«قالت فجرها» قصص تنتمي مكانياً لفضاء«العسلة»

القاص والروائي احمد الدويحي للمساءلات: اللغة والحدث هما احتشاد اللحظة الفنية في المجموعة في سردي للقصص أقيم علاقة واعية مع الشخوص لأتحدث بأسمائهم

تفتح الجزيرة الثقافية نافذة التواصل مع القارئ الكريم من خلال «مساءلات» ونستضيف هذا الاسبوع الروائي والقاص احمد الدويحي الذي تداخلنا معه من خلال هذه الاسئلة حول مجموعته القصصية الجديدة «قالت فجرها» لتأتي الاجابات منه كعادتها فنية ابداعية عميقة تقدم رؤيتين الاولى عامة تحتوي القصة بشكل عام وتبين اهم تفاصيل هذا الفن السردي المتميز في لغته واحداثه والرؤية الاخرى يقدمها الروائي والقاص الدويحي حول تجربته الشخصية في عمله القصصي الجديد «قالت فجرها».
وتمضي قصص المجموعة في سبر حساسية الخطاب السردي الذي يلتزم به القاص الدويحي ليصنع لنا من الاجابات رؤية متكاملة نخلص فيها الى ان فن القصة كما يقول معاند، مشاكس يميل الى اللغة التأويلية الضرورية.
حول هذا الهم المعرفي جاءت «المساءلات» فكانت الاجابة على هذا النحو:
* (قالت فجرها) قصص تهادن اللغة وتسترخي في احضان الحكاية لماذا ..؟
اذا صح لي ان ارى سؤالا استهلاليا عن المجموعة بهذه الرؤية، ازعم انه لن يرضي طموحي لدى المتلقي.. لماذا.. لانه حدد شيئاً مشتركاً بيننا الآن، قصص وحكاية لغة مهادنة، وهو وجه آخر من السؤال، والحقيقة أن ليس بيني وبين اللغة قضية، اللغة بيني وبين الآخر، ولي هم آخر.. هذه لغتي فلا بأس أنا أكتب قصصاً بلغة أقرب الى ا لحكي الشفوي، اكثر منها كتابة الى اللغة الفصحى، لغة موصلة وموحية بما اريد قوله، وقد سئلت حول هذه الاشكالية مرات كثيرة، وردي أني لا اتماهى مع اللغة، وقصتي ليست قصة لغة، اللغة في القصة عندي هي ما يفي بالغرض، وليست اللغة هي القصة، لغة قصتي هي لغة شخوصها اليومية المتداولة، وربما كانت مفردة شعبية، حول هذه الاشكالية في لغة النص المحلي، لدي مزيد من الكلام حول ما يطرح من أفكار عن اللغة في القصة المحلية..
* أحمد الدويحي يبدو ان ايقاع القصص في هذه المجموعة حافل بالصخب الاجتماعي، هل هي رغبة لدى الراوي في شرح موقفه..؟
اذا كنت تقصد قصصاً لها ملامح مجتمع بذاته، فهذا صحيح الى حد ما، بعض القصص توحي بطابع اجتماعي محدد، لكني لا اقر السؤال ان كل القصص لها ذات الفضاء، فهنا تداخل اذا احسنت النية ولم اقل (كل البيض في سلة واحدة)، الحقيقة أني أعي ما أكتب وما أعرف وما جربت، وفضاء القصص التي في المجموعة وتمتح من عالم الطفولة والشباب، وتنتمي مكانيا الى فضاء قريتي (العسلة)، في الجنوب الغربي من الجزيرة العربية يا عبدالحفيظ..
والصخب (حلوه) هذه من مفرداتك، لابد أن يكون متكئا على الروح، لتنسج حكايتها من الأساطير وحياة الناس وتعبهم وهمومهم واحلامهم في مفردات هي التي نسميها اللغة، في هذه الحياة اشياء مغيبة ومسكوت عنها لسبب او اخر، انما لدي احساس انك تحاكم المجموعة من خارجها، وانا يا صديقي دعني اقول لم يكن لدي (رغبة) في الشرح ، انا أكتب حنيما اصاب ولا مناص من الكتابة، وبالذات فن القصة، اللحظة عندي فيها تكثيف وليس اللغة، أكتب للخروج من حالة تلبسني تسمها أنت (الصخب)، اما عندي فهي حالة اخرى دعها تسمي ذاتها.
* (قالت فجرها) تنبش قبر الذكريات ألا تؤلمك هذه الحكاية..؟
الذكريات جزء من رهان النص، وليس قناة للثرثرة اللغوية، تقنين النص له ضوابط كثيرة اختلف حولها مع كثيرين يهتمون بفن القصة القصيرة، ومع من يتماهون مع اللغة (محمود تراوري ويوسف المحيميد وانت منهم)، لكم نصوص جميلة، انما أتماهى مع ذاكرة في لحظة محددة.. لست نباش قبور ولا هم يحزنون، ولست قابلة أو (داية) مهمتها اخراج الأجنة من بطون امهاتهم، أنا كاتب أحمل هم شخوص نصوصي الذين تركتهم في هذه المجموعة (يقولون..) شيئا من تعب حزنهم.
* لغة المجموعة تعقد علاقة حميمة مع الاحداث لتشكل هذه الضفيرة ألفة مصطنعة، لماذا تتهيج اللغة لديك لتأخذ شكل الكاشف والمشاكس..؟
اظن اننا نقترب الآن من النص، واشكرك اذا كنت قرأت المجموعة بشكل جعلنا نختلف في الرؤية لان لكل منا خصوصيته، وظلت بيننا هذه النظرة المشتركة تجاه الفن القصصي بغض النظر عن رؤية كل منها..
وهنا أود أن اشير الى تنامي اللغة في الحدث، والاحتشاد في اللحظة المتنامية، هذا اللون من الكتابة يحمل دلالته الفنية، ولابد أن يفضي إلى شيء في النهاية، وبيده مشعل الحكاية وحينما ينتهي قبل نقطة التنوير، أو ينطفئ قبل نقطة التلاشي، تصبح اللغة مجرد ثرثرة فارغة، وهذا ما لا أود أن يوصف به نصي، الشيء المهم أن يقول هذا النص شيئا، وحينما يكون بين الكاتب وبطل النص قدرا من الحميمية، فلابد أن يكون هناك تحريض ليس مباشرا للخروج من الحالة.
* قصص المجموعة تتمتع بسوداوية الفضاء العام لماذا..؟
ليس الى هذا الحد.. أنت تذكرني برأي طرح حول مجموعتي الأولى (البديل)، هذا الرأي جاء في تقرير (سري)، كتبه احدهم ليبرر في ناد ادبي عدم نشر المجموعة ، بحجة انها تنتمي الى الرمزية والسريالية التي يرى أنهما نشأتا بعد الحربين العالميتين اللتين مزقتا الضمير الاوروبي، وما يقرب من خمسين مليونا يموتون دون هدف، تحقيقا لنزوات عابرة، فاحس بالضياع والقلق والتمرد .. يكفي..؟
* وما الذي كنت تود قوله من خلال القصص..؟
الذي كنت أود قوله قلته.. لكني أود أن اضيف على السؤال الأول، أني كتبت بعد حرب الخليج بعض نصوص هذه المجموعة (قالت فجرها) وليست كلها، وكما تراني رجلا بالغا عاقلا تشجيني الشفافية، ليس بي ضياع ولا أعاني من القلق والتشرد..
* قصص المجموعة لا تنتمي الى شكل الحداثة السردية، بمعنى أنها لم تبعث على مزيد من التأويل، ما أسباب ذلك..؟
الحداثة السردية وهنا بيت القصيد يا عبدالحفيظ (!)، مصيبتنا أننا نتفنن في مصادرة بعضنا البعض، ولو سألتك ما هي الحداثة السردية لعجزت أن تقنعني، على كل حال أحسب أن فن القصة فن عنيد ومراوغ وصعب الامساك بتلابيبه من تراكم وتأويل، وهو يقترب من جنس الشعر في لحظة الاحتشاد والتكثيف، اذا اسعفت اللغة هنا فانما هي حلية وشكل جمالي، تضاف الى قيمة روح السارد. القصة فن مركب من ضمائر وازمنة مختلفة، وحكايات للمتعة والفائدة وما فائدة قصة بدون تأويل (؟)، احسب انك تضعني مدافعا عن نصوصي، لكونها لا تنتمي الى شكل الحداثة السردية التي نختلف في فهمها بشكل قطعي (وبعدين) شيء مهم هنا يوجد في الساحة الادبية كتاب قصة تقليدية، هم انضج واهم ممن يدعون انهم يمسكون بناصية التجديد والحداثة في فن القصة، ليس المهم المدرسة الفنية التي ينتمي اليها كل كاتب، المهم أن نكتب ادبا له رسالة قصة او شعر او نقدا، وليس مجرد كتابة مجانية وثرثرة فارغة.
* القصص تحبل بالشخوص العديدة، ولا تكتفي بالوجوه المنهكة.. لماذا هذا التزاحم..؟
وهذا سؤال مشاكس.. نعم فضاء المجموعة مليء بالشخوص، بعضهم ليس له دور، ويرد اسمه ضمن الحكاية عرضا، واعترف أني أحب شخوصي واحتفي متشبثا بهذا العالم الذي أخاف أن يذبل وينتهي، وهذه الشخصية الطارئة والعارضة في النص لم أرد أن اهمشها أو أهمش دورها، إنما هي شخصية مشاكسة تتمسك بحضورها في الحلم والحياة، ولا استطع الغاءها لمجرد ان ليس لها دور، فربما كانت المحرض الحقيقي للحكاية، وابطال نصي حميمون معي، انا اخلع عليهم احيانا صفة الاصدقاء في اسماء (رمزية)، وبعضهم قد يغضب .
وقد كادت ان تصل الى المحاكم لولا أن (الله ستر) في الآخر، أنا أكتفي برصد مثل هذه الشخصية في مخاضها وتشكل احلامها، ونقلها الى الورق. وانا كاتب لا استعجل نشر نصي، وقد ظلت لدي نصوص بعد نشر نصوص مجموعتي الاولى، وقبل نشر نصوص هذه المجموعة عن نادي القصة مشكورا ستة عشر عاما، انا بصدد القول انه لابد من النضج وفي هذه المجموعة بالذات، معك حق ان النص يحفل بالوجوه العديدة، كانت متعبة كما تذكر في سؤالك، ومنها (الفرائحية) لان في قصص المجموعة صدفة ثلاث قصص في فضاء (أعراس)، والعرس مكان فرح كما اعرف، ولن يكون فيه مجال لسوداوية او حزن، وازعم ان كثافة الشخوص تحمل دلالتها، ودعني انزع الخبث من قلب السؤال، لنضيف دون الاخلال به، لان السؤال عن الشخوص سؤال عن الضمائر، بينما الثرثرة اللغوية في النص هي ترهل، يمكن بتره وحذفه دون ضرر، والمسألة ليست مجرد قناعات.
* في المجموعة استرشاد بالشعر.. هل هو تقوية لادواتك السردية في العمل أو ماذا..؟
ابطال نصوص قصصي شعراء.. الم اقل لك انهم اصدقائي، مثقفون واصدقاء طفولة، لهم ذات الحساسية، ومع هذا اجزم ان لا احد يستطع ان يشير الى شخصية بذاتها، لانهم كلهم من ذات الفضاء، بما فيهم شخوص النساء التي تحمل واحدة منهن اسم المجموعة، اليوم كل الناس صاروا شعراء من بعد حرب الخليج، والصحف تفتح للشعر الشعبي صفحات وملاحق كاملة، وتستكثر ولا تريد بطل نصي، في ذورة الحلم واللحظة ان يترنم ويقول شعرا..
المسألة ليست هنا، الموهبة تنضج بعد سلسلة طويلة من التجارب، وسأظل مع التجريب بعد كل هذه السنوات، ومقتنعا بحرية التجريب لكل مبدع، وقبل أن أسرد لك حكاية في هذا الخصوص، دعني أذكرك أن نص (يد الثأر) هو النص الوحيد من نصوص المجموعة الذي يحمل شعرا، ولو أردت ان اظفره في السياق بدعوى التوظيف، لكني ميزته وهو بالصدفة شعر امرأة، ثم اتفلسف باسم الحداثة السردية واقول لغة شعرية، وهذا ليس الهدف بالنسبة لي، انا اكتب قصة ولا اكتب شعرا والدليل انك تسألني عن الحكاية.
وهذا النص بالذات احبه كثيرا، اما الحكاية فهي هنا ايضا (رمزية)، وقد وقعت بعد نهاية امسية قصصية، اذ طلب مني احد حضورها أن أقرأ له شعرا شعبيا، وكنت أقف بجانب استاذ وناقد معروف.
وانت تعرف أني لا أكتب شعرا شعبيا، حبكت معي، التفت للصديق الناقد وقلت له مازحا، شوف الناس اللي نكتب لهم..؟
أقول لك يا عبدالحفيظ أن اسئلتك ليست بريئة ولنختلف كما تشاء، المهم أن تظل القصة فنا تأويليا له قيمته، فن لا يصيبه ما أصاب جنس الشعر، ومن عمل صالحا فلنفسه.
*******
الكاتب
أحمد الدويحي
روائي وقاص وكاتب
مارس العمل الصحفي متفرغا ومتعاونا في بعض الصحف
من اعماله المطبوعة: البديل (مجموعة قصصية) 1986م وريحانه (رواية) 1990مواواني الورد (رواية) 2000م
له اعمال مخطوطة وصدرت روايته الجديدة اواني وقت اعداد هذا الحوار
الكتاب :
* قالت فجرها (قصص قصيرة)
* نادي القصة السعودي جمعية الثقافة والفنون الطبعة الاولى عام 1421ه2000م
تقع المجموعة في نحو (70 صفحة) من القطع المتوسط
صمم غلاف المجموعة الفنان فيصل المشاري
يعد هذا العمل الثالث من بين اعمال القاص الدويحي