ان الجزع لا يرد الغائب، ولكن يسر الشامت، ومن قل صبره، عزب رأيه، واشتد جزعه، فصار صريع همومه، وفريسة غمومه، وقد قال تعالى: )واصبر على ما أصابك ان ذلك من عزم الامور(، وتأسوا بذوي الغير، وتسلوا بأولي العبر، فهم الاكثرون عددا، الاسرعون مددا، فستجدون من سلوة الاسى، وحسن العزا، ما يخفف المصاب والبلاء، فلقد جرى من الابتلاء، للرسل والانبياء، والصالحين والاولياء محمد وابراهيم ونوح وموسى واسماعيل ويعقوب وعيسى وايوب صلى الله وسلم عليهم اجمعين من التكذيب والاذى. خير ما تواجه به المصائب والنكبات، الايمان الصادق بالقضاء والقدر وان ما أصاب المرء لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ومعرفته بعظيم ثواب المصيبة وجزيل اجرها والالتجاء الى الله عند وقوع ما تكره بكثرة الدعاء ودوام الاستغفار وكثرة الصدقة والاحسان على الفقراء والايتام والمحتاجين، هذا ومما ينبغي ان تتذكره ان هذه الدنيا متاع زائل وان الاخرة هي دار الجزاء والقرار، وتسلحوا بالصبر وربوا انفسكم عليه فإنه خير ما أعطي المرء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي احد عطاء خيرا وأوسع من الصبر.. متفق عليه. فاعلموا انه لما كان الصبر بهذه المنزلة من الدين اعد الله للصابرين جزاء عظيما فجاء في كتاب الله بأن اهل الصبر يستحقون البشرى فقال: )وبشر الصابرين( كما اخبرنا سبحانه بأن الصبر هو طريق الخير فقال تعالى: )وان تصبروا خير لكم والله غفور رحيم(، وبأن عاقبة الصبر الجنة قال سبحانه عن عباد الرحمن )اولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما(.. فلا عجب ان يسبق الى مقام الصبر انبياء الله، والصالحون من عباده.. هذا الخليل ابراهيم عليه الصلاة والسلام صبر على طاعة الله وصابر ورابط قال الله فيه )وابراهيم الذي وفى( قال بن عباس ما قام احد بدين الله كله الا ابراهيم عليه السلام قدم بدنه للنيران، وطعامه للضيفان وولده للقربان ولذا جعل الله هذه النار التي اوقدت له بردا وسلاما قال تعالى )قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم(. نوح عليه السلام صبر على دعوة قومه الف سنة الا خمسين عاما، وايوب عليه السلام تقلب في البلاء ما يقرب من عشرين عاما فنادى ربه )اني مسني الضر وأنت ارحم الراحمين( فاستجاب الله له وكشف ضره، وقال عنه )انا وجدناه صابرا نعم العبد انه اواب(.