لقد تم ميلاد دولة وصار لها مكان بين دول العالم وذلك بعد توحيد أجزائها المتعددة شعباً وأرضاً هذه هي المملكة العربية السعودية التي قام بتأسيسها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود يرحمه الله منذ واحد وسبعين عاماً فبعد فتح الرياض في نحو ثلاثين عاماً من النضال والكفاح والجهاد برفقة الرجال الذين حققوا بطولات خارقة تم بها توحيد الأجزاء وانصهارها في كيان واحد على الخريطة الجغرافية الواسعة الشاسعة والمتسمة بكثرة القبائل المتصارعة والمتنازعة من أجل السيطرة على الماء والأرض فقبل التأسيس كان البعض من أبناء الجزيرة يستقرون في بلدات وقرى بسيطة تتواجد حيثما يتوفر الماء لتقوم بالزراعات البسيطة كما في الواحات الصغيرة المتناثرة كما اشتغل البعض الآخر بالتجارة أو حرفة الصيد أو الاحتطاب ونحو ذلك من الحرف اليدوية البسيطة. ومنهم البادية وهم كثيرو التنقل والترحال للبحث عن الكلأ والماء لأجل الرعي. لقد كان يسود كثيراً من أجزاء الجزيرة العربية الغزو والنهب والسلب مما كان سبباً للذعر والخوف والفوضى والاضطراب وساد الفقر والجهل والمرض بين معظم السكان آنذاك كما يحكيه لنا الآباء والأجداد أو ترويه لنا كتب التاريخ ووسائل الإعلام المختلفة. لذا فإن غرة برج الميزان من كل عام تعد ذكرى خالدة في التاريخ السعودي المعاصر حيث يذكرنا بأعظم الإنجازات التي تمت في هذا اليوم فقد حقق الملك عبد العزيز تأسيس دولة ذات نظام يقوم على الشريعة الإسلامية انطلق بها المؤسس نحو التنمية رغم الصعوبات والعراقيل والمعوقات كضعف الموارد المادية وندرة المتعلمين ونحو ذلك من العوامل التي تحد وتثبط بل تمنع من التفكير في عملية النمو والبناء. مع هذا فإن المجتمع السعودي لم تمنعه كل تلك العوائق من أن يبدأ في النمو والتطوير والتحديث حيث ظهرت بدايات التنمية مع تأسيس المملكة. إلا أن الانطلاقة الحقيقية للتنمية قد بدأت بعد استخراج النفط بواسطة الشركات إلى تعاقد معها الملك عبد العزيز والذي كان بداية للنمو والتطور الاقتصادي والاجتماعي وذلك بعد استخراج النفط بكميات تجارية في عام 1357ه والتي تزايدت عاماً بعد الآخر لتصبح ميزانية المملكة عام 1367ه نحو 214 مليون ريال بدلاً من 14 مليون ريال في عام 1353ه ما انعكس إيجابياً وبات مشجعاً للانطلاق نحو الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. من هنا تتضح أهمية ذكرى هذا اليوم والتي لم تكن الأمور قبله مشجعة وسهلة للقيام بعمليات البناء والإصلاح ولكن بالإرادة والعزيمة والحكمة والطموح والصبر في اتخاذ القرارات وتحديد الأهداف والثوابت والمعايير التي سارت عليها المملكة وبذلت الجهود من أجل البناء والنماء والتطور والتقدم الذي تحقق عبر تلك المرحلة فجاءت النهضة باتجاه كافة أرجاء المملكة وتمثلت في أوجها وعظمتها وقوتها في عهد خادم الحرمين الشريفين يتلمسها وينعم بها كل من يقيم على أرض هذا البلد مواطناً ومقيماً وزائراً والتي أشاد قادة وزعماء ومفكرو العالم بتلك الإنجازات الحضارية التي جاءت مواكبة للعصر مع المحافظة على الخصوصية فلم يتم الإنحراف عن الشريعة الإسلامية أو العادات والتقاليد المحمودة والثقافة العربية الأصيلة وهذا يعد إنجازاً كبيراً يحمد لأبناء وقادة الوطن والذين تمكنوا من هذه القفزة الحضارية الحديثة لبلادهم المتوائمة مع عصر العلم والتقنية وثورة المعلومات وذلك لأن مقومات البناء والنمو تهيأت ورسخت على قواعد صلبة ودعائم قوية أسسها الملك عبد العزيز بإيمان وصدق وإخلاص وعزيمة وإرادة سار على نهجها أبناؤه القادة الملوك سعود وفيصل وخالد ثم خادم الحرمين الشريفين ومن هذه الأسس والمرتكزات جعل دستور المملكة القرآن الكريم والحكم بالشريعة الإسلامية وإرساء قواعد الأمن والاستقرار وعليهما ارتكز شموخ البنيان وعظمة النهضة وقوة الإنجاز لذا فالحديث عن ذكرى هذا اليوم الخالد يدفعنا لمعرفة بعض ملامح المسيرة التنموية خلال تلك الفترة فقد نجح المؤسس في نشر التعليم النظامي وقيامه بعمليات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي من خلال توطين البادية بإقامة الهجر رغم الظروف الصعبة فكان الملك عبد العزيز يهدف لاستقرار القبائل بدلاً من التنقل والترحال وتشجيعهم على مزاولة الزراعة ومعاونتهم بحفر الآبار وتمهيد الطرق مما ساعد كثيراً على ظهور الاستقرار لأبناء الوطن ساهم في حشد الطاقات من أجل تأهيلها بالعقيدة الإسلامية والعلم لتنطلق مسيرة البناء والتعمير بالعطاء والجهد والصدق والإخلاص فجاءت النهضة الشاملة في أرجاء الوطن لذا فإن عملية التوطين تعد إنجازاً عظيماً. لقائد حكيم استطاع ببراعة تحقيق الترابط والإخاء مما أوجد التلاحم الحقيقي البنَّاء بين أبناء المجتمع وقادة الوطن والذي يعد من أسباب تسارع عجلة النمو والتطور فهذه الأعمال تُظهر عظمة وقوة القيادة من خلال تحقيق الإنجازات الفعلية فمن قبائل متناحرة ومتنافرة إلى مجتمع حضري ومن فوضى واضطراب إلى أمن واستقرار ومن فقر وجهل ومرض إلى مستوى معيشي مرتفع وانتشار للعلم والمعرفة ورعاية صحية متقدمة ومن صحراء قاحلة إلى زراعة متطورة ومن مجاعة وقحط وندرة المياه إلى اكتفاء ذاتي وتوفير المياه من حفر الآبار وتحلية مياه البحر ومن واردات لكثير من السلع إلى صادرات لكثير من المنتجات الزراعية والصناعية حيث إن صُنِعَ في السعودية تسوق في أكثر من 118 دولة في العالم فقد أصبحت المناطق مليئة بالمصانع التي شيدت لها المدن الصناعية وباتت لدينا مدينتان صناعيتان في الجبيل وينبع تضاهيان أكبر المدن الصناعية في الدول المتقدمة لقد صمم القائد بعد إعلان المملكة على ضرورة إدخال التعليم النظامي الذي واجه صعوبات وعراقيل عند افتتاح المدارس الحكومية إلا أنه قد بُذلت الجهود فانتشرت المدارس النظامية شيئاً فشيئاً وتم الاستعانة بالمعلمين من بعض البلدان العربية وأرسلت بعثات تعليمية من أبناء الوطن وبدأت التنمية التعليمية تشق طريقها بعد إنشاء وزارة عهد بها لرائد التعليم خادم الحرمين الشريفين منذ خمسين عاماً كأول وزير للمعارف وتوسعت دور العلم كماً ونوعاً ووصلت أوجها في عهد حكومة خادم الحرمين الشريفين ليصبح في المملكة أكثر من أربعة ملايين ونصف من الطلاب يدرسون في أكثر من 24 ألف مدرسة للبنين والبنات وثمان جامعات وكليات ومعاهد متنوعة هذا بجانب أعداد من الكليات العسكرية المتنوعة والكلية الأمنية التي تُخرِّج أعداداً كبيرة من الكوادر المؤهلة مما ساهم كثيراً في سعودة كثير من الأجهزة والإدارات الحكومية وبعض منشآت القطاع الأهلي. وامتد الاهتمام بالرعاية الصحية التي بدأت بتشجيع من الملك عبد العزيز وتوسعت أعداد المستشفيات مع الخطط التنموية إلى أن وصل عددها الآن أكثر من 3500 مستشفى ومركز صحي في كافة أرجاء المملكة تقدم للمواطن الرعاية والوقاية والعلاج ولكل من يتواجد على أرض الوطن. وأكثر من ذلك فقد اهتمت القيادة الرشيدة في حصول المواطن على مسكن مما أسهم في قيام نهضة عمرانية شاملة أدت إلى انتشار الأحياء والمجمعات السكنية الجديدة في المدن حيث مدت لها المرافق والخدمات التعليمية والصحية والأمنية والاتصالات والأسواق. وأصبح المواطن ينعم بالتنقل بيسر وسهولة داخل وخارج المملكة وذلك للاهتمام بإنشاء الطرق والمواني والمطارات المجهزة بوسائل النقل المتطورة التي ساعدت كثيراً على تنشيط حركة التجارة والسياحة التي نمت وترعرعت كما تطورت المشروعات الزراعية والصناعية والتي بدأت بتشجيع من القائد عندما منح مكائن استخراج المياه للمزارعين ثم ازدهرت مع مسيرة التنمية وتنوعت الأنشطة نتيجة توفر مقومات البناء الاقتصادي فمرتكزها توفر القوى الوطنية العاملة التي تم تأهيلها وتدريبها وعمادها وفرة رأس المال والمواد الخام وتكامل البنية التحتية وتوفر السوق الحرة ومحركها التخطيط الجيد وحسن المتابعة والدعم والتشجيع حيث جاءت هذه العوامل مجتمعة في عهد خادم الحرمين الشريفين محفزة للنهوض بقفزات عملاقة في العشرين عاماً الماضية محققة الأهداف وبرامج الخطط الخمسية في نقل وتوطين التقنيات الحديثة الملائمة لمتطلبات النهضة الزراعية والصناعية والتجارية والتي تتطلع للمزيد من التقدم والنهوض لآفاق غد واعد عبر القرارات السامية المتمثلة في إنشاء المجلس الأعلى للبترول والمعادن والمجلس الاقتصادي الأعلى والهيئة العليا للسياحة والتي ستكون لها إنعكاسات إيجابية على التنمية الاقتصادية من خلال التوسع في المشروعات أفقياً ورأسياً في مجالي الانتاج والخدمات بما يحقق المزيد من الرخاء والرفاه ويتيح المزيد من فرص التوظيف للمواطنين وذلك من خلال قرارات السعودة التي تصدر بين فترة وأخرى وعن الاهتمام بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة فقد قام القادة منذ التأسيس بتوسعة الحرمين الشريفين إلى أن تولى الفهد قيادة المسيرة فأقام أضخم وأعظم توسعة للمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف تمت حتى الآن كما أقام مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة ليهدي ملايين النسخ من القرآن الكريم لكافة المساجد داخل وخارج المملكة هذا وقد شهدت المشاعر المقدسة تطوراً كبيراً لخدمة وراحة الحجيج ولأن المملكة قد نجحت في تحقيق النهضة الشاملة فإن خادم الحرمين الشريفين تأكيداً للنقلة الحضارية التي تتطلبها البلاد أصدر النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الوزراء ونظام مجلس الشورى ونظام المناطق وهذه قد أضافت للمملكة سمات خاصة في أنها أتاحت الفرص لزيادة تفاعل أبناء الوطن مع ولاة الأمر بأسلوب حضاري يتلاءم مع متطلبات العصر الحديث وذلك من خلال توسيع قاعدة المشاركة الوطنية وعلى الصعيد الدولي فالمملكة منذ تأسيسها وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين بات لها مكانة مرموقة بين الدول العربية والإسلامية والصديقة فكم من القضايا التي وقفت بجانبها ونصرتها وكم من المحن والكوارث كالزلازل والسيول والفيضانات والجفاف وقفت بجانبها بالدعم والمساعدة وكم من أعمال جليلة تقدمها المملكة لخدمة الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من خلال هيئات الإغاثة وما تقدمه حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني من دعم وعطاء لبناء الكثير من المساجد التي يعد بعضها مراكز إسلامية ضخمة. وما هذه إلا لمحات سريعة عابرة للإنجازات التي يتذكرها القاريء في هذا اليوم الخالد عبر واحد وسبعين عاماً من توحيد المملكة ليرى ما قام به القادة بحكمتهم وعظمتهم في الوصول إلى هذا الكم والكيف من الحضارة والنهضة في وقت قياسي ومدى التلاحم بين أبناء الوطن والعمل سوياً من أجل الحفاظ على الرفعة والعظمة والمجد والشموخ والمكتسبات التي وصل إليها الوطن الغالي. عضو مجلس الشورى