليس مصطلحا في الهوية، ولكن في القرابة الوضعية، والجوار البيئي، فجاء الاختبار من معلمي المدارس، لضرب عصفورين بحجر؛ رفع شأن المعلمين، وتعزيز الثقة فيهم، وتذويب الرهبة التي يعيشها الطلاب من الامتحانات القادمة من وراء البحار، التي يجهلها الطلاب، وربما اتهموا واضعيها بأنهم يعيشون في برج عاجي، لا يعرفون قدرات الشباب. وبالأمس القريب، واصلت الوزارة خطوات التذويب بإعلان المعدل التراكمي، على أمل أن يغادر شبح الرهبة قاعات الثانوية العامة، من خلال قياس مستوى الطلاب في عامين دراسيين الثاني والثالث الثانوي لتجنب الظروف التي ربما سرقت التفوق من بعض الطلاب. ومع ذلك بقي الحال كما هو عليه، رهبة تعقبها رعشة، وامتحان يجعل الأهالي في عراك مع الزمن، وحالة نفسية سيئة تنعكس على الأبناء، فما الذي يحدث؟ المعلمون السبب طالب الثانوية في الجبيل إبراهيم الطاهر لا يستغرب بقاء رهبة الاختبارات: «لأنها تحدد مصيرنا ومستقبلنا، وبالتالي نعمل لها ألف حساب، كي نحصد بها أعلى الدرجات، كما أن مطالبات العائلة ونصائحهم المستمرة لنا بالحصول على أعلى الدرجات في هذه الاختبارات يجعلنا نهتم أكثر بالمذاكرة، ونتوقع ونتخيل أسئلة معينة في الاختبارات، الأمر الذي يقلقنا في هذه الفترة لحرصنا الشديد على الحصول على أعلى الدرجات». لكنه يحمل بعض المعلمين جزءا من المسؤولية وراء الرهبة: «يذكرون لنا أن الأسئلة ستكون صعبة، والمواد العلمية هي أكثر المواد التي تسبب خوفا وقلقا لدى الطلاب». ويقلل طالب الصف الأول الثانوي في الجبيل فيصل الطاهر من حجم الرهبة التي يعيشها حاليا: «لا أشعر بالرهبة، بل بشيء من الإرباك، وإذا كانت هناك رهبة تجتاح الطالب، فالسبب المجتمع، ومحاولة بعض الطلاب إرضاء أسرهم عن طريق الاختبارات، وبالتالي تكون هذه الاختبارات مكمن خوف أو رهبة لدى الطلاب». مذاكرة جماعية ويعترف طالب الثانوية في جدة بندر إبراهيم أن أيام الاختبارات تشكل له خوفا وقلقا كبيرا وترقبا وانتظارا: «أتجه إلى غرفتي أيام الاختبارات، وأطلب من والدتي توفير الجو المناسب بعيدا عن صخب أشقائي للاستذكار والحصول على محصلة عالية، لكن المدارس عليها الدور في إيجاد أجواء مناسبة لتجنب الطالب الرهبة». ويحرص طالب الثانوية في جدة فهد عطية على المذاكرة الجماعية لإبعاد شبح الرهبة: «الرهبة تكون بسبب الأسرة أو المدرسة أو التخوف من جو الاختبارات العام، ولا بد من تكاتف الجميع لإنهاء الأمر». ويشدد زميله في الصف الدراسي منصور عياش على أن هناك خوفا من الاختبارات لكن يجب أن يتخطاه الطالب، ولن يتم ذلك إلا بتعاون المدرسة والأسرة والطالب نفسه. الكل مسؤول وأشار مدير التوجيه والإرشاد بتعليم جدة سالم الطويرقي إلى أن الرهبة من الاختبارات حالة انفعالية تصاحب الطالب أيام الاختبارات: «عادة ما تسبق الاختبارات والمسؤول عنها أولا الطالب؛ لأنه لم يهيئ نفسه منذ بداية العام، لأن المسالة تعتمد على استذكاره؛ لأن الطالب المجتهد في دروسه لا يقع فيها، إضافة إلى أن بعض الأسر تشكل عاملا كبيرا في توفير أجواء من الرهبة عن طريق مطالبة أبنائها بدرجات عالية، وبمذاكرة مكثفة دون النظر والاهتمام، وأخذ إمكانيات الطلاب وقدراتهم في الحسبان، وهذا يسبب لديهم رهبة؛ ما يؤثر على مستواهم وتحصيلهم الدراسي، إضافة إلى أن المدارس أحيانا لا تعد الطالب لمثل هذه المرحلة، مما قد يوقعه في رهبة قبل الاختبارات تؤثر عليه، وتجعله يقع في نتائج عكسية، وهناك دور على الإعلام فهو المسؤول عن تهيئة المجتمع في مثل هذا النوع من الأمور التي يقع فيها الطالب أثناء الاختبارات، وتؤثر على تحصيله وعلى نفسيته، سواء في المنزل أو المدرسة». قلق مشروع ويعتبر المشرف التربوي الدكتور كامل عبدوني أن أي اختبارات لا بد أن يكون فيها قلق سواء أكان مشروعا أو غير مشروع: «متى ما كان هذا القلق أكثر من مرتفع فإنه يعتبر قلقا مرضيا، وأعتقد أنه غير موجود في الاختبارات الحالية، إنما يوجد حاليا قلق مشروع لأهمية الاختبارات لدى طلابنا، مع العلم أن الاختبارات جزء من جزء طوال العام الدراسي، ولا تمثل سوى نسبة 15 % أي أنها لا تحدد بذلك الشكل الكبير على نجاح أو رسوب طلابنا، وقد تحدد فقط النسبة أو الدرجات الكلية، والقلق لدينا ليس مذموما، بل مشروع ودافع للإنجاز». شوكولاتة الاختبارات ووعد مدير الإدارة العامة للتربية والتعليم بالمنطقة الشرقية الدكتور عبدالرحمن المديرس، ما طبقته إدارته النموذج الذي يجب أن يتبع للتخلص من الرهبة: «قمنا بكافة الأدوار التي تزيل هذه الرهبة، عبر تهيئة طلابنا لهذه الاختبارات، وسبق أن عممنا على جميع المدارس باستقبالهم في اليوم الأول بالشوكلاتة مثلا ما يزيل رهبتهم، وسبق أن اجتمعت مع أولياء الأمور والمعلمين وبعض الطلاب، وأكدت الدور الذي ينبغي على الأسر تجاه الأبناء خلال فترة الاختبارات، وكذلك الحال بالنسبة إلى المعلمين وما عليهم تجاه الطلاب أثناء الاختبارات». وأوضح أن الاختبارات لها أهمية كبرى في تحديد المصير لدى الطلاب، وبالتالي قد يتسبب هذا الأمر في تخوفهم: « لكن الأسئلة تتنوع وتختلف وتتدرج، وتوضع على مستويات جميع الطلاب، وطبيعي أن تقيس جميع الطلاب المتفوقين وغيرهم، كما أن هناك العديد من اللجان التي تقوم بعمل هذه الأسئلة، وقياس مدى مناسبتها للطلاب ولمستوياتهم». العطالة السبب وحصر معلم المرحلة الثانوية في الدمام ذياب الزهراني الرهبة في نفوس الطلاب الطموحين لإحراز النتائج العالية والمتقدمة: «الطلاب الذين لا هم لهم سوى مجرد النجاح فأعتقد أن الاختبارات لا تمثل لهم سوى أداء واجب فقط، لكن المجتمع وواقعه المليء بالعاطلين عن العمل يتحمل جزءا كبيرا من هذه الرهبة، فأصبح الطالب يعرف مصيره وأين سيتجه بعد النجاح أو التخرج من الثانوية». وأشار معلم الثانوية في الدمام محمد سالم إلى أن: «الرهبة إن وجدت فهي من الطالب نفسه؛ لأن بعض الطلاب يكثرون من التفكير في الاختبارات وأنها صعبة، مع العلم أن الدراسة بشكل عام أسهل من سابقها وبنسبة كبيرة»، مستبعدا أن يكون التصحيح عاملا يدخل في الرهبة، لوجود التصحيح الإلكتروني. واتفق معلم المتوسطة في جدة عبدالرحمن الغامدي، ومعلم الابتدائية صالح الشهري على أهمية توفير الجو المناسب لإزالة الرهبة. الرهبة إيجابية وتنظر الاختصاصية الاجتماعية الدكتورة فادية العبدالواحد للرهبة من زاوية إيجابية: «الإحساس والرهبة لدى الطلاب والطالبات ليسا إحساسا سيئا، وإنما جيدة، والذي لديه إحساس ومسؤولية ورهبة من الامتحان يستعد له، لكن هناك فارقا بين الرهبة والخوف، ورهبة الطالب من الامتحان طبيعية ولكن ليست التي تصل لدرجة الخوف، ما يتسبب في إغماءات أو بكاء في قاعات الامتحان، فهؤلاء ليست لديهم رهبة من الامتحان، إنما خوف؛ لأنهم ما حضروا أنفسهم بصورة جيدة للامتحان». ويعزو الاختصاصي النفسي أحمد حافظ الرهبة إلى: «تراكمات أسرية سابقة تجاه الأبناء وراء الرهبة المتواصلة، من حيث عدم إعطائهم مساحة لحرية الرأي أو تخويفهم أو رهبتهم، وبالتالي توجد هذه الرهبة عند الاختبارات من قبل بعض الطلاب، ومتى ما وجد قلق لدى الطلاب بمستواه العادي فإنه أمر طبيعي، حيث إن وجود هذا القلق وبهذه النسبة الطبيعية يجعل الطالب يذاكر، لكن متى ما زاد القلق ليصبح مرضيا، كأن يفقد التركيز في الحفظ، أو النسيان، أو جفاف الريق، أو عدم النوم، أو غيرها. فهذا يعتبر تجاوزا لحدود القلق الطبيعي إلى المرضي». التهيئة مطلوبة ويقيس مدير الخدمة الاجتماعية في مستشفى الملك فهد بجدة طلال الناشري رهبة الاختبارات حسب البيئة النفسية التي توفرها المدرسة والمنزل للطلاب: « لذا يشعر الطلاب والطالبات بنوع من الرهبة قبل وأثناء فترة الاختبارات، فعلى الأسرة تهيئة الطالب تهيئة تامة، وعدم تخويفه من الاختبار وإعطائه الثقة في نفسه، ورفع الحالة المعنوية لديه، ويجب أن تكون هذه التهيئة بوقت كاف قبل دخول الاختبار، حتى يتسنى للطالب تجاوز مرحلة الاختبار دون خوف أو ذعر، وهناك جزء من مسؤولية الرهبة يقع على عاتق المدرسة، فلا بد أن توفر المدارس أجواء حيوية مفعمة برفع الحالة المعنوية للطلبة والطالبات، والبعد عن إدخالهم في عناصر التخويف والتهويل من الاختبار، وما ينعكس خلاله على فجائية الأسئلة وصعوبتها، ولو شعر الطالب ببيئة مناسبة في المنزل والمدرسة فإنه حتما يتجاوز مرحلة الاختبار بكل يسر ولا يعيش أجواء رهبة» .