(هناك أمران ينبغي أن يتحسنا وإلا كانت الحياة لا تطاق: إهانات الزمان ومظالم البشر). حكمة عالمية أين يختفي الكاتب منّا حين لا تنشر زاويته اليومية أو الأسبوعية!! وماذا يعرف القراء عن كواليس إقصاء الكتّاب ومنعهم عن الكتابة؟ هذا السؤال واجهني لأني افتقدت زاوية الزميل عبدالله المغلوث في صحيفة الوطن. وفي مثل هذه الحالات تعودنا ككتّاب وكقرّاء أن نقرأ آخر مقال نُشر للكاتب لنتكهن لماذا لم تعد تنشر زاويته أو مقالاته، وأحيانا تغمرنا الدهشة لجرأة المقالة وكيف غفل المجيز في الجريدة عن المحاذير التي تعرضت لها تلك المقالة. وأحياناً أخرى مثلما حدث في آخر مقالة للمغلوث لا تجد شيئاً يستحق الإيقاف فالمقالة لا تلمز للإساءة بأحد من بعيد أو من قريب، وكاتب مثل المغلوث عرف بمقالاته الاجتماعية والإنسانية ولم يشهر قلمه قط لهجوم المؤسسة الدينية مثلاً ليركب أمواج الشهرة الحالية في بحر الكتابة. إذن لماذا غابت زاوية المغلوث؟ هذا لو كان الزميل بالفعل أوقف من قبل وزارة الثقافة والإعلام لأنها الجهة الوحيدة المخولة رسمياً للإيقاف عن الكتابة والمفترض أن يكون لها معايير واضحة لذلك. هناك أسرار في عالم المؤسسات الصحافية لا يعلمها القراء، فعلى سبيل المثال فالكتّاب لدينا يكتبون مقالاتهم دون عقود رسمية وبالتالي لا يوجد لديهم أمان وظيفي سواء كانوا متفرغين أم غير متفرغين. ولذلك يستطيع رؤساء التحرير أن يمنعوا الكاتب عن كتابة مقالته بكل بساطة دون حتى إبداء الأسباب ويعتمد الإيقاف على اعتبارات ربما شخصية!! أو هناك طرق أخرى للإيذاء النفسي تفعلها بعض المؤسسات الصحفية لترغم الكاتب على الانسحاب من الالتزام بالكتابة في المؤسسة مثل إنقاص مكافأة الكاتب أو تغيير مكان زاويته دون موافقته ما يجعل الكاتب يفهم هذه الرسالة فينسحب من الصحيفة التي يكتب فيها ليكتئب ويحبط أو لينتقل إلى مكان آخر. خلال رحلتي مع الكتابة طوال 25 عاماً، عملت في ست مؤسسات صحفية ما بين صحف ومجلات وتعاملت مع أكثر من رئيس تحرير أدرك أن المعيار الحقيقي لاستمرار الكاتب في جريدته هو الاحترام والتقدير الذي يتمتع به بعض رؤساء التحرير لدينا وبعد ذلك تأتي اعتبارات كثيرة. ولكن من يردع بعض صناع القرار في المؤسسات الصحفية عن إيذاء الكتّاب النفسي؟ أعتقد حان الوقت للالتفات إلى حقوق الكتّاب في وقت انتشرت في مجتمعنا ثقافة الحقوق، ومن واجب المؤسسات الصحافية أن تحمي كتّابها من الألم النفسي الذين يتعرضون له بسبب الإيقاف عن الكتابة التي أحياناً تكون لاعتبارات ضمن ميزانية المؤسسة أو أهواء صنّاع القرار فيها. وحتى ذلك الوقت نبقى كقراء ننتظر شروق شمس كتّابنا الغائبين في مكان آخر، فقلم الكاتب الحقيقي لا ينكسر أبداً.