«الكتابة» توءم الكاتب وشقيقته التي عايشته طفلاً ولازمته شاباً ولاطفته ناضجاً وآنسته كهلاً.. هي موهبة ربانية لا يمكن تعلمها، مهما بلغ من القراءة عتياً.. نعم القراءة الفاحصة الواعية الدقيقة ترفدها ولكنها لا توجدها من العدم. سجية الموهبة وشغف المعرفة وبكورية الفكرة، والكلمة المتوشحة بالبلاغة والمتسربلة بالأدب، والروح الخلاقة، هي أدوات الكتابة التي لا مناص عنها ولا منقلب إلا إليها، لمن تجشم وعثاء السفر وأمانة الرسالة. الكلمات بنات اللغة والأفكار أبناؤها، وبلا تآخيهما وتربيتهما في بيت الموهبة فلا كاتب يلوح في أفق الإبداع.. «الموهبة الربانية والمعلومة المختزلة في العقل واللغة الثرية المستفيضة» ثلاثية الكاتب الذي يليق بهذه الصفة وتليق به. حول شجون الكتابة وهمومها، وقرب أدواتها ومناهلها.. تحدث عدد من الكتاب والمثقفين والأكاديميين متسلحين بالخبرة والمعرفة عن عدة تساؤلات طرحتها «الرياض» كانت كالتالي: كيف تنظر لهذا العالم المزدحم بالكتاب وأنصاف الكتاب واللا كتاب أصلاً؟ وفي أي درجة من السلم تضع كاتب «المقالة» السعودي بين أقرانه العرب وغير العرب؟ وهل ترى أن لرسالة الكاتب نهاية محتمة، ولقلمه عمراً افتراضياً؟ وإلى أي مدى يستطيع الكاتب الاحتفاظ بوهجه وتجدده فكراً وطرحاً ورؤى؟ ولماذا ينقص الكثير منهم شجاعة إعلان قرار الترجل وإتاحة الفرصة لمبدع آخر يحمل اللواء ويكمل المشوار؟ وهل يعد انسياق البعض إلى منصات التواصل للثرثرة والتشفي عندما يعاد تقييمه هو توقيع النكران على منصة الإفلاس؟ «قنوط وسوداوية» صنف الدكتور صالح زياد - أستاذ النقد الأدبي بجامعة الملك سعود - الكتابة إلى نوعين «الكتابة الحرة» و»الكتابة الناقدة»، وقال: إذا أُطلِق لفظ «الكتابة» ومشتقاتها، من حيث هو دلالة على مهنة لها شروطها ومستوياتها، فإننا لا نستطيع تصورها مطلقةً من دون حدِّها بالسياقات والأغراض والأصناف التي تفرقها وتعدِّد وحدتها. فهناك كتابة إبداعية حُرة من المقتضيات الأغراضية والدواعي النفعية والعملية للكتابة، وقيمتها فيها بوصفها منتجاً جمالياً. وهناك الكتابة ذات الأغراض التي تعرض الأفكار والظواهر والمنتجات في مظاهر الحياة الاجتماعية والوجود الإنساني، بقصد وصفها وتحليلها وفهمها والكشف عن مشكلاتها ومعالجتها. مواهب ذابلة.. ترفض التوقف وتكابر! «الرأي العام الصلب».. صناعة صحفية والسؤال عن التزاحم على بوابة الكتابة، يلفتنا إلى ما تحفل به الكتابة بوصفها مهنة نخبوية، من دواعي التنافس والرغبة في الظهور والانتساب إلى صفة «الكاتب» ومرادفاتها وأشباهها. وهذه مسألة متجذرة تاريخياً في العرف الثقافي، سواء في دلالتها على العالِمية والمعرفة أو على الصفوة الذين يمتلكون من سُلطة المعرفة ما يجعلهم أقرب إلى السلطة الاجتماعية وأنفذ إليها، لاسيما حين يرقى المجتمع في درجات الحضارة والمدنية. ويضيف: إذا كان ظهور الكاتب وطريقُه إلى النشر والشهرة في الزمن القديم شاقاً بخلاف عصر الاتصالات الحديثة الذي أفسح للكتَّاب وسائل النشر المختلفة، فإن أحداً لا يستطيع أن يساوي بين الكتاب في مقدار ما يتميزون به من الموهبة والامتلاك للأدوات والقدرة على التأثير والإسهام في تطور الفكر والفن والمجتمع. وفي كل العصور كان هناك كتَّاب مبدعون وموهوبون وكان هناك مدَّعون للموهبة ودخلاء على مهنة الكتابة، ولكن الزبد دائماً يذهب جفاء، ويمكث في ذاكرة الزمن من يستطيع حفر الصخر بمؤلفاته وأصالة أفكاره وإبداعاته. وهذا وصف عام ينطبق على اللحظة التي نعيشها في المملكة، وفي عالمنا العربي، وعلى العصور القديمة والمجتمعات المختلفة. ويمكن للمرء أن يميز بوضوح تقدم الإبداع والفكر في مجتمعنا السعودي، وبروز أسماء ذات جدارة في مختلف حقول الكتابة، تُسهم في تقدم الوعي وارتقاء الذائقة وتكافح في سبيل إثبات وجودها. ولكن أكثر من عامل أو سبب يتضافر على خلق فضاء يختلط فيه الجيد والرديء. وأظن أن أبرز الأسباب في هذا الصدد تكمن في تهافت بعض دور النشر على تقاضي تكاليف وأرباح ما تنشره من المؤلفين، وانزواء طائفة من الكتاب المميزين عن الظهور والتصدر، بسبب غفلة المؤسسات الثقافية ذات العلاقة عن اكتشافهم وتقديرهم، أو بسبب يأسهم وقنوطهم وسوداويتهم. وفي مجمل الأحوال لا يملك المرء إلا أن يتفاءل وأن يستبشر بتزايد المواهب وبروز الطاقات التي ستجد من يقدِّر امتيازها ويحتفي بها في الداخل والخارج. عرش «الكتابة الإبداعية».. ينشد المجددين مناهضة التغيير بضاعة مردودة عليهم ولا شك أن لأجواء الثقافة والنشر والقراءة أثرها على استمرارية الكاتب وازدياد توهجه وعطائه، فليس لكاتب يملك القدرة والموهبة اللتين تسعفانه على مزيد من الإنتاج، أن يتوقف، وربما يبدو لي أن كاتباً أو مبدعاً بهذه الصفة لا يستطيع أن يتوقف؛ لأن توقفه يعني فقدانه الوجود وذلك هو موته المعنوي الذي لا يتباعد عن موته المادي وقد يقترن به. «مهددات الإبداع» وتحدث كمال إدريس - كاتب وصحفي سوداني مقيم في المملكة - مختاراً لكلماته عنواناً تساؤلياً.. «عرش الكتابة الإبداعية.. هل من مهددات؟!» وقال: ظلت الكتابة الإبداعية ردحاً من الزمن تتصدر المشهد الأدبي في مختلف أنحاء العالم، وكانت حركة الترجمة جسراً يضيق الهوة بين مختلف ثقافات البشر، وهو ما جعل التقارب الثقافي بين الشعوب أمراً واقعاً، ويسّر أمر التمازج والانتقال بين الإنتاج الفكري للإنسان. وحرفية الكتابة هبة إلهية تصقلها التجربة والدربة الطويلة لتخرج عصارة الأفكار في قالب جاذب يشتهيه القارئ، وقد قيل: إن الكاتب الحريف هو من يجعل عين القارئ تعيش الدهشة والحزن والفرح دون أن يجرؤ على رفع عينيه عن المنتج المكتوب. ويكمل: المكتبة العربية كانت وما زالت تكتنز بالمنتج الراقي المفيد، وقد برزت أسماء أعلام يصعب جمعها، تعدت شهرتها الحدود الجغرافية وأضحت أرقاماً من نور على المستوى العالمي، إلا أن ذلك لا ينفي وجود غث وخواء جاءت بهما الأقدار على أرفف الإنتاج العربي ليشوها بعض جوانبه. وإذا كان الإنسان يعبر من خلال اللغة عن نفسه، وعبرها يعكس ذلك للعالم المحيط به، فإن اللغة كوسيلة مرت بالعديد من المحطات عبر الزمن، غير أن المحطة الأخيرة قد تكون الأخطر، بالنظر إلى المؤثرات أو ما يعرف اصطلاحاً في الإعلام بالوسيلة الناقلة، فالإنسان يعيش عصر السرعة، في كل مفاصل يومه الراتب، وبات الاستخدام القديم للغة كوسيلة إمتاع يحتاج نوعاً من المعالجة، فقد كان القارئ لا يكتفي بعنوان الخبر بل يبحث عن التفاصيل التي تجيب عن الأسئلة التي تتقافز إلى ذهنه، بيد أن هذا الأمر بات على المحك بفعل التقنية. لقد وضع الإعلام الجديد والتقنية الحديثة ممثلة في وسائل التواصل الاجتماعي الكتابة الإبداعية على المحك، خاصة أن الأجيال قد جبلت على الأفكار والإشارات ذات الوميض، فهل يا ترى تواكب الكتابة الإبداعية المسترسلة في التشبيهات والإطناب والألفاظ المركبة ومضات العناوين على تويتر؟!، وهل يا ترى يصبح من كانوا يوصفون بنجوم الكتابة الإبداعية المجيدة عملة نادرة خلال السنوات القريبة؟!. ومهما يكن من أمر فإن الكتابة الإبداعية تظل تعبيراً خاصاً عن الأفكار والمسلمات الشخصية، مقرونة بكافة اختلاجات حياة الشخص وانفعاله مع الحياة، وما يكتسبه من تجارب وتعلم من الآخر، ويدفع هذا الزخم لإنتاج العمل الإبداعي الخاص، ذي الصبغة الشخصية للفرد، المؤسس من خبرات متراكمة وقدرات لغوية وتعبيرية ومواهب مكتسبة تضع منتجه في مقدمة الأعمال الإبداعية حاملة مشاعر وأفكاراً مطروحة بطريقة مبتكرة وفريدة وشاعرية. الناظر للمكتبة السعودية يجدها تمور - كصنواتها في دول المنطقة - بأطياف الكتابة كافة، لكن يظل القارئ هو الحكم للعمل المميز، يخرج الثمين ويطرح الغث، ولا يمكن لمدعٍ أن يكون مبدعاً بين يوم وليلة، حيث تلعب التراكمية دورها في نجاح صاحب القلم «السنين». «مساحة خطيرة» وبدوره يقول محمد الساعد - كاتب سعودي -: يا له من عالم مزدحم فعلاً بالكتاب أحياناً، وبأرباع وأخماس «المتكتبين» أحياناً كثيرة! ويا له من مكان يقل فيه الإبداع ويكثر المزدحمون وتقل البضاعة ويكثر المحرجون! كانت الصحافة في العالم تقوم ذات يوم على الخبر وصناعته، وعندما تراجع دوره أصبح من الملحّ على الصحف السعودية أن تبتكر محتوى آخر يناسب اهتمامات مجتمعها وقادراً على جذب قرائها وإشباع رغباتهم في القراءة كما فعلت الصحف حول العالم، وفي ظني أنه لا يوجد لدى مؤسساتنا الصحفية أفضل من كتاب الرأي القادرين على ملء هذا الفراغ، وعليها أن تستثمر في ذلك وتنوع من خلال إنتاجهم. ويستدرك: لكن ذلك لا يعني أن تسمح الصحف بولوج «اللاكتاب» لهذه المساحة الخطيرة التي إما تصنع وعياً أو تساهم في رداءة الناس، وعليها الاستثمار في تحويل كتابها إلى نجوم قادرين على إضافة محتوى حقيقي مفيد، فصناعة النجوم قضية الإعلام الأهم، والأولى أن تصنع الصحف نجومها وتعظمهم، في مصر على سبيل المثال نجوم «التوك شو» هم من يصنعون الرأي العام، وبين الساعة السابعة مساء والثانية صباحاً يبث أكثر من 70 برنامجاً على مختلف المحطات التلفزيونية. ويؤكد: كتاب الرأي المعتبرون في المملكة هم ممن ساهموا بفضل المؤسسات والمنصات الصحفية في صناعة الرأي العام الصلب الذي التف حول وطنه في وقت العواصف السياسية والأمنية الصعبة التي مررنا بها، هل نتذكر 11 سبتمبر وعمليات القاعدة في الرياض وما يسمى بالربيع العربي والأزمة مع نظام قطر والحرب مع الإعلام الغربي وما قبلها وما بينها وما بعدها، كلها عواصف عاتية استطاعت الصحافة بكتابها وتقاريرها إقناع الشارع السعودي بسلامة الموقف السياسي لدولته وبالتالي تعزيز الجبهة الداخلية. ويتساءل: أين نضع كاتبنا السعودي، وما مكانته المستحقة؟ مجيباً على ذات السؤال بأن هذا يعود للكاتب وأهمية ما يخطه يراعه عن هموم المجتمع وقضاياه الشائكة. ويتذكر الساعد كتاب الأمس من الرواد من يفيضون بالمعلومة الصادقة في زمن شحّها وندرة الوصول إليها، ثم الجيل اللاحق ممن أسماهم بكتاب الشأن العام، معرجاً على نوع آخر من الكتاب، وهم من يصنعون الفكرة ويستدعون تقاطعاتها المختلفة. منوهاً إلى نوعين آخرين من الكتاب هما: «المستهلكون» و»اللاكتاب»، وتبرير أحدهم أن لا يكتب لانتهاء موهبته بانتهاء الصحافة الورقية.. حتى لا يلام وحتى لا يفقد!. «الثقافة السلبية» ويرى الدكتور صالح المحمود - رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي بالرياض، أستاذ الأدب والنقد في كلية اللغة العربية بالرياض - أن فعل الكتابة مجرداً عن أي سياق آخر يعد فعلاً متحضراً يعكس ارتفاع مستوى وعي المجتمعات وقدرتهم على التعاطي بشكل حضاري، وينبئنا عن ترقي المجتمع في درجات عليا من الثقافة والتفكير الهادئ الواعي الذي يستطيع استجماع حشد الأفكار وترتيبها في نسق منظم. وحيثما تكون الكتابة فهناك حتماً قراءة، ذلك أن الفعل القرائي مرتبط بالفعل الكتابي وفق تناسب طردي، والقراءة برهان وعي ودليل عمق. لكننا حين نضع الكتابة في سياق الواقع الثقافي لدينا في المملكة فسنلحظ تغييراً ما يجنح إلى السلبية أكثر من جنوحه للإيجابية، وتبدو الصورة أكثر قتامة، وهذا لا يعود إلى فعل الكتابة، ولكنه يعود إلى ممارسها والمشتغل بها، ذلك أن المشهد متخم بقوم يرون في الكتابة مهنة من لا مهنة له، ويستسهلون مسؤوليتها، ويستخفون بخطرها، وتجدهم حاضرين دائماً، ولكنهم فارغون دائماً، وهذه أزمة حقيقية، تضرب ثقة الناس/المتلقين بكل فعل كتابي، وتسيء إلى المبدعين الذين يحترمون أقلامهم، وتغيّب ذوي الوعي في زحمة الفوضى الكتابية. ويستطرد المحمود: وعندي أن ذلك الكاتب الذي يفضح ضعفه وتسطيحه في كتاب خاص به أقلّ ضرراً (مع ضرره) من الآخر الذي استولى على عمود صحفي، هنا أو هناك وظل يمارس ضعفه وسطحيته في الكتابة كل يوم أو كل أسبوع. ويؤكد: ثمة خلل كبير علينا أن نفطن له، فكل حرف نكتبه يمثل مجتمعنا ومشهدنا، وبالضرورة يعكس وعينا وثقافتنا وتحضرنا، وإذا لم نكن على قدر هذا الحرف، فمن المؤلم أن نكون سبباً مباشراً في تمزيق نسيجنا الثقافي فقط لأننا لا نملك قدرة ولا وعياً، وفقط لأن هذه المؤسسة أو تلك منحتنا فرصة لا نستحقها. الكاتب الواعي والمثقف ثروة يجدر بنا أن نحافظ عليها، وقبل ذلك يجدر به أن يحافظ على قدرته بمزيد وعي وقراءة واطلاع، وعليه أن يعي أن الفعل الكتابي هو في حقيقته (مخرجات) وليس (مدخلات).. الفعل الكتابي مخرجات وعي عميق وقراءة مكثفة وتأمل شفيف وتفاعل جميل، وهذه المدخلات تحتاج جهوداً كبيرة، ومن يؤمن بها سيكون بالضرورة كاتباً محترماً، وسيكون قلمه سيالاً لا ينضب. ويعتقد المحمود أن منصات التواصل زادت الطين بلة، وأصبح سقف حريتها المرتفع وبالاً على مشهدنا، ويقول: رغم أنها منحتنا كتّاباً محترمين، إلا أنها منحت الغوغائية والضعفاء فضاء أبدعوا في تدنيسه وتشويهه للأسف. «شعور التهميش» ومن جانبه، يقول الدكتور أحمد الهلالي - كاتب صحفي وأستاذ بجامعة الطائف -: الكتابة فعلٌ فكري واعٍ ترفده الثقافة وتغذيه القراءة، روحها الهمّ، وعمادها شغف التأثير، تمدها السؤالات بالبقاء، والكتابة - أيضاً - محاولة تفسيرية للوجود والسلوكات بكل مظاهرها الجلية والخفية، وليس للكتابة سقف ولا قاع، وهي تتخذ أشكالاً وصوراً شتى، تحددها موهبة الكاتب، ومساحات الحرية المتاحة، وشرائح القراء المتغيّرة. والكتابة كأي فعل بشري آخر، يتدافع في مضمارها الكُتّاب، ففي كل حقل كتابي مستويات منهم، فكاتب مبرز مؤثر، وكاتب مؤثر إلى حد ما، وكاتب مغمور، ولا يخلو المضمار من دخلاء استهواهم التجريب، أو استسهلوا الفعل الكتابي، وهذه سُنةٌ ألفها الناس، لكن الزبد يذهب جفاء، ويبقى ما ينفع الناس. ويستطرد الهلالي: بلادنا تزخر بأقلام مضيئة، اتخذ أربابها الكتابة فضاء للتعبير، وأداة للتغيير، وإن اقتصرنا على الكتابة الصحفية، فلا يخفى تأثير كتابنا داخلياً، وقد سلك الكثير منهم طريق التنوير، ودأبوا يصلون الصوت بالصوت من أجل قضايا يؤمنون بعدالتها، وبعد أن كانت مطالبهم ضرباً من الوهم المتهم، تجسدت اليوم واقعاً يباهون به، وما يزالون يضيؤون طريق التغيير، واللحاق بالركب العالمي؛ لأنهم يؤمنون بانتمائنا إلى هذا العالم، وشراكتنا الحقيقية مع كل الأمم القريبة والبعيدة. ويوضح: أما من جهة العمر الافتراضي للكاتب، فلا أرى ذلك إلا من جهة ضعف الحافز (الهم المحرك للكاتب) فالكتابة ليست ترفاً، كذلك من جهة جمود الكاتب أو سهوه عن المراحل والمتغيرات المحلية والعالمية، فلا قيمة لمكتوب لا يجاري المتغيرات على اختلافها، بالرصد والتحليل والتفسير، وهنا لابد للكاتب أن يترجل ويتيح الفرصة لمن يستطيع، أما استمرار بعضهم مع تراجع أدائه الكتابي، فربما يُعزى إلى الإلف، أو إلى قلة الناصح الأمين، والناقد الموضوعي الرصين. من جهة انسياق بعض الكتاب إلى مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن ذواتهم بعد إعادة تقييمهم، فلا ريب أن ذلك في السياق البشري الطبيعي، وهي ردة فعل مبررة، فالإنسان بطبعه يأنف من تقييم الآخرين، أضف إلى ذلك أن الكتابة تعني للكاتب الحياة، وقلما تجد كاتباً يؤمن بشيخوخة القلم، وسيشعره التوقف بالتهميش وقرب النهاية، ومشاعر النهايات عادة ما تكون قاسية، وفي رأيي ألا تضيق صدور الآخرين بردود أفعال من تسكنهم تلك المشاعر. «أساليب بالية» ويشارك دخيل الخليفة - شاعر وإعلامي - الدكتور الهلالي الرأي حول وسائل التواصل وامتهان الكتابة لعدد من روادها ويقول: فسحت المنتديات ومواقع التواصل المجال لنوعين من الكتاب.. مبدعين لم تسنح لهم فرصة الكتابة الصحفية، وأشباه كتاب كانت الأبواب مغلقة بوجوههم لافتقادهم أدوات الكتابة الإبداعية. والمتلقي الحقيقي يستطيع نخل أو فرز هذا الخليط في تلك المواقع. ويوضح: الساحة الثقافية السعودية غنية بمبدعيها في الأنواع الأدبية كافة، في المقالة والشعر والسرد والنقد والمسرح والتشكيل.. وبلا شك إن الحراك الثقافي أفرز أجيالاً لافتة ومختلفة منذ الثمانينات تحديداً، أسماء أثرت الساحة الأدبية وخصوصاً في الكتابة والشعر، واحتلت موقعاً متقدماً في الخارطة العربية. ويتيقن خليفة أن المبدع الذي يطور أدواته الكتابة ويراكم ثقافته ويتابع الجديد دوماً لن يكون لقلمه أو نتاجه عمر افتراضي، وسوف يبقى متوهجاً لأن الإبداع حالة عابرة للزمن. ويقول: على عكس ذلك نرى بعض الكتاب متمسكين بأساليبهم وطرقهم القديمة دون هضم الجديد ودون متابعة ما تفرزه الساحة الإبداعية، لكن هؤلاء يستذبحون في الدفاع عن أساليبهم عبر رفض الجديد الذي يكشف عوراتهم. وهؤلاء يبقى قارئهم يعيش حالة التخلف التي ينتجونها. وأظن أن فسح المكان لهم خلل تمارسه الصحافة والمنابر الثقافية. ولعل هروب البعض من المواجهة نحو الثرثرة حد الشتيمة في مواقع التواصل يؤكد أن هؤلاء انتهت صلاحيات كتاباتهم ولم يعد لديهم سوى عضلات من فلّين. زياد: توقف الكاتب موت معنوي ومادي الساعد: يبررون إفلاسهم بنهاية الصحف المحمود: الغوغائيون شوهوا فضاء التواصل إدريس: العمق الإبداعي أصبح على المحك الهلالي: لا قيمة لكتابة لا تجاري المتغيرات الخليفة: الثرثرة بصمة على انتهاء الصلاحية