جُبلت النفس البشرية الكريمة على محبة من يصنع لها المعروف ويذلل لها الصعاب، وييسر لها الوعر الشاق بلا حدود ولا منٍّ حتى تسير في مناكب الأرض، وتعيش لا ترى ما يكدرها او يعيق مسيرتها ومبتغاها في الحياة. وواجبنا تجاه هذه الصفوة المتصفة بسجايا الكرم والعطاء ان ندعو الله لها بالمثوبة ونخلص لها بالدعاء عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم "من صنع إليكم معروفاً فكافؤوه فإن لم تجدوا ما تكافؤونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه". وفي كل عصر فئام من الناس عرفوا بالجود وأريحية اليد وكرم نفس لا يعرف له نظير. وسيرهم تعطر المجالس شذا ومآثرهم تسجل بمداد الولاء لتبقى محفورة في ذاكرة التاريخ عنوان خير ونقاء، يقول الشاعر العربي: فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني وكل حقبة زمنية تقدم رجالها لتباهي الحقب الأخرى بعطائهم الخالد وسخائهم النادر. ومن رحمة الدنيا على الحر أن يرى عصره الراهن يتباهى بسلطان الخير، فالحديث عن سمو سيدي الأمير سلطان بن عبد العزيز ذو شجون مفرط ويتشعب الى مواضيع شتى ولا غرو في شخصية تحمل بين جنبيها أسمى المعاني الانسانية، وأرقى المبادئ الإسلامية في شخصية تبذل ما في وسعها لترسم ابتسامة الأمل على شفاه الآخرين، في شخصية تمد يديها البيضاء لمساعدة ذوي الفاقة، والمعوزين، في شخصية لا تألو جهدا في دعم العلم، والعلماء، والمشاريع الحضارية والخدمات الإنسانية. ومن محاسن الأمور أنني في حياتي لم أكن بهذا العمق في فهم هذا الرجل إلا بعد أن التقيت بمحض الصدفة بالدكتور محمد الطريقي، نظرا لاهتمامي العام بتتبع دورياتنا العلمية وروافد الفكر العربي والسعودي، حيث رأس الدكتور تحرير مجلة العَالِم وتوأمتها مجلة عالم الإعاقة. وما أحسنه لقاء!! انه لقاء المحبة والعطاء والفكر، كان لقائي بالدكتور الطريقي الذي عرفت منه كل هذه المعاني ولمستها فيه، حتى اني رأيتها في وجهه تنطق بكل مفردة من مفردات سلطان بن عبد العزيز، وبكل خلجة من خلجات نفسه، تجدها تسير في عروقه، وكأنه ابن بار من لحمه ودمه، لم يقل: أحب سلطان، بل تقرأ ذلك بين سطور أدبياته ومجلاته وثنايا مقدماته وافتتاحياته، وسياسة تحريره. انهمكت في قراءة جميع الأعداد والمطبوعات والدوريات التي تصدر بدعم سلطان فحسبت أن تلك هي نهاية العطاء، فإذا بي تقع عيني على كتاب له لم يحدثني عنه وهو "عندما يصبح الكلام واجباً" فقرأته ووعيته وربطت أفكاره بما أعرفه عن سمو سيدي وعما يسري في جنبات مؤلفة، فوجدتني أعرضه في إحدى صحفنا الوطنية مفاجئا به مؤلفه والعاملين معه. وعندما قدمت تهنئتي للدكتور الطريقي لتكريمه من مؤسسة الملك عبد العزيز لرعاية الموهوبين على ابتكاراته الحاصلة على براءات اختراع امريكية واوروبية أجابني قائلا: ما نلته من تكريم هو في الحقيقة لسمو سيدي الأمير سلطان بن عبد العزيز لكونه المبدع الحقيقي في رعاية الوطن والمواطنين. كنت أحسب ان هذه هي نهاية معرفتي، فإذا بي كل يوم أعرف ان سمو سيدي كان وراء مشاريع حضارية وإنسانية عملاقة للمجلات والمطبوعات والمعوقين والمسنين والأبحاث والدراسات والرعاية الاجتماعية التي تبرزها المجلتان والمركز المشترك لبحوث الأطراف الاصطناعية ودار الاستشارات الطبية والتأهيلية. علمت ايضا ان صورة المملكة الطبية في نظر العالم والمجتمع الدولي ما كان لها ان تتم إلا بفضل الله ثم جهود مولاي خادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة وسمو سيدي ولي العهد الأمين، ثم جهود هذا الرجل المعطاء، من خلال رعايته ايضا لتلك المؤتمرات الدولية للإعاقة والتأهيل في الرياض وإندونيسيا ونيوزيلندا وآخرها الخرطوم، وما كنت أحسب ان لسمو سيدي تلك الشعبية الكبيرة خارج بلده ووطنه، حتى رأيت بأم عيني عبر وسيلة التسجيل المرئي لفعاليات هذا المؤتمر كيف ترتفع الهامات والأيدي والهتافات مرددة اسم سيدي في قاعة جامعة الجزيرة بود مدني وولاية الخرطوم فرادى وجماعات، وكيف ترجمت هذه الندوات الى تطبيقات فعلية، فتقرر جامعة الجزيرة منح سمو سيدي الدكتوراه الفخرية وتقرر الادارة السياسية بالسودان اطلاق اسم سمو سيدي على المركز القومي لأبحاث الإعاقة والتأهيل في السودان، ومنح فئة المعوقين تسهيلات عامة في الأمور الحياتية اقتداء بالتجربة السعودية في هذا المجال. ان سلطان الخير عندما تخطر صورته في الذهن يصاحبها العطاء والبذل الذي لا يعرف الكلل اليه سبيلاً، وهذه نظرة شمولية لدى الورى قد تبلورت وتسامقت في مقولته الشهيرة التي قالها عندما سئل عن رأس مال مؤسسته الخيرية فقال: "إن كل ما أملكه في المملكة من مبان وأراض وكل شيء عدا سكني الخاص ملك لمؤسسة سلطان بن عبد العزيز الخيرية". مواقف الأمير سلطان الخيرية ومشروعاته الإنسانية إزاء المعاقين، يصفها الدكتور الطريقي ايضا، كما يصف جهوده وحرصه المنقطع النظير الى كل بادرة يرى فيها نفعاً محققاً وفائدة مرجوة لأنه يسعى ان تكون قريبة من متناول الآخرين فيقول في ذلك "ان الدعم اللامحدود الذي لقيته فكرة مجلس العالم الاسلامي للإعاقة والتأهيل من الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود علمني أن سموه ينظر للنشاطات الإنسانية من منظور عالمي لا تحده الحدود ولا تقف أمامه الحواجز، وهو بذلك ينظر الى المعوق البوسني مثلاً تماماً كما ينظر الى المعوق السعودي. كلاهما إنسان محتاج . ونظرته هي الدعم المطلق والرعاية الشاملة. أعلم أنني لن آتي بجديد وأنا أُعدد مآثر سمو سيدي الأمير سلطان بن عبد العزيز. فمآثره قد طبقت الآفاق وغمرت القاصي والداني.. فهذه السيرة الغراء في الحكم. وهذه "مؤسسة سلطان بن عبد العزيز الخيرية" ومشروعاتها العملاقة شاهدة على مفهومه الحضاري في الخدمات الانسانية. وهذه أياديه البيضاء في "المركز المشترك" ومشاريعه وبرامجه الخدمية والبحثية الوطنية والتعليمية وفي صدور "المجلة السعودية للإعاقة والتأهيل" باللغة الانجليزية و"عالم الإعاقة" باللغة العربية وفي صدور "النظام الوطني للمعوقين" . وهذه أفكاره في المفهوم الشامل للرعاية الاجتماعية في البلاد. وهذه "الموسوعة العربية العالمية" وهذه مجلة "العَالِم" وهذه الجموع الضارعة الى الله أن يديم عليه الصحة والعافية دليل على محبة الله له. وهذه عشرات القضايا الأخرى التي تفخر بانتمائها اليه وارتباطها باسمه.. أوليس هو الأمير الإنسان قبل كل شيء؟!! إن الجهود المبذولة التي يوليها سلطان الخير كافة العناية والاهتمام تعجز المشاعر عن وصفها ويكبو القلم عن حصرها وينعقد اللسان عن ذكرها، فالأمير سلطان وضع نصب عينيه رعاية الوطن والمواطن فحنا عليهما بعطف أبوي كريم وسعى لتطويرهما بكل ما أوتي من أسباب يرى فيها فائدة ومنفعة للوطن والمواطن. التفت الى الوطن المترامي الأطراف الشاسع الأقاليم والأمصار فرأى ان يطور آلته العسكرية الدفاعية ليلقي الرعب في قلب كل من تسول له نفسه العبث في أمن البلاد، وذلك انطلاقا من قوله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم"، فشرع الأمير سلطان بن عبد العزيز في وضع استراتيجية دفاعية توصل من خلالها الى تطوير القوات المسلحة والأجهزة المدنية التابعة لوزارة الدفاع والطيران على أسس نظامية واضحة، لتقوم هذه القطاعات العسكرية بالدور المطلوب منها في الدفاع عن الأراضي المقدسة. ثم بعد ذلك ألقى نظرة انسانية نابعة من ضمير حي يدرك مكانة الإنسان وكرامته ودوره في عمارة الأرض، ولم تكن تلك النظرة قاصرة على حدود الوطن الجغرافية فحسب، بل اجتازته لتبلغ في الدنيا ما بلغه الليل والنهار وليصل نواله وعطاؤه مشارق الأرض ومغاربها، فسعى حثيثا الى انشاء مؤسسة خيرية تحمل رسالة سامية، تقوم على سد حاجات المعوزين وإغاثة الملهوفين، وتهدف الى تقديم الرعاية الاجتماعية والتأهيل الشامل والى اجراء الأبحاث في مجال الخدمات الإنسانية ثم لمساته المباركة على التعلم، حيث أمر بانشاء مركز الأمير سلطان للعلوم والتقنية وبرنامج سلطان بن عبد العزيز لللاتصالات الطبية والبرامج الأكاديمية ثم الموسوعة العربية العالمية. ثم توالت المكرمات وانهمرت الهبات لنسمع في الآونة الأخيرة ما قام به سموه من انشاء كليات سلطان في الرياض والطائف تلبي رغبة الشباب السعودي المتطلع للأخذ بعلوم العصر العلمية والطبية وكلية الأمير سلطان للسياحة والفندقة لتكون زمردة براقة تضم الى عقد أعمال الأمير سلطان الحضارية التي تستهدف بناء الإنسان. نعم هذا هو سلطان في ضميري وعقلي الذي يخزّن في مكنونه الآخر ما لا يخزنه قرص إلكتروني تتباهى به الأوساط العلمية، وليس بغريب ان يجمع الله الفضائل في واحد، نبع خيره ونمير مناهله يرده القاصي والداني.