الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد: إن الله تعالى اختص من خلقه من احب فهداهم للايمان ثم اختص من سائر المؤمنين من احب فتفضل عليهم بالاحسان فعلمهم الكتاب والحكمة وفقههم في الدين وعلمهم التأويل وفضَّلهم على سائر المؤمنين، فمنْ هم؟ انهم العلماء العاملون الربانيون الذين رفعهم الله بالعلم وزينهم بالحلم فالأمة بهم يهتدون وبأعمالهم يقتدون وكفى بالعلماء فضلاً وشرفاً وفخراً انهم ورثة الانبياء القائمون مقامهم في الامم فان الانبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وانما ورثوا العلم فمن اخذه اخذه بحظ وافر، فالعلماء هم حملة الشريعة وحماة الدين ونصرة الملة هم سراج العباد ومنار البلاد، من اطاعهم بطاعة الله رشد ومن عصاهم فسد، ومن احبهم هُدي، ولقد اعلى الله مقام العلماء في الدنيا بأن جعل لهم الامر والصدور عن قولهم وفضَّلهم على غيرهم تفضيلاً، بل وجعل الله الحيتان تستغفر لهم في البحر والملائكة تضع اجنحتها لهم في البر تواضعاً واحتراماً ثم يوم القيامة يمن الله عليهم بالشفاعة فيجعلهم شافعين للعباد مع الانبياء، ولقد اشهدهم الله تعالى على اعظم مشهود وهو توحيده سبحانه وتعالى وقرنهم بنفسه وملائكته فقال :{(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) } وهذا يدل على فضلهم ومكانتهم، ونفى المساواة بينهم وبين غيرهم فقال {قٍلً هّلً يّسًتّوٌي الذٌينّ يّعًلّمٍونّ وّالَّذٌينّ لا يّعًلّمٍونّ} واخبر سبحانه انه رفعهم درجات فقال {يّرًفّعٌ اللهٍ الذٌينّ آمّنٍوا مٌنكٍمً وّالَّذٌينّ أٍوتٍوا العٌلًمّ دّرّجّاتُ } واخبر سبحانه انهم اهل الفقه عنه فقال {وّتٌلًكّ الأّمًثّالٍ نّضًرٌبٍهّا لٌلنَّاسٌ وّمّا يّعًقٌلٍهّا إلاَّ العّالٌمٍونّ } واخبر انهم اهل خشيته فقال {إنَّمّا يّخًشّى اللّهّ مٌنً عٌبّادٌهٌ العٍلّمّاءٍ } لماذا كانوا أخشى الامة لله لكمال علمهم بربهم وما اعد لأوليائه وما اعد لاعدائه واخبر انهم ابصر الناس بالشر ومداخل الشيطان فقال تعالى {قّالّ الذٌينّ أٍوتٍوا العلًمّ إنَّالخٌزًيّ اليّوًمّ وّالسٍَوءّ عّلّى الكّافٌرٌينّ } ، فالعلماء ورثة الانبياء وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، فنجاة الناس والعالم والأمة منوطة بالعلماء فاذا قبض العلماء هلك الناس، لذا فقد جعل الله علم العلماء رياً لعطش الاصفياء ونوراً لقلوب الاتقياء كيف لا والعلم يرد الى البائس امله والى الملهوف سكينته والى الخائف امنه والى الشقي سعادته والى المضطرب هدوءه فهو يؤنس صاحبه في الخلوات ويهدي الحائر في الظلمات ويكفكف جيشان المهموم في الأزمات. ان الامة لم تُصب بعد موت نبيها عليه السلام بمثل موت العلماء فموتهم هو الكارثة الحقة التي تتفطر لها القلوب وتبكي من اجلها العيون كيف لا وهم مصابيح الارض وشموس الهداية قال ابو مسلم الخولاني «العلماء في الارض مثل النجوم في السماء اذا بدت للناس اهتدوا بها واذا خفيت عليهم تحيروا» وعن هلال بن خباب قال «قلت لسعيد بن جبير يا ابا عبدالله ما علامة هلاك الناس؟ قال سعيد اذا هلك فقهاؤهم هلكوا» ولم لا يكون موت العلماء مصاباً جللاً وهو نقص للارض ومن اطرافها كما فسر به قوله تعالى {أّوّلّمً يّرّوًا أّنَّا نّأًتٌي الأّرًضّ نّنقٍصٍهّا مٌنً أّطًرّافٌهّا} قال ابن عباس ومجاهد «هو موت العلماء» ولقد صدق رسول الله عليه السلام حين قال:« ان الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى اذا لم يبقِ عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا واضلوا» متفق عليه. لقد فجعنا وفجعت الامة بموت احد علمائها ودعاتها الذين وهبوا انفسهم ونذروا حياتهم لخدمة دين الله واقراءً لكتاب الله ونفعاً لعباد الله تعليماً ودعوة وتدريساً ومساعدةً، انه العَلم العالم العلاّمة الورع الزاهد النقي التقي فضلية الشيخ/ عبدالرحمن بن عبدالله آل فريان - رحمه الله - وجعل الفردوس الاعلى منقلبه ومثواه فهو والله إمام مخلص وعالم فاضل وبدر منير، الامة مدينة له بشيء كثير وكبير فقد ربى عالمها وعلّم جاهلها وحلم على سفيهها وصبر على حلوها ومرها، وصبر على مرضه الذي توفي على إثره، وقد عرفه الجميع، بحرصه على بذل النصيحة وعلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأحبه الصغير قبل الكبير، وشهد له الاعداء قبل الاصدقاء، وقد عرفته شخصياً بسمته وعدله، وقوته في الحق وحبه للامر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لله وفي الله، فرأيت فيه الاب الرحيم والشيخ الكريم، والعالم المسدد، جمع اشتات المكارم وتحلى بفضائل الاخلاق فهو رقيق القلب، نقي السيرة، طاهر السريرة، صافي الروح جميل الموعظة كريم الخلق باسم المحيا، ذاكراً شاكراً، صبوراً حليماً، صواماً قواماً، قائماً قانتاً عابداً سائحاً، راكعاً ساجداً، هيناً ليناً، متواضعاً مخبتاً، لا يحقد ولا يحسد يده بالعطاء ندية وبالخير سخية، يواسي الفقراء بماله، ويدمل جراح المعسرين، وينفق على الارامل واليتامى والمساكين لقد رحل الشيخ عبدالرحمن في وقت اكثر ما تكون الامة الإسلامية بحاجة له ولامثاله من العلماء الربانيين والدعاة المخلصين المصلحين، الذين يبذلون النصح لله وللائمة المسلمين وعامتهم، كما عرفته بالحرص على الدعوة إلى الله في القرى والهجر النائية والتنقل بينها اسابيع واشهراً لتعليمهم دين الله ونصحهم وتوجيههم وتذكيرهم بالله وبمراقبته، انها والله لرزية عظيمة ومصيبة جسيمة لا يخففها الا تذكر مصيبة الامة بفقد نبيها محمد عليه الصلاة والسلام، والخلق كلهم على هذا الدرب سائرون ولكن من الناس من يموت ولا يشعر بموته وفقده الا اهله واقرباؤه ومنهم من يموت وتبكيه الامة بأسرها صغارها وكبارها رجالها ونساؤها وصدق القائل: لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد فذ يموت بموته خلق كثير ولقد زرت الشيخ عبدالرحمن عدداً من المرات في المستشفى العسكري بالرياض وسلمت عليه واطمأننت على صحته فرأيت عنه عجباً رأيته ينصح من يراه من الزائرين يحتاج النصح بل تعدى ذلك الى نصح الاطباء والممرضين رغم ما يعانيه - رحمه الله - من آلام المرض الموجعة، فحقاً هكذا دأب العلماء العاملين بذل دائم ونصح وتوجيه وامر بالمعروف ونهي عن المنكر وعطاء لا ينفذ الا بنفاد الروح وخروجها من الجسد، فسبحان من منح اولئك لرجال تلك العزيمة التي لا تعرف الكلل والملل، وقد سبق لي ان تشرفت بالقاء اسئلة عليه فاجاب عليها شخصياً وكان ذلك في 22/6/1421ه تضمنت تاريخ ولادته واسماء اشياخه الذين تتلمذ عليهم وتاريخ تأسيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم وعن اهداف تلك الجمعية وعلى ضوء اجابته حرفياً اجيب بها، فقد ولد فضيلته عام 1348ه وحفظ القرآن الكريم كاملاً في سن مبكرة في حياة والده - رحمهما الله - ثم تلقى العلم الشرعي على عدد من العلماء وعلى رأسهم العلامة الشيخ/ محمد بن ابراهيم آل الشيخ «مفتي الديار السعودية» وقرأ على فضيلة الشيخ/ محمد بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ وقرأ على فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن محمد الشثري وقرأ على سماحة الامام الشيخ/ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعلى فضيلة الشيخ/ عبدالرحمن بن محمد المقوشي وعلى فضيلة الشيخ/ محمد الشنقيطي وفضيلة الشيخ اسماعيل الانصاري وغيرهم من المشايخ - رحمهم الله تعالى رحمة واسعة - ولما سألته عن تأسيس الجمعية الخيرية التي يعتبر هو المؤسس الاول لها قال فضيلته: اما عن الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الرياض فقد تأسست عام 1386ه في عهد الملك فيصل - رحمه الله - وذلك لما ظهرت الحاجة لتعليم القرآن الكريم لأولاد المسلمين وبعد مشاورة سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن ابراهيم أيد هذه الفكرة وتم الاتفاق على أن تكون هذه الحِلق في المساجد لانها اشرف مكان لتعلم القرآن الكريم ووافقت الدولة - وفقها الله - على استقدام بعض المدرسين من باكستان ومصر ممن لديهم الخبرة الكافية في علوم القرآن الكريم والتجويد والقراءات وبدأنا بعشر حلقات في الرياض ثم ازدادت الحلقات بحمد الله الى أن عمت اكثر بيوت الله تعالى. وبسؤاله عن هدف الجمعية الخيرية الاساسي قال: هو تعليم كتاب الله تعالى لابناء المسلمين وقد تخرّج من هذه الحلقات ائمة المساجد وخطباء الجوامع ومنهم ائمة في الحرمين الشريفين الآن ومنهم القضاة والاساتذة وتولى البعض منهم مناصب في اجهزة الدولة فنفع بذلك امته وبلده . وقال في ختام لقائي به: اتمنى ان يكون في كل حي وكل مسجد حلقة لتعليم القرآن الكريم للصغار والكبار وفي كل حي مدرسة نسائية لتحفيظ القرآن الكريم... فنسأل الله تعالى ان يتغمد الشيخ بواسع رحمته وان يلهم اهله وذويه والمسلمين الصبر والسلوان وان يلحقه بمنزلة الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.