من يقرأ مقالات بعض الكتاب في صفحنا المحلّية يشعر أنه أمام عُنفٍ صحفي يمكن أن يدخل في باب من يسعى إلى تفجير حصون المودّة، وقلاع الأمن النفسي، وبيوت التآلف الاجتماعي، والتجانس الفكري الثقافي. حينما يتحوّل الكاتب الصحفي إلى معارض بعنف لكل من يخالفه في منهجه أو ثقافته أو رؤيته في الحياة، يتحوّل القلم إلى خنجرٍ يطعن وينحر، ويقطع أوداج الموضوعية، وعروق الإنصاف، وشرايين العدل. لقد سبق أن كتبت في هذه الزاوية قبل سنتين أو أكثر مقالاً عن شنّ حملاتٍ صحفية محمومة على بعض الأشخاص والجهات الحكومية والمؤسسات، والمتمثل أيضاً في حرص معظم الصحف على نشر أخبار الجرائم والحوادث المؤلمة بإثارةٍ تهدف الصحيفة من ورائها إلى التسويق والانتشار، وتواصل معي بعد ذلك المقال بعض المسؤولين مؤكدين ما قلت ومبدين امتعاضهم من مبالغة الصحف في نشر أخبار الجرائم والحوادث الصارخة التي تحصل عليها الصحف من أقسام الشرطة والجهات الأمنية. واليوم أكتب عن عنف الأقلام التي تهاجم الأشخاص والجهات بأساليب مثيرة تبالغ في تناول الموضوع، وتشعر القارئ بأنه يعيش في أجواء ليس لها هدف إلا إثارة الغبار والإساءة المباشرة إلى الأشخاص أو الجهات التي يختلف معها الكاتب. إن من أسهل الأساليب في الكتابة أسلوب الهجوم، والإثارة والتهويل للمواقف، بينما ينبغي على الكاتب الذي ينهج هذا الأسلوب أن يلجأ إلى الطرح المفيد الذي يرقى بذوق القارئ، ويمتعه، ويفيده. العنف الصحفي، ظاهرةٌ تحتاج إلى مراجعة من الكاتب نفسه، وعن الصحيفة التي تنشر له، لا سيما وأن سمو الهدف في مسيرة الصحافة يفرض عليها أن تبتعد عن أساليب الإثارة التي ليس فيها شيء من الفائدة المرجوة والمنتظرة من القارئ. وإذا كان بعض رؤساء التحرير يعتقدون بأن ما يجدونه من القراء من ردود الأفعال ضد كتّاب العنف الصحفي مؤشر من مؤشرات النجاح، فإنّ عليهم أن يتأمّلوا حقيقة دور الصحافة في البناء والتوجيه، والتثقيف والإمتاع، ليدركوا خطأ ما اعتقدوه. نعم، للنقد البنّاء الهادف، ونعم لكل أسلوبٍ يرقى بالذوق، ويفيد القارئ حتى وإن كان مثيراً أحياناً إثارة محمودة، أو كان ساخراً أحياناً أخرى سخرية مقبولة. أما (العنف الصحفي) فهو ظاهرة تحتاج إلى مراجعة لتصحيح المسار. أديب وشاعر وكاتب يومي بصحيفة \"الجزيرة\" السعودية.