مازلت اتذكر تلك الايام التي كان يدخل علينا فيها استاذنا القدير الى الصف ولم يكن يحمل عصاً بيده كما يفعل المعلمون في ذاك الزمان الذي سمحت فيه الوزارة بالضرب كوسيلة عقاب واصلاح في آن واحد.. وكان الطفل الصغير آنذاك ينظر بإجلال وتقدير الى معلمه الفاضل ويتساءل: كيف يؤثر هذا المعلم على تلاميذه ويسيطر عليهم دون ان يضرب احداً منهم؟! ويزيده التساؤل تساؤلاً آخر: من أين لهذا المعلم هذا السحر وهذه النظرات التي تفوق بأثرها وتأثيرها فعل السحر والضرب معاً؟!! وتدور الأيام ويمضي الزمان ويتحول هذا الطفل الصغير الى معلم للأجيال يمتطي صهوة العلم، ويتذكر فلاناً وفلاناً من معلميه السابقين ويحاول ان يقلدهم ويحاكيهم. وتبقى صورة استاذه القدير قابعة في مخيلته فيحاول ان يكون مثله، ولكنه يدرك في قرارة نفسه ان مماثلة هذا الاستاذ القدير ضربٌ من المحاولة ليس إلا!! ولكن لا بأس من الاقتراب لبعض صفاته وبعض ومضات شخصيته القوية الساحرة،و وبعض سكناته وحركاته.. ولكن!! وتصر هذه اللاكن على ان تفرض نفسها بعد كل محاولة لتقمص شخصية هذا الرجل الفاضل، ويعاود الطفل الذي كبر واصبح معلما يعاوده يقين على يقين ان المخلصين والمتميزين عملة نادرة قلّما يجود الزمان بأمثالهم، وأن العظمة تمنح لكافة الناس مهما اختلفت اعمالهم وآمالهم. وتمضي الأيام وتدور عجلة الزمان ويتحول الاستاذ الفاضل الى مدير مدرسة ويتحول الطفل الى معلم ثم الى مشرف تربوي ومدير المدرسة لايزال مديرا للمدرسة ولعل بقاء المناصب في التعليم من السيئات التي لا يحبذها المربون ولاسيما القدماء منهم!! وتستمر عجلة الحياة فيلتقي المشرف التربوي بمدير المدرسة ولايزال يشعر برعشة خفية تعاوده كلما التقى بهذا المدير الاستاذ الفاضل!! وحينما يشعر المشرف احيانا بالزهو والفخر فيتفاجأ في كل مرة انه لايزال طفلا يتعلم وينهل كلما زار هذا الاستاذ الفاضل مدير المدرسة. ففي كل مرة يوجهه ويقدم له النصح والارشاد بل ويعاتبه احياناً والمشرف تسيطر عليه تلك الهالة الساحرة التي كانت تكبله طفلا صغيراً خلف مقعد الدراسة!! ياه.. ياللسرعة!! لم أكن أتصور أنني سأسطر هذه الكلمة في وداع فارس التعليم في محافظة رفحاء التابعة (للادارة العامة للتعليم في منطقة الحدود الشمالية) واحد رجالات ورواد التعليم في المملكة الاستاذ القدير والمربي الفاضل الاستاذ عبدالله بن صالح الاحمد والذي احيل الى التقاعد قبل ايام !! لم أكن أتصور أنني سأزور مدرسة عمرو بن العاص الابتدائية برفحاء ولا أجد مديرها قابعاً خلف مكتبه أو واقفاً في الساحة العامة او يتجول بين الصفوف الدراسية، ولكنها سنة الحياة التي لاتخفى على رجل فاضل قدّم للتعليم وللتربية خلاصة جهد وسنوات عرق امتدت لأكثر من 25 سنة، إن استاذي الفاضل عبدالله بن صالح الأحمد ليس مجرد استاذ عادي او مدير مدرسة تقليديا، بل هو مرب نادر يجمع بين العلم والمعرفة والخبرة وحسن الادارة، ارتبط اسمه باسم مدرسته التي قضى فيها اكثر سنين عمره اشراقاً وعطاءً مدرسة هارون الرشيد الابتدائية برفحاء اول مدرسة في رفحاء والتي تحولت الى قلعة علم حصينة تخرج المعلمين والقيادات التربوية والطلاب النابغين بفضل من الله ثم بمتابعة هذا المدير الرائع، ثم تحوّل الى مدرسة عمرو بن العاص فحولها بين عشية وضحاها الى مدرسة نموذجية تحتضن كل جديد في عالم التربية والتعليم واصبحت موئلا للأنشطة العامة التي تجمع ابناء المحافظة كلهم في فنائها بجهود شخصية من هذا الرجل الفاضل وبدعم المسؤولين في التربية والتعليم. ان الشيء الذي لايعرفه الآخرون عن هذا الرجل الفاضل هو عطاؤه اللامحدود للمدارس التي يعمل بها، فهو يجزل الدعم والدفع من مصروفه الخاص للمدارس ولكافة الانشطة الاخرى التي تخدم التعليم وتخدم المحافظة والمنطقة عموما. وهذا ما دعا معالي وزير التعليم الاستاذ الدكتور محمد الاحمد الرشيد الى الالتقاء به اثناء زيارته للمحافظة عام 1418ه والسلام عليه وشُكره شخصياً على بوادره ولمساته التي لاتعد ولاتحصى، فالصالح نصير المتفوقين وهو عون للاعلاميين وللكتبة وللمؤلفين، وهو فوق ذلك كله أكبر داعم للمحتاجين وتشهد على ذلك سجلات الجمعيات الخيرية واللجان التطوعية في رفحاء. استاذي القدير عبدالله بن صالح الأحمد: أقسم بالله أنني أعرف أنك لاترغب أن أكتب عنك مثل هذه الكلمات، فأنا أول من يعرف أنك لاتحب الرياء ولا النفاق، وأدرك تماماً أن أكبر عيوبك هو الصراحة والبعد عن المجاملة، وهذا حقيقة ماشجعني على الكتابة عنك وجعلني أصر على ذلك، من أجل تاريخ التعليم في المحافظة، وليعلم القاصي والداني بعضاً من آثارك ومآثرك، ولتكون قدوة ومدرسة للأجيال القادمة، تنهل من تواضعك ومن علمك ومن أخلاقك وتربويتك الصارخة. استاذي الفاضل: لا أقول وداعا، بل أقول الى لقاء قريب، فأبناؤك المشرفون والمعلمون ومديرو المدارس لايستغنون عنك على الاطلاق، ولايمكن ان ينسوا مآثرك، فأنت علم في تاريخ التعليم في المنطقة، واسمح لي يا استاذي أن أنادي وزارة المعارف ممثلة بتعليم منطقة الحدود الشمالية لتكريم هذا الرجل الفاضل الذي خدم التعليم سنين عديدة وليكن التكريم على محفل يليق باسم عبدالله بن صالح الأحمد داعياً ان يكون عملي كعملك خالصاً لوجهه الكريم وأن يمدك الله بالصحة والعافية وأن نرى أبناءك وبناتك على الصلاح والهدى إنه سميع مجيب والله من وراء القصد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ابنك وتلميذك منيف بن خضير الضوي مشرف اللغة العربية بمركز الإشراف التربوي برفحاء