سأروي لكم قصة مأساوية شاهدت بعيني آخر فصل منها هنا في بلادنا العزيزة، لكي أكون أكثر تحديداً في بلدة جميلة من بلاد عسير تدعى «المسقى» وكان بها مسجد قديم، وقديم جدا ذكره الهمداني في كتابه «صفة جزيرة العرب» اشتكى أهل سكان بلدة المسقى من أن المسجد الأثري الجميل لم يعد كافيا لاستيعاب المصلين، فقرر القوم هدمه وتوسيعه وإقامة مسجد حديث على انقاضه، وتبرع أحد المحسنين بإعادة بنائه وتوسيعه، فاستعد أهل البلدة بتخصيص كل نشيط منهم بالاجتماع في يوم واحد للنظر في هدم بيت من بيوت الله، ومعلم من معالم المسقى الجميلة، واثر من آثار الإسلام الخالدة، دافعهم في ذلك النية الصالحة، والطمع في عمل الخير برؤية مسجد أكثر اتساعاً للمصلين، وبدؤوا مهمتهم في الصباح الباكر، ولم يأت وقت ما بعد الظهيرة إلا وقد قضوا على الأثر. القصة أيها السادة لم تنته وهي رأس القصيد، لقد وجدوا أقبية تحت ارضية المسجد من الداخل ولكنها مملوءة بالمصاحف والمخطوطات والوثائق تعود الى عصور مختلفة من تاريخنا الإسلامي، فتشاور القوم في أمرها، فأفتى فيهم فقيه البلدة، وهو الواسطة بين أهل القرية وفاعل الخير قائلاً: بأنه سمع عن الشيخ عبدالله السعدي ان إكرام الأثر إحراقه، فتسابق القوم ولم يعترض أحد خشية اغضاب الفقيه الذي سعى لدى ذلك المحسن بدفع تكاليف إعادة بناء المسجد الى إخراج كنوز المعرفة والعلم وحملوها في مكاتل الى الوادي القريب من القرية، وهناك أشعلت فيها النار، فأصبحت لهبا ورمادا تذروه الرياح، بعد ان كانت على مر العصور نورا يهتدي به العلماء والفقهاء، وهذه الحادثة لم يمض عليها غير عدد قليل من السنوات، والامثلة كثيرة وكثيرة جداً، وما زالت تتكرر ونحن لا نفعل شيئاً، فالمعلوم لدينا جميعا وحقيقة نلمسها نحن أبناء هذه البلاد بشكل خاص ان الجزيرة العربية أقل البلدان العربية والإسلامية حظا فيما يتعلق بثروتنا الوثائقية.