لما كانت قضية فلسطين تحظى باهتمام كافة العرب والمسلمين في مشارق الارض ومغاربها، وذلك نظراً لاهميتها الدينية ومكانتها الاستراتيجية. وبقدر ماتغيرت به مواقف الدول العربية والاسلامية تجاه هذه القضية حسب التبدلات السياسية والاحداث الجارية، الا ان مانهجته المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله واستمر هذا النهج بخلافه ابنائه له بل ترجم القول إلى افعال ملموسة غيرت من مجرى الاحداث بالنسبة لهذه القضية، لصالح الشعب الفلسطيني سواء معنوي او مادي. وحرصت المملكة العربية السعودية على استثمار جميع الفرض والظروف الدولية لصالح القضية الفلسطينية وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه المسلوبة، بل انه حينما تهيأت ظروف عربية اقليمية ودولية لمفاوضات سلام تهدف إلى انهاء الصراع العربي الاسلامي وايجاد حل دائم وعادل و شامل للقضية الفلسطينية اضطلعت المملكة العربية السعودية بدور مهم للمضي قدما في هذا السبيل الذي يحقق حلولا عملية لقضايا شائكة دامت سنوات طويلة، وكانت المملكة مأوى للشعب الفلسطيني، مما اوجد الدعم والحماس لاهله في فلسطين، بالاضافة إلى تعاون الشعب السعودي ودعمه في قضيته، قال تعإلى«وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون». القضية الفلسطينية: )أ( الأهمية التاريخية: )1( الأهمية الجغرافية: تقع فلسطين في غرب قارة آسيا ويحدها لبنان من الشمال والبحر الابيض المتوسط من الغرب وسوريا والاردن من جهة الشرق ومصر ومن الجنوب وتكمن اهمية موقعها انها تقع بين قارتي آسيا وافريقيا بالاضافة إلى انها تشتهر بزراعة المحاصيل المتنوعة من الحبوب، والقمح والخضروات والفواكه وتعتبر في المرتبة الخامسة بين دول العالم في انتاج الحمضيات)1(. وتبلغ مساحة فلسطين 27009 كيلو متر مربع، ويقدر عدد سكانها حاليا بما يزيد عن خمسة ملايين نسمة من العرب في حين بلغ عدد اليهود حوالي اربعة ملايين نسمة. 2 الأهمية الدينية: لفلسطين اهمية دينية لدى المسلمين والنصارى واليهود، فالأنبياء الكرام ابراهيم واسحاق ويعقوب وموسى عليهم السلام عاشوا ودفنوا بها، وفيها بعث الله عز وجل عيسى عليه السلام إلى ان رفعه الله. وإلى المسجد الاقصى في فلسطين أسرى الله بخاتم انبيائه ورسله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم قال تعإلى «سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير». ومن المسجد الاقصى عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء وهناك أحاديث شريفة عديدة في افضلية بيت المقدس، فهو اولى القبلتين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى» رواه الشيخان. فقد شرع المسلمون يفتحون ارض فلسطين منذ خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه واما القدس التي حاصرها الجيش الاسلامي بقيادة ابي عبيدة عامر بن الجراح، فقد اصر اهلها على تسليم مفاتيحها للخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وقد نعمت فلسطين في ظلال الحكم الاسلامي إلى ان غزاها الصليبيون مستغلين ضعف المسلمين وتمزقهم.. غير ان العدوان الصليبي اندحر في النهاية على يد القائد صلاح الدين الايوبي رحمه الله اثر انتصار المسلمين التاريخي على حشود الصليبيين في موقعة حطين فوق ارض فلسطين. ثم كان لفلسطين موعد مع عدوان جديد بدأه الانجليز خلال الحرب العالمية الاولى «1914 1918» حيث دخل الجنرال اللنبي القدس وقال متشفياً: الآن انتهت الحروب الصليبية!! وخلال حقبة الاحتلال البريطاني لفلسطين تحت ذريعة الانتداب صدر وعد اللورد بلفور وزير خارجية بريطانيا لليهود بمنحهم فلسطين وطنا قوميا لهم. ب( اليهود وفلسطين في العصر الحديث: 1 بداية الهجرة اليهودية: دأب اليهود على الزعم انهم شعب واحد ينحدر من سلالة بني اسرائيل على الرغم من اختلاف الوانهم وبنياتهم الجسمية وهو مايقطع باستحالة انتمائهم إلى سلالة واحدة. غير ان قادتهم غذوا فيهم هذا الاعتقاد وشحنوهم باعتقادات أخرى مماثلة ومنها: ان اليهود هم شعب الله المختار، وان الله، عز وجل، وعدهم بالعودة إلى فلسطين التي يصفونها بانها ارض الميعاد. وكان المؤتمر الصهيوني الاول الذي عقد في بازل بسويسرا عام 1897م برئاسة تيودور هرتزل وحضور 204 من زعامات اليهود الفكرية والاقتصادية كان اول خطوة منظمة على طريق العودة الظالمة. وخلص المؤتمرون في بازل إلى القرارات التالية: أ تشجيع الاستعمار الاستيطاني في فلسطين على اسس مناسبة من قبل العمال الزراعيين والصناعيين اليهود، وكذلك العمل على انشاء مستعمرات زراعية وعمرانية في فلسطين. ب انشاء منظمة تربط يهود العالم عن طريق منظمات محلية تابعة لها في كل بلد يوجد فيه اليهود. ج تقوية وتعزيز الشعور القومي عند اليهود. د اتخاذ خطوات تمهيدية مجدية من اجل الحصول على موافقة الدول الكبرى لتحقيق اهداف الصهيونية)2(. 2 تدويل القضية وبداية الجهاد: استمر القتال بين الفلسطينيين واليهود حتى بدأت الهجر الجماعية للفلسطينيين في عام 1947م وذلك بعد قرار الجمعية العامة لمنظمة الاممالمتحدة بقرار تقسيم فلسطين إلى دولتين احداهما يهودية والاخرى عربية ولكن لم ينفذ القرار واستمر القتال في العديد من مناطق فلسطين وقام اليهود بتفجير مناطق التجمع الفلسطيني ليقتلوا عدداً منهم وفي نهاية 1948م اعلنت اسرائيل قيام دولتها، وعندها بدأت قضية فلسطين وبدأ الفلسطينيون بمقاومة اسرائيل. وبدأ اليهود بسن القوانين التي تخول لحكومة اليهود تملك الاراضي وذلك من خلال هجرة اصحابها لها، ومن تلك القوانين قانون «الحراج والتقادم» واستملاك الاراضي للصالح العام وغيرها. وبدأ اليهود باستخدام كافة انواع التعذيب لتهجير العرب من فلسطين وكذلك الاعتقالات والملاحقة والتفتيش وهدم منازل المشاركين في مقاومة الاحتلال ويؤكد ذلك رئيس الرابطة الاسرائيلية لحقوق الانسان حيث يقول: «عندما يهدم منزل من الذين يقتلون يساق جميع سكانه العرب بالقوة إلى ارض تل لكي يراقبوا المشهد ويجب الاشارة إلى هذا التعرف وحتى في اساسه كما يدفع بالاطفال والشيوخ والنساء المرضى العجزة إلى الشارع بغض النظر عن حالة الطقس»)3(. 3 دعم المملكة لقضية فلسطين: لابد من ذكر المرتكزات التي تقوم عليها السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية التي هي: اولاً: التأكيد على مبدأ الاخوة العربية، واهمية علاقتها بجيرانها، دون التدخل في شؤونهم الداخلية مع الاحتفاظ في التحكم في الشأن الداخلي للمملكة العربية السعودية. ثانياً: رفع مبدأ التضامن الاسلامي بين مختلف الدول الاسلامية، ودعمها لمؤسسات تدعو لهذا المبدأ ومنها منظمة المؤتمر الاسلامي والرابطة العالمية للعالم الاسلامي والبنك الاسلامي وغيرها. فحينما نأتي إلى دعم المملكة لقضية فلسطين لابد ان نقف على هذا الدعم من خلال كلمات ملوك المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله حتى العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله، حيث نرى هذا الدعم في الفعل قبل القول، لنجد الدعم القوي للقضية في مناسبات دولية ومحلية مما يبرز الصورة القوية للقضية الفلسطينية ومكانها في سياسة المملكة العربية السعودية. 4 الاعتبار الدعوي للقضية: من بزوغ فجر الاسلام على ارض هذا الجزيرة كان الجهاد ضد الاعداء لإعلاء كلمة الله تعإلى من الأساسيات التي كان يدعو لها الدين الحنيف، وكان من تعاليم الدين الاسلامي ان يحدث الانسان المسلم نفسه بالجهاد، ومن الجهاد اعانة المسلمين لمواجهة الاعداء في جميع الاراضي الاسلامية، وتعتبر من الاعانة الدعوة لهم في الصبر على مجاهدة الاعداء وحرصهم على تثبيت عقيدتهم مع مرور الوقت. ولذلك نرى ان دعم المملكة العربية السعودية للشعب الفلسطيني في جهاده ضد الصهاينة طريق من طرق الدعوة إلى الله بمساندتهم على الجهاد واعانتهم على الصبر على مايصيبهم من مجاهدة الاعداء. ونستعرض ملامح جهاد المملكة العربية السعودية في هذا الجانب: 1 كان من ابرز ذلك تذكير الشعوب الاسلامية بالقدس وبما يواجهه الشعب الفلسطيني من الانتهاكات والتعذيبات وذلك من خلال الكلمات التي تلقى اثناء مواسم الحج او غيره من المحلية والاسلامية. 2 المؤتمرات العربية، فمنذ ان قامت الجامعة العربية، وعقد اول مؤتمر عربي في سنة 1964م والقادة السعوديون ينادون الدول العربية بمساعدة الشعب الفلسطيني. 3 المؤتمرات الاسلامية، وايضا من خلال المؤتمرات الاسلامية التي اثبت فيها القادة السعوديون دعمهم للقضية ومساندة بعض الدول الاسلامية في قطع علاقاتها مع اسرائيل. 4 الدعم المادي والعسكري فاشتراك القوة السعودية في الحرب ضد اسرائيل ماهو الا شاهد على دعمها للقضية والمساعدات الاخرى التي تتلقاها اللجنة الشعبية مثل مساعدة المملكة في بناء جيش التحرير الفلسطيني وتبرعت له بمبلغ خمسة ملايين جنيه استرليني. اذا كل ذلك الدعم من الطرق التي يقدم المسلم في اعانة أخيه في الدعوة إلى الله وتثبيت للمسلمين في ديارهم على مجاهدة عدوهم. ودعمهم ومناصرة لاخوانهم المسلمين في تلك الديار حتى في وقتنا الحاضر، ومحاولة توحيد الصف العربي والاسلامي في مواجهة العدو الصهيوني. وهذا الدعم تعتبره المملكة العربية السعودية واجباً افي الدعوة إلى الله وكما نصت عليه المادة الثالثة والعشرون من النظام الاساسي للحكم فيها التي ذكرناها سابقا في اعانات المملكة للقضية الفلسطينية و هي قيام الدولة بواجب الدعوة إلى الله تعإلى. لذلك نرى التأكيد الدائم والاهتمام من المملكة العربية السعودية من بداية القضية وحتى الآن وهي تدعمها من النواحي المادية و المعنوية ومحاولة مجاهدة ذلك عبر المحافل والمؤتمرات الدولية واستخدام جميع الوسائل للضغط على الدول التي تساند اسرائيل حيث جعلتها لا تألو جهداً في سبيل استعادة حقوق الشعب الفلسطيني ومساندتهم وبروز دور الشعب السعودي وذلك بمساعدتهم عن طريق الوسائل المادية، ومحاولة من الحكومة في استغلال الفرص لتذكير الشعب السعودي بمحنة الشعب الفلسطيني وشحذ الهمم لديهم لمساندتهم. كل ذلك نرى ان الحكومة السعودية من منطلق النظام الاساسي لحكمها تقوم بواجب الدعوة تجاه الشعب الفلسطيني وان لم تكن الدعوة بالتعريف بالاسلام وانما بمساندتهم بالوسائل المادية والوسائل المعنوية لتثبيتهم على الاسلام، واعتبار ان هذه القضية هي الامر الاساسي لديها في المحافل الدولية وابرازها لدى المجتمع الدولي، وما انعقاد الندوة التي تشرف عليها دارة الملك عبدالعزيز الا جزء بسيط مما تبذله المملكة لهذه القضية لاشراك المجتمع السعودي والعربي و الاسلامي في التلاحم مع الشعب الفلسطيني المجاهد. هباس بن رجاء الحربي الهوامش: )1( دراسات فلسطين، إسماعيل باغي ونظام بركات، الرياض: المؤلفين، 1408ه، 30613 )2( دراسات فلسطين )المرجع السابق(، ص: 209 - 225 )3( تشريح نزاع الشرق الأوسط، تعريب سعيد أحمد