هاتفتني صديقة قديمة تدرس في الولاياتالمتحدة كي تؤكد لي أنها عادت للالتقاء بي عن طريق موقع الجزيرة في «الإنترنت»، بينما لم تكن تتمكن من الحصول على الصحف السعودية بيسر وبشكل منتظم قبل أن تهيأ هذه الخدمة.. والذي أود الوصول إليه من هذا أنها أخبرتني بأنها استفادت من العنوان المشفع «طرف» مقالة كل اثنين، وتفضلت بتزويدي بكتابٍ مهمٍّ عنوانه بالانجليزية «المرأة في نظر الرجل».. وهي كما قالت تحرص جداً على معرفة رأيي في مضمون هذا الكتاب...، وكنت قد ناقشتها حول ما إذا كان هذا الرأي «الذكوري» في المرأة هو من وجهة نظر الرجل «الأمريكي»، وبكل تأكيد فإن تجربة الرجل هناك سوف تخضع «لتراكمية» «مجتمعية» تعتمد «قيم» المجتمع الأمريكي ما تراكم منها، وما طرأ، وما ساد منها، وما باد... وهي بكل تأكيد تختلف تماماً عمَّا يمكن أن «نتوقعه» من منظور «تراكمية» قيم مجتمعنا العربي، المسلم، في منظور الرجل للمرأة... لكنها «أصرَّت» على أن أبدي لها رأيي في مضمون الكتاب.. لأنه من «وجهة نظرها» على درجة بالغة من الأهمية. ولم أكن أدري ما الذي تقصده صديقتي بالأهمية البالغة!! وماذا يكون من أمر رأي الرجل الأمريكي في المرأة إن كان بكل تأكيد سينطلق من معين تجاربه وهي لا تخرج عن نساء أمريكا....!! وتفكّرتُ قبل أن أتسلّم الكتاب في مضمونه... ترى هل ستكون وجهة نظره حول المتغيرات التي طرأت في تشكيلة السلوكات مع متغيرات المجتمع الذي يتواكب «هناك» مع الجديد الذي لا يفتأ يتشكّل مع كل لمحة في لمحة اللمحة من عمر اللحظة في زمن الثانية... و.... أم ترى ستكون منطلقة من تجارب العمل، أم «العشرة»؟، أم من منطلق التقانة والعلم؟... أم... وأم.... وأرحت تفكيري إلى أن تلقيت بريدي بعد أسبوعين من مهاتفة الصديقة..، ووجدت البريد يحمل لي بالفعل كتاباً متوسط الحجم، نحيل الجانبين، أبيض الوجه، مزخرفاً بعنوان عريض الخط.. «المرأة كما يراها الرجل»... وبحروف صغيرة في الركن الأيمن من الغلاف الأيسر: «دخول في تحليل أعمق للذات الأنثوية»... وعلى صفحة الغلاف الأخير وضعت نقاط حول محتوى الكتاب منها: من هي المرأة؟، كيف هي المرأة؟، كيف تفكر، وكيف تشعر، كيف تتعامل، وكيف تحب أن تُعامل؟... كل ذلك من خلال رحلة طويلة في تفاصيل المرأة كما يراها الرجل...،.. فتحت أوراق الكتاب أقلِّبه... ولأول مرة أتوقف طويلاً.. دون أن أجد ما يُقصيني عن التفكير... الكتاب الداخلي لا تقل صفحاته عن سبعين ورقة... وكلها صفحات بيضاء... لا حرف فيها...، ... لو لم تكن المرأة «مهمَّة»، و«خطيرة» في حياة هذا المفكر الذي حرص على أن يضع عنواناً لا يدل على شيء يبعد عن دلالة الوصول إلى بحث «إحصائي» عن رأي «الرجال» متمثلة في المرأة، من خلال كل «النساء» اللائي خضع لهن هذا «التجميع» والإحصاء، والحصر.. الذي تكبده الكاتب، ذلك لأن ليس من المعقول أن يوضع عنوان مثل هذا يُلقي فيه الكاتب القول على عواهنه من خلال وجهة نظره الشخصية وإلا لجاء العنوان كالتالي: المرأة من وجهة نظري. وإني على يقين من أن من يجرؤ على تقديم كتاب مثل هذا للمكتبة وللناس ليس هدفه العبث ولا الدعابة.. وإنما السؤال الذي يفسح لنفسه مساحة الرؤية أمام كلِّ من يقع هذا الكتاب بين يديه هو: من هي المرأة إذن؟ هل هي عالم أبيض يخلو من كل دكن؟ كما هو حال الأوراق السبعين؟ أم هي متاهات غامضة لا يمكن التقاط حرف واحد عنها؟ هل هي أشياء كثيرة متداخلة كالطلاسم لا يستطيع أحد ما أن يستكنه شيئاً منها وعنها؟... هل المرأة كائن غريب يجذب للهاث وراءها دون الخروج بشيء؟ ودون الخلوص بشيء؟... ومن خلال رجل واحد؟ أم هو خلاصة لمجتمع بأكمله؟... لم أترك هذا الكتاب لأيام طويلة.. كنت أتصفحه...، لم أجد فيه ما يغريني على كتابة حرف واحد فوق صفحاته البيضاء، ذلك لأنني أثق أنه ليس استدراجاً للمرأة لأن تضع شيئاً عنها أو حتى عنه ولو على سبيل المثال عن هذا المؤلف لهذه الفكرة كي يتكون للمرأة ذاتها الرأي فيها، وإنما ظلَّ وسيظلُّ هذا «الكتاب» كلَّما احتجت لتدريب تفكيري ولاستنهاض همَّته ألجأ إليه... ألا يكفي أن المرأة تدفع المرأة للتفكير، فكيف بالرجل؟ وليذهب هدف صاحب الكتاب إلى حيث يذهب... أما صديقتي فلقد عرفت كيف تستحثُّ في المرأة شيئاً من اليقظة.