عندما انطلقت الانتفاضة الفلسطينية عام 1986م لتحرير المقدسات الإسلامية والأرض العربية من نير الاحتلال الإسرائيلي المدعوم بالاستعمار الأمريكي والأوروبي والسوفيتي، قابلتها سلطات البغي والعدوان الإسرائيلي بوحشية مستوحاة من الحروب الصليبية والأساليب التي كان الاستعمار الغربي يتبعها لقتل ابناء الشعوب المستعمرة وإبادة التنظيمات والمدن والقرى التي تقاوم الظلم والعدوان الاستعماري، وها هي إسرائيل تذكرنا كل يوم بجرائم الاستعمار القديم والحديث ,, وقد يكون الأمر أقل غرابة لو أن إسرائيل تدافع عن أرض لها أمام عدوان فلسطيني, أما وإسرائيل تمارس تلك الوحشية لتسهيل أعمالها العدوانية على المقدسات الإسلامية والأرض العربية فإن الأمور تبدو في غاية الغرابة. في مقال سابق تطرقت إلى جريمة إسرائيلية حدثت أثناء انتفاضة الشعب الفلسطيني في الثمانينيات، وملخصها أن عسكريا إسرائيليا صوب مدفعيته باتجاه طفل فلسطيني ليمزقه بقذيفة أمريكية الصنع فراح والده يرفع أمام العالم رأس ابنه بيد وباقي جثته باليد الأخرى,, وكنت أعتقد أن البشرية لن تشاهد أبشع من تلك الجريمة, لكن اعتقادي لم يكن صائبا فقد فاتني أن إسرائيل بؤرة منتنة تقذف إلى الحياة الإنسانية سرا وعلنا بأبشع وأقذر الأفعال والأقوال, فلقد جاءت إسرائيل بدويهية تصفر منها الأنامل وتتفطر من هولها الأكباد,, دويهية قرَّفت جراح قلوبنا وتركتها مكلومة: جريمة قتل الجيش الإسرائيلي للطفل محمد جمال الدرة,, طفل لم يبلغ الثانية عشرة من سني عمره كان يسير مع والده في الشارع امام مستوطنة في جنوبغزة, وحين سمع الطفل إطلاق النار في شارع مجاور ارتعد خوفا وأخذ يتمسك بملابس أبيه ثم اتجها للاختباء خلف حاجز أسمنتي,, رأتهما ثلة من الجيش الإسرائيلي، قتلة الأطفال والأنبياء والنساء والشيوخ والعزل فقام أفرادها بتصويب بنادقهم باتجاه الطفل وصبوا عليه وابلا من الرصاص الصهيوني المسمى دمدم (دم,دم) ومن وجد القدرة النفسية على متابعة الموقف في وسائل الإعلام شاهد كيف كان الرصاص يخطئ رأس الطفل في البداية ليخترق الحائط الذي كان يستند عليه,, فرصاصة من عند أذنه وأخرى من فوق جبهته وثالثة من أمام أنفه وهو يصرخ ويرتجف كالعصفور الغريق, وكان الأب المسكين يدفع ابنه ليخبئه وراء ظهره خلف الحاجز بزاوية جعلت كل هذه الرصاصات تخطئ رأسه المستهدف، الأمر الذي أغضب تلك الثلة من القتلة فخطا بعض أفرادها بضع خطوات إلى الاتجاه الذي يكشف لهم جسم الطفل البريء بينما واصل احد الجنود إطلاق النار باتجاه الطفل ووالده لإجبارهما على البقاء في تلك الزاوية الضيقة، وحين تمكن جنود الوحشية والبغي والبغاء من رؤية رأس الطفل أطلقوا الرصاص عليه, وبسرعة وضع الطفل كفه الصغيرة على جبهته فقد اخترقتها إحدى الرصاصات ليسقط صريعا مسجى على ركبتي والده المفجوع من هول المصيبة، ورغم أن الأب قد أصيب بثلاث رصاصات إلا أنه استمر في احتضان ابنه المقتول في منظر كان يمكن ان يشعل حربا ذرية لو حدث لطفل أمريكي أو بريطاني أو إسرائيلي, وعندما تأكد للجنود الصهاينة أنهم فجروا جمجمة الطفل ومزقوا صدره النقي الطاهر توقفوا عن إطلاق النار باتجاه المكان رغم أن الأب لا يزال جالسا وكأنه لم يصب, وهذا يدل بوضوح على أنهم كانوا يقصدون الطفل بالذات إمعانا في العدوان والإهانة والاستخفاف بالمشاعر والكرامة العربية. لقد مات خلال الأسبوع المنصرم فقط حيث اكتب هذا الموضوع بسبب العدوان والسعار الإسرائيلي ما يزيد على سبعين فلسطينيا، عشرون منهم أطفالا وجرح ألفان وثلاثمائة آخرون تمثل الجراح الواقعة في منطقة الصدر والرأس 72% من إصاباتهم، ونحن لا نبكي ونحزن من أجل الرجال الذين استشهدوا فداء لوطنهم فالموت من أجل الاوطان سمة الأبطال الشرفاء وهم ان شاء الله في الدرجات العلا عند ربهم، ولكننا نبكي ونحزن من أجل الأبرياء,, أطفالنا الذين تقتلهم إسرائيل عمدا امام أعيننا، أمثال الطفل محمد الدرة والطفلة سارة القسراوي التي قتلت برصاصة صهيونية أخرى في رأسها, في وقت ضربت فيه الذلة والمسكنة أطنابها على معظم القيادات العربية فلم تحرك ساكنا، اللهم إلا عبارات الشجب والاستنكار والتهديد، المصحوبة بالاستخفاف والتجاهل لأسئلة أمتها، فأين منها وأين هي مما حدث بالأمس ويحدث اليوم وسيحدث غداً؟ رباه: لقد جاوز الظالمون المدى ,, قتلوا الأطفال والنساء والشيوخ، وانتهكوا حرمة الأماكن المقدسة ودنسوا المساجد الإسلامية واستباحوا الأرض والعرض,, فماذا أبقوا لأمتنا من كرامة؟ واي نجاة نرجوها وهذا هو العدو العنصري الحاقد المتفسخ من كل معنى للإنسانية، وهذه هي أمريكا,, الدولة الاعظم تكتفي بلوم شارون على زيارته للمسجد الأقصى وتختزل كل هذه الكوارث الإجرامية للدولة الصهيونية في شخص واحد، بينما هي في حقيقة الأمر سياسات واستراتيجيات صهيونية عنصرية تدعمها وتمولها وتقيم صلبها كبرى دول العالم. بني وطني: إذا كان الاحتلال الإسرائيلي قد حرم الإنسان العربي الفلسطيني من أن يعيش بكرامة وشرف مصون على أرضه، وحال دون وصول العرب إلى فلسطين لمشاركة إخوانهم في الجهاد وتحرير الأرض والمقدسات، فليس في إمكان ذلك الاحتلال والتسلط ان يحولا بين المجاهدين وبين الجهاد والموت ميتة كريمة وشريفة في أي مكان من وطنهم العربي إن واصل الظالمون عدوانهم، فالوطن العربي يتعرض لعدوان شامل وهو من الناحية العملية واقع في الاحتلال والاستعمار ويئن من وطأة أقدام الإسرائيليين الذين تزداد سطوتهم وسيطرتهم على أمتنا وأرضنا برا وبحرا وجوا تزداد كل يوم، ويتزايد شبقهم على نهب مقدرات وأرزاق أبنائنا، واستباحة قيمنا وأخلاقنا وديننا ومقدساتنا، وفوق ذلك يقتلون أطفال أمتنا والمدنيين العزل, فأي حياة كريمة يمكن ان نحياها مع كل هذا؟ وأي سلام وأمن وحسن جوار نرجوه مع عدو آبق كاذب لئيم؟ واي عدل نستجديه من أمريكاوبريطانيا وهما يرعيان هذا العدو الخسيس رعاية الأم الرؤوم لرضيعها، فها هو اجتماع باريس بين باراك وأولبرايت وعرفات قد انتهى بقبلة طبعها باراك على يد أولبرايت كما فعل الرئيس شيراك قبله بيومين، وهذا هو اجتماع شرم الشيخ وقد غاب عنه باراك ولسان حاله يقول:اجتمعوا واعملوا مابدا لكم فأولبرايت تعرف ماذا تريد إسرائيل، وأمريكا شريكتنا في كل شيء, ولن تلتزم بشيء يحقق أي مصلحة للعرب أو يعيد لهم حقوقهم كاملة! . إن ما حدث ويحدث اليوم لهو كفيل بإقناع كل ذي عقل بأن السلام تحول إلى خدعة, بعد أن حذف الفلسطينيون من ميثاقهم الوطني المادة التي تنص على استمرار الكفاح حتى إزالة إسرائيل وتم الاعتراف بإسرائيل بينما لا يزال الفلسطينيون وسلطتهم الوطنية مجرد إرهابيين في مواد التشريع الصهيوني العنصري، وأن التعهد الامريكي بتحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط تحول إلى تعهد بتحقيق عملية تفاوض دائمة! عملية تفاوض لا تعيد للعرب أرضهم وحقوقهم المغتصبة ولا تقطع أملهم وشخوص أبصارهم إلى أمريكا، وإن أحسنت إلينا فعملية استسلام تبقي إسرائيل شريكا في الإشراف على المسجد الأقصى، الأمر الذي يشكل سابقة خطيرة على الإسلام والمسلمين يمكن ان تكون نواة لأطماع صهيونية استعمارية في بقاع ومقدسات إسلامية أخرى,, ومن يُهن مرة في دينه وتراب وطنه ثم يتراخ في مواجهة هذه الإهانة يسهل الهوان عليه في كل شيء بعد ذلك. لقد كنا نعتقد أن بروتوكولات حكماء صهيون مجرد خدعة تهدف إلى إرهاب العرب وبث الرعب في قلوبهم وفي العالم جميعا، حتى يسهل على إسرائيل هزيمتهم معنويا وبالتالي سحقهم وإبادة المقومات المادية لحياتهم وبخاصة الأمة العربية، غير أن الممارسات الإسرائيلية أثبتت أن هذه البروتوكولات تمثل جزءا كبيرا من العقلية والعقيدة السياسية والعسكرية الإسرائيلية الإجرامية, فالشخصيات التي تعاقبت على إدارة الحكومة الإسرائيلية شخصيات لها ماض إجرامي وحاضر نجس خسيس، فهم جميعا مؤسسون أو أعضاء في عصابات مارست القرصنة والاختطاف والاغتيالات والقتل والارهاب بكافة أشكاله وصوره، وما من أحد من تلك الشخصيات إلا وهو مطلوب بجرائم قتل اقترفها أو شارك في التخطيط لاقترافها في أماكن كثيرة من العالم، فضلا عن عمليات النصب والاحتيال والرشوة والتزوير والسرقة والابتزاز، وكلها أعمال نصت عليها بروتوكولات حكماء صهيون التي ظهرت في روسيا عام 1901 للميلاد، وأودعت نسخة منها في المتحف البريطاني عام 1906م,, فتلك البروتوكولات تشرع للصهيوني حق ممارسة أي عمل يحقق هدفه في مواجهة الغير، إذ تقول بعض عبارات ذلك الدستور الصهيوني: أيها الصهيوني كن وقحا كي تنال ما تريد، ما الذي روض الحيوانات الوحشية التي نسميها (أناسا) غير القوة العاتية، واعلم انه لا علاقة للسياسة بالأخلاق قط، فعلى الصهيوني إذا أراد أن يحكم أن يعتمد على الخداع والمكر لأن الاستقامة والصراحة فضيلتان شعبيتان للأغبياء وهما أشد فتكا في الكيان الحكومي من أقوى الأعداء، إن حقنا يكمن في القوة,, علينا أن نتعامل مع الآخرين من منطلق: أعطني ما أريد لكي أكون أقوى منك . ولقد طبق الإسرائيليون هذه التوصية وغيرها مما ورد في دستورهم هذا من توصيات ومواد فلا ذمة لهم ولا أخلاق، ولا يصنعون معروفا ولا يرعونه حين يسديه أحد إليهم، ولا يشعرون بطعم الحياة ومعناها إلا عندما يعتدون على حقوق الآخرين بالسرقة أو الاغتصاب، ولا يلتزمون بعهد إلا حين يجبرون عليه بالقوة، ثم يتربصون بمن عاهدوا ريب المنون ولا يُعرف رأس الإسرائيلي من ذنبه لكثرة تنكره ومكره وخداعه، والإسرائيليون منذ القدم يعتبرون أن العالم أغبياء ووحوش يجب تسخيرهم لخدمة شعب الله المختار وهذا هو المبدأ الأساسي الذي أكدت عليه بروتوكولاتهم وتهدف إليه كل أفعالهم وتعاملاتهم. إن صفات اليهود الصهاينة هذه متأصلة فيهم منذ ماقبل صياغة دستورهم هذا بزمن طويل جدا، فهم أهل خيانة ومكر وغدر وخداع وإجرام منذ بعث الله تعالى نبيه عيسى بن مريم عليه السلام فغدروا به ومكروا عليه وعمدوا إلى صلبه وحرفوا الكلم عن مواضعه، وحين بعث الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مارسوا معه ومع صحابته الأسلوب نفسه, غدروا ونقضوا العهد، وأشاعوا الفتنة بين المسلمين، وشككوا في نبوة محمد عليه السلام، ودسوا الإسرائيليات ضمن تعاليم الدين الإسلامي, وهذه هي أخلاقهم وفعالهم مع كل الأمم منذ العهد الفارسي والآشوري. وفي أوروبا فعلوا كل منكر وقبيح ولم يتحمل منكراتهم وجرائمهم أي مجتمع من المجتمعات الاوروبية فقد طردوا من إنجلترا عام 1290م، ومن فرنسا عام 1394م، ومن النمسا عام 1420م، ومن أسبانيا عام 1492م، ومن ألمانيا سنة 1519م وأخيرا تخلصت منهم بريطانيا الحديثة وزرعتهم في قلب الوطن العربي في النصف الأول من هذا القرن,, وحين أقول إنهم لا يرعون أو يحفظون لأحد معروفا أسداه إليهم فالدليل على ذلك واضح من خلال تعاملهم مع الأمة العربية التي لم تهن أحداً منهم ولم تعامل أحدا منهم بالطرد والإبعاد كما فعلت كل أمم الدنيا, وإذا كان الله تعالى قد أخبرنا في كتابه العزيز بقوله: ,,, ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم، منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون فإن لنا أن نتساءل عما إذا كان كل يهود إسرائيل فاسقين وبخاصة أن الله تعالى قد قال في محكم التنزيل: أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم، بل أكثرهم لا يؤمنون , وهاهم اليهود الصهاينة الفاسقون ما فتئوا ينقضون العهود والاتفاقيات, ويسلكون كل سلوك قبيح ومحرم لتحقيق مآربهم في الوطن العربي، معتمدين على دعم ومشاركة الولاياتالمتحدةالأمريكيةوبريطانيا لهم عسكريا وسياسيا وتقنيا في كل مرة يرتكبون فيها جرما واعتداء على أمتنا العربية، في الوقت الذي بقيت فيه فرنساوروسيا والصين تنتظر لقيمات من ثروات الأمة العربية علها تسقط من بين مخالب وأنياب الوحش الأمريكي المفترس، موقف يذكرني بسلوك الثعالب التي تتمرغ أمام الفريسة ريثما تلتهم الضباع والوحش الأقوى حاجتها من عقيرتها وتترك لغيرها الفرث والعظام، فنرى تلك الدول تراوغ وتساوم على مواقفها من قضايانا العادلة للبحث عن فرص تحقق من خلالها نفوذا ضئيلا إلى قضايا ومكاسب استحوذت عليها أمريكاوبريطانيا وإسرائيل، واصبحت أقطار الوطن العربي أشبه بقصعة تتهافت عليها الذبابة، أو غنم قاصية تتخطفها الوحوش، والراعي في سبات عميق والعصا التي يحملها لا يشتد عودها إلى حين يهش بها على غنمه أو يعتدي بها على أهله، أما حين يفترض أن يستخدم عصاه للدفاع عن أهله وممتلكاته فإنها تنكسر ويتحول ساعده، الشديد بالأمس على إخوته، إلى ساعد طري يتثنى ويتمايل طربا على هدير الصواريخ وأزيز الرصاص الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي الذي يخترق جماجم وصدور وظهور أطفالنا ونسائنا وشيوخنا ويدنس المعتدون تحت وابله مقدساتنا، وينهبون ثرواتنا وممتلكاتنا ويدمرون مالا يمكنهم حمله منها إلى أوكارهم. وها هي أمريكا تلوم شارون فقط على زيارته للحرم القدسي، ويُعبر الرئيس بيل كلينتون عن تأثره العميق بما حدث بعد ذلك فيقول: آمل أن تكون المصادمات التي وقعت خلال الأيام الأخيرة بمثابة دافع للجانب الفلسطيني والإسرائيلي بالعودة إلى مائدة التفاوض بعد أن شاهد الجميع ما هو البديل للسلام , ثم يبرر قتل الصهاينة للطفل البريء فيقول : إن الإسرائيليين لم يتعمدوا قتل ذلك الطفل فقد قتل خطأ لأنه كان موجودا في مرمى النيران , إن هذا القول مضحك ومبك معا، وشر البلية ما أضحك، إذ ما الذي خسرته إسرائيل فيما أسماه الرئيس كلينتون ب (المصادمات) حتى تكون مجبرة على العودة إلى المفاوضات؟ وما التفسير الحقيقي لوصفه ما حدث بأنه بديل عن السلام؟ إن استخدامه لهذا التعبير لا يعني سوى أن على الفلسطينيين أن يستسلموا ويوقعوا الاتفاقية التي أعدتها كل من إسرائيل وأمريكا وإلا فهذا هو الرد ,, الإبادة ليس إلا! أما التبرير الذي أورده لمقتل الطفل محمد جمال الدرة فليس بخاف على أحد أنه يتنافى مع العقل والمنطق فجملة (كان موجودا في مرمى النيران) مصطلح عسكري يعني وجود شخص مدني أو أي شيء آخر في منطقة تقع بين جيشين وقت وقوع المعركة بينهما، فهل كان الطفل الشهيد في مثل هذا الوضع؟ وهل كانت هناك معركة بين جيشين؟! كلا، فالجيش الصهيوني لم يكن يواجه جيشا وإنما مواطنين عزلاً, كما أن إطلاق النار المباشر على الطفل وأبيه استمر (15) دقيقة كأن الجناة في رحلة صيد اطلقت عليهما خلالها ما يزيد على ألفي طلقة ولم يكن خلفهما سوى جدار أسمنتي، ولم يكن أمامهما مباشرة سوى القتلة المجرمين,, إن هذه العبارات والتبريرات انما تعبر عن أقصى درجات التحيز والظلم,. وحق لنا أن نتساءل: ماذا لو أن السياسيين والعسكريين الأمريكيين تذكروا قتل الجيش الإسرائيلي لسائقي سيارات الإسعاف عندما هرعوا لإسعاف الأطفال الذين سقطوا في هذه المذبحة، وغيرهم من القتلى والجرحى العزل؟ هل كانوا سيبررون ذلك بأن سيارات الإسعاف الفلسطينية كانت دبابات ومصفحات؟ إن الجراح في قلب الأمة العربية غائرة، ومجتمعاتها تعاني من الغليان والاحتقان الداخلي، وترزح تحت ضغط وكبت شديدين نتيجة لإجبارها على (ضبط النفس والترجي) وإن اليوم الموعود لانفجار البركان في وجه هذا العدوان قادم لا محالة. ولقد أصبح من الواضح تماما أن قبول إسرائيل للتفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية ومنحها قطعة أرض صغيرة من فلسطين العرب, ليس من أجل السلام الشامل، وإنما من أجل سلام وأمن إسرائيل,, فقد كانت الصهيونية في وضع حرج وترتعد خوفا وهلعا من الاعمال الجهادية العظيمة التي كان يقوم بها المجاهدون من عناصر منظمة حماس الاسلامية داخل فلسطينالمحتلة, كان العنصر من عناصر هذه المنظمة يودِّع أهله,, وكأني بأحد أفراد أسرته يسأله: إلى أين أنت ذاهب؟ فيجيبه : إلى الجهاد ,, إلى تفجير مستوطنة أو ثكنة عسكرية إسرائيلية ,, يقولها بعفوية وهدوء وكأنه ذاهب لنزهة قصيرة ممتعة,, هنا جن جنون إسرائيل، فالشخص الذي يصبح لديه هذا الاستعداد لتقديم نفسه فداء لدينه ودفاعا عن وطنه بهذه الطريقة لا توقفه ولا تهزمه الطائرات ولا المدرعات ولا الصواريخ ولا البوارج والمدمرات وهي كلها سر التفوق الإسرائيلي، ولا بد أن تنتصر قضيته هو ومن معه حتى وان كانوا قلة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول في معنى حديث شريف لايهزم اثنا عشر ألفا من قلة ، فكيف بالملايين من الأمة العربية عندما تأخذ بهذا التوجه الاستراتيجي؟ وعلينا هنا أن نتوقف لتسجيل خبرة ومعلومة مهمة وهي أن جيش إسرائيل يعتمد على الطائرات والغواصات والقذائف الموجهة إلكترونيا عن بعد ونحن متخلفون في هذا الجانب إلى حد بعيد، لذلك فليس أمامنا لندافع عن أوطاننا وعقيدتنا ومقدساتنا ونحرر ما هو محتل منها، سوى الاعتماد على المجموعات الجهادية أو ما يسمى بحرب العصابات وامتلاك أسلحة دفاعية فتاكة غير تقليدية وصواريخ بعيدة المدى، وهذا هو ما يزعج العدو أيما إزعاج فهذه هي نقطة ضعفه في مواجهتنا ,. إن الجرائم التي ارتكبت ضد الأمة العربية لا يمكن أن تمحى من ذاكرة الأجيال العربية، وليس هناك من يضمن عدم تغير موازين القوى، بل إنها ستتغير حتما، وسيتغير حال الأمة العربية إلى الأحسن عما قريب إن شاء الله تعالى، عند ذلك تكسر أمتنا القيود الاستعمارية القديمة والجديدة فتصعد هذه الأمة من الحفر والمستنقعات إلى التلال والقمم,, فتهدم سور الحصار الذي أحيطت به أمتنا ونكسر الأدوات الإسرائيلية التي أعملت الجراح في أجسادنا ,,قتلٌ في فلسطين بالسلاح لأطفال وشعب أعزل، وتهميش وإرهاب وإهانة لأمتنا,, صور وأشكال واساليب مروعة للعدوان علينا ستبقى محفورة في ذاكرتنا وستكون من أهم الوثائق التي يجب على أجيالنا القادمة أن تطالعها كي لا تنسى ما فعلته إسرائيل إلى الأبد.