أيها القارىء الكريم إن من أكبر نعم الله علينا أن حفظ علينا هذا الدين برجاله المخلصين وهم العلماء العاملون الذين كانوا أعلاما يهتدي بهم وأئمة يقتدى بهم وأقطابا تدور عليهم معارف الأمة وأنوارا تنجلي بهم غياهب الظلمة فإن في وجود أمثال هؤلاء في الأمة حفظا لدينها وصونا لعزتها وكرامتها فإنهم السياج المتين يحول بين الدين وأعدائه، والنور المبين تستنير به الأمة عند اشتباه الحق وخفائه وهم ورثة الأنبياء في أممهم، وأمناؤهم على دينهم فإن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر وهم شهداء الله في الأرض الذين شهدوا بالحق وأعلنوها على الملأ بأنه لا إله إلا الله وأنه سبحانه هو القائم بالقسط وأن كل حكم يخالف حكمه هو ظلم وجور، قال تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم), والحديث عن فضل أهل العلم يطول بل ويحتاج الى مقالات كثيرة ليس هذا مجال البسط فيها. أيها الأخوة الأفاضل اذا كانت هذه منزلة العالم من أمته ودينه أفلا يجدر بنا أن نأسف على موت العلماء؟ لأن فقد العالم ليس فقدا لشخصيته فحسب ولكنه فقد لجزء من تراث النبوة، جزء كبير بحسب ما قام به هذا العالم المفقود من التحقيق، فوالله إن فقد العالم لا يعوض عنه مال ولا عقار ولا متاع ولا دينار، بل فقده مصيبة على الاسلام والمسلمين لا يعوض عنه إلا أن ييسر الله من يخلفه بين العالمين فيقوم بمثل ما قام به من الجهاد ونصرة الحق وإن فقد العلماء في مثل هذا الزمان لتتضاعف به المصيبة لأن العلماء العاملين أصبحوا ندرة قليلة بين الناس وكثر الجهل والتشكيك والالتباس ولكننا لن نيأس من روح الله ولن نقنط من رحمته فلقد أخبر الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم: أنه لن تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك . أيها الأخوة في العام الماضي ودعنا ورحل عنا إمام هذا العصر والد الجميع العالم العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز مفتي عام المملكة رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وكذلك علماء أفذاذ وأفاضل رحلوا عنا، والعام الماضي عام الحزن على الأمة الاسلامية برحيل كثير من العلماء فيها, وبالأمس القريب ودعت جموع المسلمين والأمة الاسلامية شيخاً فاضلاً وإماماً من أئمة السنة والجماعة في هذا العصر، ودعت الشيخ المتبحر والعالم الفذ صاحب الاستنباطات الفريدة والآراء السديدة والدروس المفيدة والفتاوى الموثوقة انه الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وعاشت الأمة يوماً حزيناً على هذا العالم الرباني وان مما يجعل هذا اليوم من أيام الحزن أن يرحل فيه هذا الامام وليس للأمة عنه غنى، يهدي بهدي الله، وينشر في الأنام سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرفع لواء التوحيد ويسعى لجمع المسلمين قد وعاهم قلبه، وحمل همومهم صدره وأهمّه أمرهم فهو يهتم بأمر المسلمين في كل مكان لم يعجز عن حل معضلاتهم والسعي في حاجاتهم، والشفاعة لوضيعهم وشريفهم والاجتهاد في تعليم جاهلهم، ومواساة فقيرهم. لقد أعلى الله مكانته بين الناس وأصبح في قلوبهم بغير دينار ولا درهم بل كان كما سمعنا عنه تُبذَلُ له العطايا فيجعلها في دروب الخير والعلم وكان رحمه الله زاهدا في هذه الدنيا متواضعا للجميع باذلاً للمعروف لكل من قصده جالسا لتدريس العلم في كل مكان يحل فيه فرحمك الله يا شيخنا وأسكنك جناته وزوجك الحور العين ونسأل الله أن يخلف علينا بأمثاله من العلماء الأخيار إنه جواد كريم والحمد الله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد. حسن بن محمد الحسن خطيب جامع عمر بن الخطاب بمحافظة ثادق