على هذه البسيطة وُجدنا.. وبوسط مزرعة الحياة بدأنا.. وفيها نزرع حسب بذورنا ونياتنا.. ومنها سوف نرحل ونحصد محاصيلنا.. ونكسب ما زرعناه عدلاً لا ظلما.. هكذا ديدن الحياة وهذه سنة الله في خلقه.. الموت بتخطف منا الأهل والأحباب.. والأخلاء والأصحاب.. وهو كأس كل سيشربه.. وقطار كلنا سنركبه..كل ان أنثى وإن طالت سلامته يوما ًعلى آلة حدباء محمولُ ففي يوم الثلاثاء 1/7/1422ه ودعنا المربي الفاضل والشيخ الناصح العم عثمان بن عبدالله الصمعاني بعد معاناة من المرض لم تمهله طويلاً، كن حينها صابراً محتسباً، يأتي الزوار إليه فيبدأ بنصحهم وإفادتهم بعلمه وفقهه. وبعد مضي أسبوع من وفاته أصيب جدي«محمد بن عبدالله الصمعاني» بوعكة صحية، مالبث طويلاً حتى اختطفته يد المنون مساء الجمعة 11/7/1422ه.. كان هذا الخبر كالصاعقة على أبنائه وأحفاده وأهله وأصدقائه.. فجرحُ مصابنا الأول بدأ يندمل قليلاً، لكن في المرة الأخيرة أصابنا جرح عميق يصعب شفاؤه ومداواته بأي شيء من الأدوية الا بدواء الإيمان والتسليم لقضاء الله وقدره حتى لو دمعنا وبكينا، لأن الدمع رحمة عند العباد إذا فقدوا شخصاً عزيزاً عليهم، وهكذا كان سيد البشرية محمد صلى الله عليه سلم عندما قال حين توفي إبراهيم «إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون» تناولت قلمي علّي أستطيع أن أكتب ما يدور في خلدي ومايدمي فؤداي ولكن لو سطرت أحرفي على قلبي ونقشته بلآلئ دمعي وحفرته بكل ما تجرعته من الحزن وما ابتلعته من مرارة النبأ.. فبهذا كله لن أصل الى منالي ومرادي.. لكن كل ما قدرت عليه الان أن أمسك قلمي بين أناملي وأكتب شيئاً بسيطاً عن ما عرفته وعايشته عليه من أخلاق، فلقد كان جدي رحمه الله فذاً بأخلاقه السامية، وعطفه على الجميع، كان رحوماً ذا قلب كبير، شهد له كل من عرفه، مميز بحبه للخير وفن تعامله مع الآخرين وصلة رحمه وعفته وحلمه، كان بشوشاً طلق المحيا، عايشته سنوات عمري سفراً وحضراً فلم أره يوماً غاضباً أو مقطب الجبين بل دائماً تعلو وجهه الابتسامة، ولم أسمع منه كلاما جارحا أو قولا لاذعا. كنا لا نمل من مجلسه، وهل يمل مجلسه من ملئ قلبه حباً له؟!! ففي كل أسبوع أو أقل نجتمع سوياً حلقة واحدة فيدور بنا حول ذكرياته وقصصه وما عنده من حكايات قديمة أو جديدة واقعية كانت أو خيالية. كان رحمه الله متواضعاً عالي الأخلاق.. لطيفاً مع الأطفال يحب مداعبتهم وممازحتهم.. يهدي أكثر أوقاته لهم إذ يحنو على هذا ويدخل السرور في قلب ذاك ففقدوه وسألوا عنه كثيراً. كان جدي دائماً متشحا بوشاح الغيرة على المحارم والخوف من أعاصير الزمان من فتنٍ وشبهات. أمضى معظم سنوات عمره إماماً للمصلين حتى آخر أيامه رحمه الله.. كان حريصاً على فعل الخير فما زلت أذكر عندما كنت طفلة صغيرة أذهب معه إلى مسجده في وقت صلاة العصر وأجلس مع صويحباتي حتى ينتهي من الصلاة فعندما يتأخر كثيراً أدخل المسجد فأجده مجتمعا مع بعض «العمالة» يعلمهم أركان الإسلام فيكررونها بعده ويذكر لهم صفة الصلاة وبعضاً من تعاليم الإسلام.رحمك الله يا جدي لن ننساك ولن ننسى زياراتك لنا في وقت القيلولة لإيصال هدية وغيرها.. ولن ننسى زياراتك لنا صباحاً عندما يسافر أبي لتتفقد أحوالنا وتسأل عن أخبارنا، لن ننساك ولن ينساك أبناؤك وأحفادك.. ولن تنساك جدتي الحنون، ولن ينساك إخوانك وأخواتك الذين اعتادوا على زياراتك لهم، ولن ينساك مكتبك وأدراجك وأصدقاؤك وزملاؤك وكل من أحبك، ولن ينساك محراب مسجدك وفاءً لك لأنك ما نسيته طوال عمرك.. اللهم ارحم جدي وعمي رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناتك، اللهم لاتحرمنا أجرهم ولاتفتنا بعدهم، اللهم ارزقنا الصبر والثبات واجمعنا معهم في الفردوس الأعلى من الجنة.. اللهم آمين. وختاماً: جزى الله خيراً كل من واسانا في مصيبتنا وقدم عزاءه لنا، اللهم اجعل لهم في كل خطوة حسنة وفي كل كلمة أجراً عندك، ولاتريهم مكروهاً في عزيز لديهم.. وفي النهاية: لانقول إلا ما يرضي ربنا «إنا لله وإنا إليه راجعون».