عُرف نظام الادارة المحلية منذ زمن بعيد، غير أنه لم يأخذ شكله القانوني وسمته النظامي إلا بعد قيام الدولة الوطنية أو القطرية الحديثة, ذلك ان الدولة الحديثة ازدادت أعباؤها تجاه المواطنين، مما جعل نقل أو تفويض بعض هذه الأعباء الى وحدات محلية أمرا لا محيد عنه. إن الادارة المحلية لم تحظ بالدراسات الأكاديمية إلا منذ وقت قريب. فقد بدأ الاهتمام بهذا الحقل العلمي من جانب رجال القانون العام والسياسيين أواخر القرن التاسع عشر، وبقيت دراسة الادارة المحلية فرعا من دراسات القانون العام ليصبح علما قائما بذاته, ولقد كانت الادارة المحلية تأخذ أنظمتها ضمن مراحل التكوينات القبلية، والحكومات الاقليمية، والامبراطوريات، ونظم الاقطاع ثم أخيرا نظام الدولة الحديثة. ففي تلك الأنظمة يظهر التزاوج بين نظامي المركزية واللامركزية ضمن اطار الادارة المحلية, فالهند عرفت نظام المجالس المحلية التي تمثل عددا من القرى قبل بداية التاريخ الميلادي. وفي بلاد الاغريق ساد نظام دولة المدينة التي كانت تتمتع باكتفاء ذاتي، وتكون وحدة سياسية مستقلة، وتضم دولة المدينة عددا من القرى، وتضم القرية عددا من القبائل، والقبيلة عندهم كانت الوحدة الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الانساني، ويعتبر مثل هذا النظام مثاليا إذا ما حقق الاكتفاء الذاتي والادارة الذاتية. وبعد ذلك ظهرت الحكومات الاقليمية كمنافس للقبيلة عندما تكونت اتحادات بعض الكيانات المحلية الصغيرة، واتخذت لنفسها شكل الملكيات المركزية باسطة نفوذها على كيانات اقليمية تفوق القرية والمدينة مساحة وسكانا. ثم جاء حكم الارستقراطيين ثم جاء حكم العامة. واتسعت الحكومات الاقليمية لتتكون منها الامبراطوريات, وبهذا ظل التقارب والتمازج بين المركزية، واللامركزية قائما. غير ان بدء الامبراطوريات صاحبته مركزية مفرطة وذلك لبسط سلطانها على المساحة الجغرافية، وأدى تجانس سكانها الثقافي والروحي الى سيادة عوامل التوحد ضد الفرقة (1) . ومع انفتاح الامبراطوريات القديمة والوسيطة على شعوب ومناطق وأجناس متنوعة قامت فكرة الحكومة المحلية مرة أخرى على حساب الامبراطوريات ومع ضعف نظام الاقطاع والمدن والأقاليم الصغيرة جاءت نظم بديلة للامبراطوريات. ولقد برز الشكل الجديد للدولة الوطنية من خلال الدولتين البريطانية والفرنسية، وسرعان ما انتشر في العالم المعاصر كوريث للامبراطوريات القديمة، والامارات الاقطاعية التي قامت على انقاضها, وظهرت اللامركزية فكرا فلسفيا اداريا مع قيام الثورة الفرنسية عام 1789م ثم انتشرت منها إلى أوروبا وباقي دول العالم بما في ذلك العالم العربي. ولكي تضمن الحكومة المركزية ولاء حكام الأقاليم الفرنسية استبدلت بهم موظفين مركزيين يدينون لها بالولاء, ونشأ بعد ذلك مبدأ اللاوزارية أو عدم التركيز الاداري للتخفيف من حدة المركزية. أما الفيدرالية فلقد نشأت مع منظري الثورة الأمريكية ضد الاستعمار البريطاني تلبية لرغبة الولاياتالمتحدةالأمريكية في الوحدة السياسية مع بقاء بعض مظاهر الاستقلال السياسي بين الولايات, لذا يعتبر النظام الفيدرالي منشأ الدولة الكبيرة من كيانات صغيرة (2) . أما نظام الحكم المحلي أو الادارة المحلية كظاهرة قانونية لا يرجع تاريخه التشريعي الى أكثر من القرن التاسع عشر, ففي انجلترا لم يكن للمدن مجالس محلية يشترك فيها المواطنون قبل عام 1835م، ولعل أول تشريع صدر في هذا المجال هو قانون الاصلاح عام 1832م ثم توالى بعد ذلك ظهور التشريعات المنظمة للحكم المحلي بها. أما فرنسا فلم تنشأ بها المجالس المحلية إلا في عام 1833م ولم تعط تلك المجالس حق اصدار القرارات الادارية إلا في عام 1884م. [email protected] هوامش 1 دكتور عبدالمحسن محمد الرشود، الادارة المحلية في المملكة العربية السعودية، دار الشبل للنشر والتوزيع، الرياض 1419ه, ص36. 2 أحمد حامد الافندي, النظم الحكومية المقارنة, دار وكالة المطبوعات, الكويت، 1972م, ص145.