طالعت في جريدة الجزيرة العدد رقم 10592 مقالا للأخت ريم سعد بن عبد الله القباع طافت بنا من خلاله داخل خواطر طفل كفيف، وأعطت النص الكتابي زخما أدبيا باهرا من خلال عوالم يلفها الخيال لكنها تقترب من الواقع دون اخلال بالجماليات الابداعية. كان النص غاية في الجمال.. بدأته برؤى متعمقة حول الحياة.. ورحلة البشر ما بين المهد واللحد.. وبسلاسة فائقة بدأت تمزج شخصية النص المحورية.. شخصية الطفل.. بالعمل السردي الابداعي مع محافظة كاملة على التماسك بين أجزاء النص.. وسيطرة على عوامل الجذب التي لا تترك للقارىء فكاكا حتى ينتهي من القراءة. ما أعجبني في النص الذي كتبته ريم انه ارتوى بالعبارات المجنحة التي تملأ الصدر انشراحا فما أجمل قولها مثلا بلسان شخصية الطفل: «دلفت باحساسي الى شارع صغير مغبر تفوح منه رائحة الندى الممزوج بالطين، في ذلك الشارع ترعرعت واندمجت عروقي مع طينها، كل صباح ومع كل وقت أصحو من نومي قبل طيور الصباح أتحسس الجدران بيدي النحيلة حتى أصل النافذة، افتحها فتتسلل خيوط الشمس الرقيقة دون ان أحرك رمشا واحدا». وانظروا اليها وهي تصف مشاعر الطفل الكفيف تجاه أقرانه وهم يلعبون.. انها تقول: «ينعصر قلبي شوقا على مشاركتهم اللعب، وتوسيخ ملابسي الناصعة بالتراب.. ولكن يا الهي.. أيظل الحال هكذا؟» ومن اللافت للنظر أيضا ان الكاتبة استطاعت ان تحمل قارئها على الدهشة وهي تقوده الى نهاية الحكي في اقصوصتها، بما اشارت اليه من تطور حدث بفصل العامل الزمني حين قالت: «حان الوقت للذهاب إلى دار النشر لطباعة كتابي إنشودة معاناتي الماضية».. وهو ما يعني تجاوز مرارة المعاناة وتحويل النتاج الى عبير يفوح برائحة الابداع. ان هذا العمل الجميل قد يكون مؤشرا لمولد قلم واعد بعطاء ثري في مستقبل الأيام.. خصوصا اذا توفرت ارادة الاستمرار وتم صقل الموهبة بالاطلاع على مختلف التجارب الابداعية للآخرين. ويبقى شيء مهم أهمس به في اذن ريم وكل الاقلام المبدعة.. هو ان الطريق نحو التميز طويل وشاق.. والمهم توفر الموهبة، ثم القناعة.. ثم العبر.. ثم الاستمرار في العطاء دون تكاسل، فهذا ما يقوله كبار المبدعين الذين وصلوا لأعلى درجات الشهرة وكما قال الشاعر: اذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام