بدأت امس في الرياض فعاليات الندوة التي تقيمها دارة الملك عبدالعزيز تحت عنوان "المملكة العربية السعودية وفلسطين" وذلك بعد ان افتتحها مساء اول من امس امير منطقة الرياض الامير سلمان بن عبدالعزيز في حضور حشد من الوزراء والمفكرين والادباء والديبلوماسيين. وكان سفير فلسطين الذي اشاد بالدعم السعودي للقضية الفلسطينية اطلق على الأمير سلمان بن عبدالعزيز لقب "امير الفلسطينيين في الرياض". وتضمن حفل الافتتاح، اضافة الى كلمتي الامين العام لدارة الملك عبدالعزيز الدكتور فهد السماري وسفير فلسطين في الرياض مصطفى ديب، كلمة لوزير العمل في السلطة الوطنية الفلسطينيةرفيق شاكر النتشة وكلمة للامين العام منظمة المؤتمر الاسلامي الدكتور عبدالواحد بلقزيز اشار فيها الى العناية التي توليها القيادة السعودية لقضية فلسطين، وقال ان الدعم السعودي لابناء الشعب الفلسطيني وقضيتهم العادلة يظهر جلياً في المواقف السعودية الثابتة للمملكة في هذا الخصوص. وناقش المحاضرون امس في سبع جلسات قسمت على فترتين عدداً من المحاور وشارك في جلسات الامس 29 محاضراً بينهم وزيرا العدل والمعارف السعوديان والامين العام لرابطة العالم الاسلامي وعدد من المفكرين والأكاديميين العرب. جلسات الندوة أمس خصصت لمساهمات السعودية في مساندة الشعب الفلسطيني، ونورد في ما يأتي مقاطع من بحث وكيل وزارة المعارف السعودية للشؤون الثقافية الدكتور إبراهيم بن عبدالعزيز الشدي عن "المملكة العربية السعودية والقضية الفلسطينية من خلال منظمة اليونيسكو"، وقد بدأ بعرض نماذج من اهتمام السعودية بالقضية الفلسطينية في مؤتمرات اليونيسكو العامة من طريق مختارات ومقتطفات من بعض الخطابات التي استمع اليها المجتمع الدولي من عدد من رؤساء وفود المملكة كما وردت في سجلات المنظمة، ففي الدورة السابعة عشرة للمؤتمر العام لليونيسكو التي عقدت عام 1972 ألقى رئيس وفد المملكة د. احمد محمد علي وكيل وزارة المعارف للشؤون الفنية آنذاك كلمة قال فيها: "إن وفد المملكة العربية السعودية يدعو منظمة اليونيسكو، ويناشد الضمير الانساني الاهتمام بحماية حقوق الانسان العربي في ارضه المحتلة، كما يطالب بوقف اعمال التنقيب والحفريات وتغيير معالم المدينة المقدسة التي تمارسها السلطات المحتلةبفلسطين بغير حق شرعي"، وفي الدورة العشرين للمؤتمر العام لليونيسكو التي عقدت في باريس عام 1978 ألقى الأمير خالد بن فهد بن خالد وكيل وزارة المعارف للشؤون التعليمية والإدارية آنذاك ورئيس وفد المملكة الى المؤتمر كلمة قال فيها: "وإني اجد لزاماً عليّ ان ألفت نظر المؤتمر الى اولئك الذين حرموا من التمتع بأبسط الحقوق المشروعة، وأعني بهم ابناء الاراضي المحتلة، ابناء فلسطين فإذا تصفحنا الوثيقة رقم 20/113 ندرك ان سلطات الاحتلال ادخلت من التعديلات والتحريفات على المناهج الدراسية المقررة ما يجعل منها مناهج عبرية تدرّس بلغة عربية، وأبناء الاراضي العربية المحتلة يعلقون املاً كبيراً على منظمتنا اليونيسكو للوقوف بجانبهم ليحصلوا على حقهم في التعليم في شكل اوسع، اسوة بأبناء الشعوب الاخرى الذين اتيح لهم تحقيق الذات الثقافية الخاصة بهم وربط مستقبلهم بماضيهم من طريق مناهج التعليم وبرامجه". وقد شاركت المملكة في كل المؤتمرات العامة الثلاثين التي عقدتها منظمة اليونيسكو منذ إنشائها حتى المؤتمر العام الثلاثين الذي عقد في باريس خريف عام 1999، ولا تخلو كلمات المملكة في كل هذه المؤتمرات من فقرات عن القضية الفلسطينية، تؤكد فيها الحق العربي الفلسطيني، وتفند الادعاءات الصهيونية، وتعالج بروح عربية اسلامية، ما يَجُدّ حول هذه القضية. ويرى الدكتور فهمي توفيق مقبل في بحثه عن "موقف السعودية من الهجرة اليهودية وتقسيم فلسطين" ان السعودية قامت باستنفار كل قواها لانقاذ فلسطين بالتعاون مع جيوش الدول العربية الاخرى في اعقاب قرار التقسيم، حيث بدأت ملامح هذا الاحتشاد الاستنفار السعودي واضحاً في البلاغ الذي اذاعته المفوضية السعودية في دمشق في 1368ه4 ايار /مايو 1948 الذي جاء فيه انه قد "ورد لصاحب الجلالة رسائل وبرقيات تستنجد جلالته لانقاذ فلسطين من محنتها. وان جلالته إذ يشكر هؤلاء المخلصين ويود التأكيد بأن محنة فلسطين هي محنة المسلمين والعرب اجمعين، وانه بالاتفاق مع جميع الدول العربية لن يألوا جهداً ويدخروا وسعاً في العمل لانقاذ فلسطين، وان الجهود التي ستكرس في هذا السبيل ستستمر حتى تظفر فلسطين بعروبتها وسلامتها بفضل الله وتوفيقه". ولم تمضِ ايام على هذا البلاغ حتى اصدرت وزارة الخارجية السعودية بلاغاً آخر في 1368ه9 ايار/ مايو 1948 جاء فيه: "نتيجة للابحاث التي دارت في القاهرةودمشق وعمان، وصل الرياض جميل مردم بك، ورياض الصلح، على رأس وفدي سورية ولبنان وعرضا على الملك خلاصة الموقف في فلسطين فأبدى تأييده لجميع ما يتخذ من قرار بالدفاع عن فلسطين، والاحتفاظ بعروبتها والحيلولة دون تقسيمها وقيام الدولة اليهودية في ربوعها، كما قررت المملكة العربية السعودية بالاشتراك مع شقيقاتها الدخول الى فلسطين بالموعد المتفق عليه للدفاع عسكرياً عنها بالاتفاق مع الدول العربية الى ان تظفر بحقها وعروبتها بحول الله تعالى مهما طال الزمن". ولم يصل الأمر بحكومة المملكة العربية السعودية للتدخل العسكري لانقاذ فلسطين، حتى دخل الجيش السعودي بأمر من الملك عبدالعزيز مع الجيوش العربية من الاردن وسورية ولبنان والعراق ومصر، تؤازرها طلائع قوات الجهاد المقدس بقيادة الشهيد عبدالقادر الحسيني الى فلسطين. وكانت المملكة العربية السعودية استبقت تدخلها العسكري المباشر، بإرسال معونات عسكرية الى الشعب الفلسطيني بواسطة اللجنة العسكرية في دمشق التي شكلت كمنسق لأغراض التسليح بين الدول العربية والقيادة الفلسطينية لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني في وجه التحالف الصهيوني الغربي الغاشم، فقد جاء في البرقية المؤرخة في 1368ه25/كانون الثاني/ يناير 1948 والمرسلة من حسن البرازي دكتور رئىس وزراء سوري سابق ت1369ه/1949 من الرياض: "أن الملك عبدالعزيز آل سعود وافق على تسليم ألف بندقية وخمسمئة طلقة لكل منها ارسلت للحكومة المصرية على ان تسلمها الى اللجنة العسكرية المعنية بالأمر، وان المبالغ التي جمعت من المملكة العربية السعودية بلغت خمسة ملايين ريال... إضافة الى هذا كله، تم في الوقت نفسه، تعزيز القوات النظامية بمتطوعين سعوديين للجهاد في فلسطين، فقد جاء على لسان مواطن سعودي عاصر هذه الاحداث وكان يعمل في خدمة الملك عبدالعزيز بقولة: "أمرنا الملك عبدالعزيز بالمسير للجهاد في فلسطين وكان عددنا ألف محارب بقيادة الأمير محمد بن احمد السديري". ويكشف المقبل انه على رغم كل ما قيل من تردد الملك عبدالعزيز من توظيف سلاح النفط كوسيلة للضغط على القوى الغربية بعامة والولاياتالمتحدة بخاصة، لمصلحة الحق العربي في فلسطين، فإنه بات من المؤكد من خلال ما جاء في الاوراق الخاصة لنبيه العظمة ان عبدالعزيز هدد بالغاء الاتفاقات النفطية مع أميركا ان بقت على تحيزها لليهود، فقد جاء في رسالة وجهها العظمة صيف عام 1368ه/1948 الى الملك عبدالعزيز الآتي "ان ما اذيع عن تهديد جلالتكم بالغاء الاتفاقات النفطية مع الاميركان ان يعيدوا النظر في تعضيدهم قضية اليهود، سيكون له الأثر الفاعل النافذ في كل من اميركا والعالم وبلاد العرب خصوصاً، ادامكم الله ذخراً للعرب والمسلمين. ان هذا السلاح السلبي الذي تشهرونه هو امضى من الاسلحة جميعاً وأقواها، حفظكم الله للعرب وللعروبة وللحرمين حارساً ولثالثهما نصيراً ووفقكم الله الى النصر المبين". ويخلص الى ان الملك عبدالعزيز كان يدرك المخاطر التي تهدد مستقبل امته العربية والاسلامية وذراريها من قيام دولة اسرائيل، فرأى في حرب العصابات حرب التحرير الفلسطينية سيفاً بتاراً لاجتثاثها، وحرص ان يتولى قيادتها الفلسطينيون، ومن رؤاه التاريخية مطالبته بقيام منظمة التحرير الفلسطينية قبل تأسيسها باكثر من عشر سنوات، فقد وقفت المملكة العربية السعودية الى جانب منظمة التحرير الفلسطينية منذ اعلانها 1384ه/ 1964 ومع العمل الفدائي منذ انطلاقته 1385ه/1965، وقدمت وما زالت تقدم دعماً مادياً ومعنوياً سخياً وبلا حدود حتى يحقق شعب فلسطين آماله بالتحرير والعودة. ويلخص الدكتور محمود بن ابراهيم الخطيب في بحثه حول "موقف السعودية من الهجرة اليهودية وتقسيم فلسطين" الموقف السعودي من القضية الفلسطينية بما يأتي: 1- اهتمام السعودية بالأوضاع السياسية في فلسطين على رغم مشاغلها الداخلية، ومن ذلك استنكار المملك عبدالعزيز اعتداء اليهود على المصلّين في المسجد الاقصى في تشرين الأول اكتوبر 1929، واهتمام المملكة باعمال المؤتمر السوري الفلسطيني في القاهرة في العام نفسه، وغير ذلك من سفر الأمير فيصل الى فلسطين عام 1935. 2- وعمل الملك عبدالعزيز على اقناع تشرشل بعدالة القضية الفلسطينية، كما رفض فكرة التقسيم التي عرضتها لجنة بيل عام 1937 وما رافق ذلك من تظاهرات في السعودية واستنكار علماء نجد لفكرة التقسيم ودعوتهم للجهاد. 3- قيام الملك عبدالعزيز بالعمل على امداد المجاهدين الفلسطينيين بالاسلحة من طريق المانيا، وكان الملك عبدالعزيز يتوقع من المانيا ان تقوم بخطوات للحيلولة دون قيام دولة يهودية في فلسطين. 4- مراسلات الملك عبدالعزيز مع روزفلت التي بيّن فيها جوانب كثيرة تتعلق بالقضية الفلسطينية بأدق البيانات ودحض أساليب اليهود مع بيان احقية العرب بفلسطين من جميع النواحي التاريخية والدينية، ووعده روزفلت بعدم اتخاذ اي موقف يضر بالعرب. 5- عدم قبول الملك العروض المادية التي قدمتها الصهيونية وبمؤازرة من اميركا، وقد رفض الملك عبدالعزيز التحدث مع بن غوريون وغيره من الصهيونيين في شأن المسألة الفلسطينية. 6- مراسلات الملك عبدالعزيز مع ترومان بسبب تأييد الأخير للصهيونية ونكوصه الوعود التي قطعها سلفه روزفلت للملك عبدالعزيز، وقد تابع الملك عبدالعزيز القضية مع ترومان وغيره للحفاظ على العربي في فلسطين. 7- جهود السعودية متمثلة بالأمير فيصل بن عبدالعزيز في الأممالمتحدة وما ألقاه من خطب في سبيل دعم الحق العربي، وما قام به في هيئة الأممالمتحدة أثناء عرض قضية فلسطين عام 1947 بجهود مضنية، حيث انتقد بريطانيا وأميركا والضالعين مع الصهيونية من روس وغيرهم. 8- رفض السعودية قرار التقسيم من خلال تصويتها في هيئة الأمم عام 1947، ومن خلال بيانها عام 1948. 9- تأييد القرارات العربية في شأن الدفاع عن فلسطين والاشتراك بوحدات مدربة في الحرب عام 1948 لافشال قرار التقسيم الجائر. وتناول الدكتور عبدالفتاح أبو علية مرحلة لاحقة في بحثه "الدين والسياسة في موقف الملك فيصل تجاه قضية فلسطين" فقال ان النظرة تركزت على الجانب الديني الشامل، وظهر ذلك واضحاً وجلياً في منهجه في التعامل مع القضية الفلسطينية مبادرة وحلاً، ويقول الملك فيصل "ايها الاخوة المسلمين نريدها غضبة وهبّة اسلامية في سبيل ديننا وعقيدتنا دفاعاً عن مقدساتنا وحرماتنا، انقذوا حرم الله من الطغمة الفاجرة التي استباحت ثالث الحرمين الشريفين واولى القبلتين". وطرح الملك فيصل مبادرة الحل الاسلامي للقضية الفلسطينية، مرتكزاً بذلك على دور الامة الاسلامية، بما لها من دور بارز في الوسط العالمي والدولي على حد سواء. ورأى ان بامكان العالم الاسلامي أمة ودولاً ومقدرات ان يبني مستقبلاً مشرقاً قائماً على اساس الدين يستطيع من خلاله حل مشكلاته، خصوصاً مشكلة فلسطين وقضيتها ذات الصفة الدولية بعد ان يئس المسلمون من الموقف الدولي المنحاز في شكل علني وسافر الى جانب اليهود. وعن "الرؤية السعودية لحقوق الانسان في فلسطين" تحدث الدكتور عدنان بن محمد بن عبدالعزيز الوزان وكيل وزارة الشؤون الاسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد للشؤون الاسلامية، فقال ان الملك عبدالعزيز ادرك أن حقوق الفلسطينيين الاقتصادية ستضيع بكثرة الهجرة اليهودية الى فلسطين، وطالب بوقفها وتسوية الموقف بما لا يضر بمصالح العرب وشؤونهم الاقتصادية في فلسطين، ففي إحدى رسائله للرئيس روزفلت عن فلسطين: "فهي عربية عرقاً ولساناً وموقعاً وثقافة وليس في ذلك أي شبهة أو غموض، وتاريخ العرب في تلك البلاد مملوء باحكام العدل والاعمال النافعة". وبدوره أكد الملك الراحل فيصل الحقوق الاقتصادية للفلسطينيين خلال حديثه امام الجمعية العمومية للامم المتحدة فقال: "عندما يأتي الكلام عن السلام والاستقرار في الشرق الاوسط فإن من واجبنا نحن الشعوب العربية ان نشعر الأممالمتحدة بأن الشيء الوحيد الذي يهدد السلام في تلك المنطقة من دون شك هو مشكلة فلسطين، ومنذ اللحظة التي اتخذت فيها الأممالمتحدة قرار تقسيم فلسطين وخلق إسرائيل فإن السلام قد تعرض للخطر مراراً، إن ظهور إسرائيل يشكل طغياناً واضحاً لم يعرف له التاريخ مثيلاً من قبل، إن فلسطين ارض عربية وأهلها الشرعيون هم عرب فلسطين". ويشير الوزان الى ان السعودية لم تبخل بامكاناتها المالية، فقد سخّرت جزءاً كبيراً لخدمة القضية الفلسطينية، فدعمت دول المواجهة وقدمت لها المساعدات الاقتصادية منذ 1967 وحتى بعد حرب 1973 والى الوقت الحاضر. وذكر اللجان الحكومية والشعبية لدعم الفلسطينيين، من اجل تعزيز القوى العسكرية الفلسطينية، ودعم مشتريات الاسلحة لدول المواجهة، فمثلاً رصد في حزيران يونيو 1967 مبلغ 15 مليون جنيه استرليني لشراء اسلحة للاردن، إضافة الى العون المالي الذي خصص لمصر، بعد حرب 1967، وكذلك قرار السعودية في مؤتمر القمة العربي بالخرطوم بدفع خمسين مليون جنيه استرليني كل عام لدعم الصمود العربي الى حين إزالة آثار العدوان. وكانت السعودية اسهمت بنصيب الأسد في تنفيذ قرار مؤتمر القمة العربي الثالث في ايلول سبتمبر 1965 القاضي بتوفير الاسلحة، واستكمال الاستعدادات الحربية لدول المواجهة، الموصى بها من قبل القيادة العربية الموحدة، وناصرت السعودية فكرة إقامة قيادة عسكرية موحدة مع رصد مبلغ مئة وخمسين مليون جنيه استرليني للدعم. وقدم الدكتور جميل محمود مرداد الاستاذ المشارك العلوم السياسية في معهد الدراسات الديبلوماسية بحثاً عنوانه "منطلقات السعودية للاهتمام بقضية فلسطين"، قال فيه ان الملك عبدالعزيز ركز وأبناءه على ضرورة تحقيق الترابط بين الامتين العربية والاسلامية بكل السبل والوسائل. وانطلاقاً من هاتين الركيزتين، تبنى وأبناءه الدفاع باستماتة عن قضية فلسطين، قضية الأمتين العربية والاسلامية، في المحافل والمنتديات والمؤسسات والمنظمات الدولية في كل مناسبة، فكان الملك عبدالعزيز يشير: "كنت ولا زلت اضع قضية فلسطين في قلبي. ولست اخدم هذه القضية حباً بفلسطين فحسب، بل بدافع الايمان بالدين الحنيف فضلاً عن انها قضية العرب كلهم". وتفاعلت المسؤولية العقائدية الروحية تجاه الأمة الاسلامية مع المسؤولية الجغرافية التاريخية تجاه الامة العربية، لتضع المملكة في موقع ريادي لقيادة العالمين العربي والاسلامي نحو التضامن، ونقطة الارتكاز في قضايا الامتين العربية والاسلامية المصيرية. وأبرز المواقف المبكرة للملك عبدالعزيز لدعم فلسطين تمثل في رفضه الاعتراف بالمكانة الخاصة للإنكليز في فلسطين. وعندما جال أمين الريحاني في الجزيرة العربية عامي 19231924، وزار الشريف حسين بن علي في مكة، والإمام يحيى حميد الدين في اليمن، والملك عبدالعزيز في الرياض، وغيرهم من الامراء والشيوخ في الجزيرة العربية، عرج على القدس والتقى قادة الحركة الوطنية الفلسطينية وقال لهم: "إني اعتقد ان الحاكم العربي الوحيد في الجزيرة، الذي اشجعكم على الالتجاء اليه، والاعتماد عليه، هو ذلك الشاب الشيخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن، أمير نجد وسيدها، وليس من شك في انه يستجيب الى طلبكم، إن لم يكن عاجلاً فآجلاً... ولقد شعرت وأنا احدثه واستمع الى كلامه، بانه شديد الاهتمام بقضية فلسطين، وان المؤامرة المبيتة ضد البلاد المقدسة تقض مضجعه، وتثير قلقه...". وعاهد، الملك سعود ان يبذل جهده لتحقيق ثلاثة اهداف: "عزة الاسلام، وجمع شمل المسلمين، واسترداد المغصوب من الارض المقدسة في فلسطين". وواصل الملك فيصل مسيرة الدعم السعودي لقضية فلسطين بجهوده المتمثلة في التضامن الاسلامي وغيرها من المواقف المشرفة. اما الملك خالد فأشار الى أن "تحرير فلسطين وفي مقدمتها القدس الشريف هي قضية الاسلام والمسلمين الاولى وإننا نعتقد ان مواجهة المخططات الصهيونية في فلسطين هي مسؤولية جميع الدول والشعوب الاسلامية". وامتد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بالدعم السعودي للقضية الفلسطينية الى المبادرات الحكيمة والمواقف المصيرية. وأكد الأمير عبدالله، ولي العهد، في كلمته الى الشعب في عيد الفطر 1402ه المبدأ هذا قائلاً: "... إن فلسطين بقدسها الشريف نقطة المنطلق واللقاء بين العرب والمسلمين وبين كل مؤمن بالله عز وجل. وإن المنطقة لن تعرف قراراً ولا استقراراً ما لم يعترف العدو قبل الصديق بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني". ويخلص الدكتور محمد احمد عقلة المومني في بحثه عن "الابعاد الجيوستراتيجية في فكر الملك عبدالعزيز تجاه القضية الفلسطينية" الى النتائج الآتية: 1- ان الملك عبدالعزيز هو المسؤول العربي الذي طرح قضية الفلسطينيين في فترة الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي على بريطانياوالولاياتالمتحدة الاميركية بوضوح تام. 2- فند الملك عبدالعزيز دعاوى اليهود التاريخية في فلسطين واستناداً الى التاريخ، لا حق لليهود في فلسطين، اذ كانوا استوطنوا فلسطين مدة معينة، بينما العرب استوطنوها آلاف السنين، ولم تخل فلسطين من العرب في يوم من الأيام. 3- لا تعتبر هجرة اليهود الى فلسطين وزيادة عددهم حقاً طبيعياً يبرر مطالبتهم بها ككيان عنصري يتيح لهم طرد سكانها الاصليين، ولو اخذ بهذا المبدأ في الوقت الحاضر لحق لكل شعب ان يطالب بالأرض التي سبق له ان حكمها واستولى عليها في فترة سابقة. 4- اعتبر الملك عبدالعزيز ان الاحداث في فلسطين يتداعى لها العرب لأنهم مدركون ان اطماع اليهود تشمل فلسطين اولاً ثم تمتد للاستيلاء على اراضي دول الجوار الجغرافي. 5- رأى الملك عبدالعزيز ان تكوين دولة يهودية في فلسطين بدعم من بريطانياوالولاياتالمتحدة الاميركية مدعاة لزعزعة العلاقات بين العرب وبريطانياوالولاياتالمتحدة. 6- مداولات الملك عبدالعزيز مع بريطانياوالولاياتالمتحدة في شأن فلسطين كانت تؤكد على ضرورة مراعاة قدسيتها لدى المسلمين، وان اعتداءات اليهود على الأماكن المقدسة في فلسطين يعني حدوث مذابح بين العرب واليهود وبالتالي يكون من واجب كل مسلم الدفاع عن فلسطين كجزء لا يتجزأ من ديار الاسلام. وفي بحث عن "الملك عبدالعزيز والثوابت القيادية في نصرة القضية الفلسطينية" يقول الدكتور عايض بن خزام الروقي ان شخصية الملك عبدالعزيز جبلت على الثبات ووضح الرؤية منذ تأسيس كيان دولته، فعرف الاعيب السياسة الغربية وتصدى لها بحنكة سياسية ادهى وأشد، فكان اول الرافضين لوعد بلفور المشؤوم الذي اصدره وزير خارجية بريطانيا في الثاني من تشرين الثاني نوفمبر 1917 السابع عشر من محرم 1336، وعند اعتداء جماعة من اليهود على المسجد الاقصى والمصلين فيه في ربيع الأول 1348ه/ 1929، سارع الملك عبدالعزيز باستنكار ذلك، وكتب الى ملك بريطانيا جورج الخامس يطلب فيه التزام بريطانيا بمواثيقها مع العرب وحماية المقدسات والشعائر الدينية، لكي لا تتكرر مثل هذه الحوادث، وقد ادركت السياسة البريطانية اهمية هذا الموقف في العالم الاسلامي لا سيما انه جاء على يد الملك عبدالعزيز، فسارع ملك بريطانيا الى الاعتذار وأكد اهتمام حكومته وحرصها على عدم تكراره. يستشهد الدكتور عايض بما قاله سانت جون فيلبي عن المواقف الثابتة للملك عبدالعزيز "ومن دون ان يخسر مثقال ذرة من صداقته الطويلة مع بريطانيا، فإن ابن سعود يقود سفينته بمهارة بين صخور محيط الديبلوماسية، ان هدفه الوحيد هو حماية مصالح الاسلام والعرب". ويشير الى ان مواقف الملك عبدالعزيز تجاه القضية الفلسطينية كانت مستمرة بالقوة والثبات نفسيهما وعلى كل المستويات وبمختلف الطرق، فالجانب السياسي اخذ حقه كاملاً، وكان ينافح عن تلك القضية مع زعماء الولاياتالمتحدة، في خطاباته الرسمية ومقابلاته الشخصية، وكان يقول الحقيقة من دون مواربة او تورية، حتى ان الرئيس الاميركي فرانكلين روزفلت اعجب بهذا المنهج القيادي عند لقائه الملك عبدالعزيز وقال كلمته المعروفة "فهمت من ابن سعود عن القضية الفلسطينية في ثلاث ساعات ما لم افهمه من العرب طوال ثلاثين سنة".