من المعلوم في فقه القانون الدولي ان الدول على انواع متعددة ويتقرر نوع الدولة حسب ظروف وعوامل كثيرة، والاتحاد الفيدرالي او نظام الدولة الفيدرالية Federalism هي واحدة من انواع الدول في العالم ومثالها كندا وماليزيا والولايات المتحدة الاميركية وسويسرا والهند وغيرها. وللاتحاد الفيدرالي اسباب او مبررات عديدة غايتها الاولى صنع التعددية والمشاركة الفاعلة الحقيقية في الحياة السياسية بصورة ديموقراطية وعادلة بعيداً عن التفرد في الحكم وحكر السلطات بيد شخص او مجموعة تنتهك القانون وتهدر الحقوق. ذلك لان حكم الفرد يقود دائماً الى الاخطاء والمشاكل والظلم بينما تؤدي المؤسسات في ظل حكم الجماعة دورها بصورة افضل واكثر عدالة في ظل القانون والرقابة الدستورية. ولا شك ان النقل الحرفي للتجارب او لمؤسسات الحكم او للقوانين هو غير سليم وهو من الامور البديهية الا انه لا يمكن للشعوب او للدول ان لا تتأثر وتؤثر في الحياة، فالتفاعل ودراسة تجارب الآخرين ومعرفة الاخطاء تشكل مدخلاً لنجاح اي تجربة او فكرة قد تبدو جديدة او غريبة نوعاً ما. وفيما يخص الفيدرالية لا بد من القول ان هناك فرقاً بين: 1- الحكم الذاتي. 2- الفيدرالية - الاتحاد الفيدرالي الاختياري للولايات داخل الدولة الواحدة. 3- حق تقرير المصير والاستقلال السياسي في الانفصال بكيان مستقل. فالحكم الذاتي هو تمتع قومية معينة بحقوق ثقافية وسياسية في اطار الدولة الواحدة حيث يكون للمناطق والاقاليم الذي تسكنه اغلبية من تلك القومية هيئات او مؤسسات محلية في ادارة هذه المناطق مع مراعاة خصوصية السكان القومية في اللغة والحقوق الثقافية والسياسية. ومثال ذلك ما حصل في العراق مع الكرد في كردستان العراق في بدايات تطبيق بيان آذار عام 1970 طبقاً لقانون الحكم الذاتي لعام 1970 وطبقاً للدستور العراقي الصادر في العام ذاته. غير ان الواقع العملي كان مختلفاً تماماً عما كانت تنص عليه القوانين والدستور. اذ لم تمض الا سنوات معدودة حتى انهار الحكم الذاتي الذي كان متفقاً عليه بسبب نكث العهود بفعل اخلال السلطات العراقية آنذاك. بينما كان القانون المذكور قد شكل مدخلاً صحيحاً في تنظيم العلاقة بين الشعب الكردي والشعب العربي في اطار الوحدة الوطنية للشعب العراقي في الدولة الواحدة لولا اخطاء النظام. اما الفيدرالية Federalism فهي استقلال داخلي ضمن الدولة الواحدة والسلطة المركزية الفيدرالية وعلى اساس المساواة. وطبقاً للنظام الفيدرالي يكون لشعب الاقليم حق الاستقلال الذاتي وحق المشاركة في ادارة الشؤون المركزية ومثل هذا النظام موجود في اميركا وسويسرا والمكسيك وماليزيا وغيرها من الدول. ولهذا يمكن القول في ان الفيدرالية هي صيغة متطورة للعلاقة بين الشعوب وهي تنظيم في ادارة الدولة. ولذلك فهي تختلف عن حق تقرير المصير لأن: حق تقرير المصير هو مبدأ سياسي يقوم على اساس "حق الشعوب المضطهدة في تقرير مصيرها اي التحرر من الاستعمار والسيطرة وتأسيس دولة مستقلة ذات كيان سياسي مستقل" ذلك لأن الشعوب متساوية في الحقوق وهو ما حصل مؤخراً في تيمور الشرقية طبقاً للانتخابات التي جرت برعاية الاممالمتحدة وهو ما تسعى له الصحراء الغربية في المغرب العربي في الاستقلال عن المغرب. وقد نص ميثاق الاممالمتحدة على وجوب احترام مبدأ حق تقرير المصير بشكل مباشر في المواد 1 و55 وبصورة غير مباشرة في المواد 73 و76 لذلك فان الشعوب الواقعة تحت الوصاية في اقليم معين تستطيع ان تحكم نفسها وتستقل سياسياً في كيان مستقل. كما جاء حق تقرير المصير في قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة اذ صدرت هذه القرارات الكثيرة في مناسبات متعددة من الجمعية العامة للامم المتحدة في حق تقرير المصير وحرية تكوين الكيان السياسي المستقل. وحق تقرير المصير انما يقرر للشعوب غير المتمتعة بالحكم الذاتي وتعاني من الاضطهاد او هي خاضعة تحت الوصاية الدولية ودعماً للامن والسلم الدوليين تحصل الشعوب على حقها في تقرير المصير في انشاء كيان مستقل حينما يستحيل العيش المشترك بين الشعوب. وغالباً تكون هناك حركة تحرر وطنية في الاقليم تطالب بالانفصال. كماجاء حق تقرير المصير في العهدين الدوليين لحقوق الانسان ايضاً. ونضيف ان حق تقرير المصير ينطوي على جانبين هما: اولاً - حق الاتحاد الاختياري الاخوي في كيان واحد ودولة واحدة اي حق العيش المشترك باتفاق رضائي تتحدد الحقوق والواجبات في الدستور والقانون وهو ما اختاره الشعب الكردي في كردستان العراق مثلاً في قرار المجلس الوطني لكردستان العراق في 4/10/92 حين اختار الفيدرالية نمطاً لتنظيم العلاقة بين الكرد والدولة العراقية المركزية. ثانياً - الانفصال وتأسيس كيان مستقل اي دولة مستقلة مثل تيمور الشرقية. الفيدرالية تجسيد للأسس الديموقراطية في الحكم والادارة لدولة القانون ان النظام الفيدرالي يحقق التوازن بين السلطة المركزية والسلطات المحلية لكل ولاية فيكون للحكومات المحلية للاقاليم تمثيل في مركز القرار في السلطة المركزية كذلك الى جانب الادارة الذاتية للاقليم مما يحقق التوازن في العلاقة ويوسع المشاركة في ادارة الدولة ويلغي دور الفرد في الحكم بل ان الاتحاد الفيدرالي يفتت دور وسلطات حكم الفرد ويوسع المشاركة للمؤسسات الدستورية ويعزز حكم الجماعة كما يكشف عن ان المؤسسات هي التي تحكم وتدير وليس الحاكم او الفرد ولذلك تقوض الفيدرالية سلطات الحكم الشمولي. ولهذا لا يمكن ان توجد شخصنة في الحكم مع النظام الفيدرالي لأن النظامين نقيضان لا يجتمعان. هل الفيدرالية تجسيد للتعددية واحترام لها؟ نعم ان الفيدرالية هي افضل وسيلة في ادارة الدولة التي فيها اكثر من قومية او طوائف ومذاهب واطياف متعددة خاصة اذا كانت الحريات والحقوق معطلة كلياً في الدولة ففي الفيدرالية احترام للتعددية القومية وللتعددية الدينية وللتعددية المذهبية واحترام للتعددية السياسية وفي تطبيق الفيدرالية تعطيل كلي لدور الحاكم الفرد ولا يخفى على الجميع ما يجلبه حكم الفرد من ويلات وكوارث على الشعوب ولان حكم المؤسسات الدستورية في دولة القانون تجنب الدولة اهواء واخطاء الحاكم الفرد ولا تسمح لظهور الطغاة الذين يجلبون على شعوبهم المآسي والحروب والدمار من خلال عسكرة الدولة والمجتمع. وفي العراق مثلاً فان خيار الشعب الكردي في كردستان العراق تحدد في اختيار الفيدرالية كما اشرت منذ عام 1992 ولهذا سيكون للكرد حق في ادارة اقليم كردستان الى جانب حقهم في المشاركة في السلطة المركزية في الدولة. وسيكون مصير الشعب الكردي مقرراً من الشعب ذاته وليس من غيرهم بسبب المشاركة في حكم الاقليم وفي السلطة المركزية وبذلك تدار الدولة وفقاً للمؤسسات الدستورية وطبقاً للقانون. لماذا ترفض الفيدرالية من بعض الحكام في المنطقة؟ للجواب عن ذلك نقول لأن بعض الحكام ورثوا قيماً تجعلهم يتمسكون بالدور السلطوي المركزي وفي ان تكون لهم اليد العليا والمطلقة اي التفرد في الحكم وممارسة القمع والاضطهاد القومي والمذهبي واهدار حقوق الانسان وفي اشباع الرغبات في الحكم الشمولي من خلال السيطرة على مقدرات الدولة والمجتمع وعلى الارض والشعب وخصوصاً في الانظمة السياسية الديكتاتورية سواء اكانت في نمط عسكري او ديني او حزب واحد او عائلة واحدة او صنم واحد. وهي سياسة خاطئة والدليل وجود المشاكل وعدم الاستقرار في هذه البلدان فضلاً عن ان سياسة الاضطهاد لن تدوم لا سيما وان المبدأ الجديد للألفية الثالثة هي ان قواعد حقوق الانسان المنصوص عليها في الاعلانات والدساتير المعروفة للجميع هي ملزمة للدول وان من حق الاممالمتحدة التدخل لغرض الزام الدول التي تنتهك هذه الحقوق ووضع مراقبين لذلك ولا يعد هذا الامر تدخلاً في الشؤون الداخلية للدولة التي تهدر بقسوة حقوق مواطنيها وترتكب ابشع الانتهاكات والجرائم ضد الانسانية. كما لم يعد مبدأ السيادة الوطنية درعا يتحصن فيه الطغاة والمستبدون. هذا فضلاً عن ان النظام الفيدرالي يعني السماح لكل المؤسسات الدستورية ان تقوم بدورها القانوني في بناء الدولة والمجتمع وفقاً للأسس الدستورية والقانونية وفي توزيع الثروات الوطنية توزيعاً عادلا يصب في خدمة الانسان وفي تأسيس وبناء قواعد المجتمع المدني مما يتعارض وسلطة الحكم الشمولي الذي تتركز بيده جميع السلطات وينعدم الفصل بين السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية مما يسبب التفرد بالرأي وكثرة الاخطاء وانهيار القانون والاهدار في الحقوق. اذا الفيدرالية هي نظام حكم لغرض ادارة اقاليم الدولة الواحدة بصورة متوازنة بين السلطة المركزية وادارة الاقاليم او الاقليم وبمشاركة واسعة منظمة ديموقراطية وعادلة بهدف تحقيق التطور وانفاق الموارد على الانسان وفي تأسيس حكم المؤسسات وليس حكم الفرد او الأفراد ومن خلال هذا النمط في ادارة الدولة تتحقق العدالة والعدل ولذلك فان الفيدرالية هي: طريقة قانونية او اسلوب للحكم قائم على تفعيل دور المؤسسات الدستورية وليست تقسيماً للدولة التي تأخذ بهذا الاسلوب في الحكم. ما هو الدليل على ان الفيدرالية ليست تقسيماً للدولة ان الأدلة التي يمكن ذكرها على ان الفيدرالية هي ضمان لوحدة الوطن وهي ضد التجزئة للدولة كثيرة حيث يمكن القول اولاً ان النظام الفيدرالي يقوم على الاتحاد الاختياري ووفقاً للقانون والدستور الدائم الذي يحدد الحقوق والواجبات لكل طرف وإذا كانت الدولة التي تختار هذا الطريق للحكم يسود فيها القانون وتحترم قواعده فلماذا الخوف من التجزئة! ثم ان الدولة التي تختار هذا الاسلوب لا بد ان تقوم على نظام المؤسسات الدستورية وحكم الجماعة في ادارة الدولة وليس على حكم الفرد او الاقلية مما يجعل الضمانات موجودة في تطبيق وسريان القانون وشيوع الحكم المؤسسي مما يقلص فرص الاضطهاد او الاستبداد والظلم وهو السبب في المشاكل. كما سيجعل توظيف موارد الدولة لخدمة ابنائها دون اهدار او انفاق في اتجاهات تضر بأبناء الوطن الواحد او في اهدار الثروات او سرقتها. غير ان الفيدرالية تقوم على تقسيم سلطات الحاكم الفرد وعدم تركيزها بيده ولهذا يقاومها الحاكم الذي لا يؤمن بالديموقراطية ولا بدور الشعوب في التاريخ والفصل بين السلطات وتعزيز دور المؤسسات. نضيف الى كل ذلك ان الدولة التي تختار الفيدرالية كطريق لتنظيم العلاقة بين الشعب الواحد في الدولة الواحدة تقوم على مقومات الوحدة والشراكة في الوطن وعلى مقومات تضمن هذه الوحدة وتقف ضد التقسيم وهي مثلاً: وحدة الشعب في الدولة ضمن حقوق متساوية يحددها الدستور الدائم والقوانين المختصة التي ترسم حقوق وواجبات المواطنة. وحدة اقليم الدولة وحدة العملة وتكون بيد السلطة الاتحادية العليا وحدة المؤسسات العسكرية وتكون بيد السلطة الاتحادية العليا وحدة القوانين والقضاء وتكون بيد السلطة الاتحادية العليا ولا يمنع من ان تكون للحكومات المحلية في الاقاليم دساتير مناسبة تتناسق مع الدستور المركزي وحدة التمثيل الخارجي والسفارات وتكون بيد السلطة الاتحادية العليا وحدة العلم وحدة الموازنة العامة والثروات المعاهدات الدولية وعقد الصلح تكون من صلاحيات الدولة الفيديرالية المركزية تكون باقي الأمور الادارية للاقليم متروكة لشؤون الاقليم والحكومة الفيديرالية المحلية "اذا الفيديرالية هي نظام قانوني يقوم على اساس قواعد دستورية واضحة تضمن العيش المشترك لمختلف القوميات والأديان والمذاهب والأطياف ضمن دولة واحدة تديرها المؤسسات الدستورية في دولة القانون". ونعتقد ان الفيدرالية كنظام حكم ضرورة لممارسة التعددية السياسية وبناء اسس دولة المؤسسات الدستورية وفي ترسيخ قواعد الديموقراطية وهي ضد نظام حكم الفرد او الشخصية. ولذلك توفر الفيدرالية فرص العيش المشترك المتكافئ العادل والقائم على العدل والعدالة في اطار دولة واحدة تكون قوية بهذه المؤسسات الدستورية. وهي ضمان اتحاد فيدرالي وليس انفصالاً او تجزئة للوطن وهي تضمن "الحقوق المتساوية للجميع" وفي اطار الدولة الواحدة وتكون عملية توزيع الموارد والثروات وفقاً لما تقرره مؤسسات الدولة الدستورية وليس وفقاً لرغبة وأهواء الحاكم او بعض الحكام لأن موارد الدولة ليست ملكاً للحاكم وانما هي ملك للشعب في الحاضر وفي المستقبل من الاجيال. ونشير هنا الى ان الحكومات المحلية ليست لها صلاحيات اعلان الحرب او عقد الصلح او ابرام المعاهدات او الاحلاف وإنما هي من اختصاص الدولة الاتحادية المركزية وحدها ذلك لأن هذه الحكومات الاقليمية ليست دولاً مستقلة وقائمة بذاتها من الناحية القانونية وانما هي حكومات اقاليم في الدولة الواحدة المركزية وتنتظم العلاقات طبقاً للدستور الدائم والقوانين النافذة التي يجب ان تتوافق مع الدستور المذكور. اي لا بد من ان يكون هناك تناسق داخلي بين القوانين وتوافق بينها وبين الاعلانات العالمية والمعاهدات الدولية والالتزامات التي يفرضها المجتمع الدولي على الدول مثل الاعلان العالمي لحقوق الانسان ومعاهدة حظر التعذيب وحقوق الطفل وحقوق الأسرى وغيرها. * استاذ جامعي عراقي مقيم في السويد.