باعتقادي.. نعم، فقد تفوقت اسرائيل اعلامياً لأنها اهتمت بلغة الخطاب الغربي وليس العربي، وتكلمت وفق الثقافة الغربية لا كما يفعل اعلاميونا بثقافتهم الشرقية، فضلاً عن تنسيقها المبكر مع وكالات الاعلام والاعلان في أوروبا وأمريكا في سيطرة مبكرة عليها.. تارة بالمال، وتارة بالسياسة. ولقد وقعت بين يدي آراء لسياسيين ومفكرين ومؤرخين غربيين واسرائيليين حول ذلك في صحيفة «لوموند».. يتساءل «دومينيك فيدال»: لماذا الدعاية الاعلامية الاسرائيلية فعالة دائماً؟ وبين ذلك كونها استطاعت ان تختار عبارات محددة تلفت نظر الآخر، مثل جملة «دفاع عن النفس»، فمنذ ستين عاماً وتل أبيب تشن الحروب، معلنة ان «لا خيار آخر لديها»، وان «حماس هي التي خرقت الهدنة، هذا ما يكرره الناطقون الرسميون، دبلوماسيون وصحافيون، متناسين ان عملية (الرصاص المصبوب)، بحسب اعتراف آيهود باراك كانت تحضر منذ ستة أشهر، وما يتناساه الاعلام، ان الجيش الاسرائيلي قد شن في 4 نوفمبر 2008 عملية عسكرية قتلت فيها مقاتلين من حركة حماس، فبادرت هذه الأخيرة الى الرد». لاحظ تركيز الاعلام على رد حماس دون عملية اسرائيل العسكرية! ويشير الى ان مقالة «بن درور ياميني» على موقع وزارة الخارجية الاسرائيلية: «انه خداع، ففي غضون ثلاثة أعوام منذ الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة وصولاً الى شن هذا العدوان، قتلت صواريخ القسام أحد عشر اسرائيلياً فقط، في حين أوقع الجيش الاسرائيلي ألفاً وسبعمائة قتيل، بالاضافة الى الألف والثلاثمائة قتيل الذين وقعوا ضحية (الرصاص المصبوب)»! ذكروا أحد عشر اسرائيلياً وتناسوا ثلاثة آلاف قتيل فلسطيني!! ويذكر ما كتبه المؤرخ الاسرائيلي آفي شلاعيم: «يبدو ان العدوان المجنون لاسرائيل على غزة يخضع لمنطق (العين مقابل الرمش) وليس العين بالعين - ولحسن الحظ ان برنار هنري ليفي يطمئننا، فغزة ليست مدمرة، بل هي فقط مصدومة»! وبين ان غالبية القنوات الفرنسية عرضت بشكل تعاقبي صوراً للمدنيين الاسرائيليين الهارعين الى ملاجئ سديروت. ويقول ساخرا: تدافع السيدة نينا بن عامي الناطقة الرسمية باسم السفارة الاسرائيلية في فرنسا عن ذلك القصف بتقديمها ظروفاً مخففة: «نوزع المناشير للاعلان عن بدء القصف، وندعو السكان الى الفرار». لكن الى أين؟ لا يمكن لأحد ان يغادر القطاع، لا براً ولا بحراً! فهل كان جيشاً يحرص على احترام قوانين الحروب ليلجأ الى استخدام القنابل الفسفورية، الأمر الذي بات مثبتاً؟! «وأعربت وزيرة الخارجية الاسرائيلية السابقة ليفني مراراً وبنبرة لا تخلو من التهكم عن تأثرها ازاء تزايد الكراهية لاسرائيل «، لكن من الذي زرع هذه الكراهية، وهل يمكننا التعجب من ان يثير مشهد الجثث المقطعة لنساء وأولاد وعجزة الغضب تجاه القادة الاسرائيليين نظراً لدعم غالبيتهم للعمليات العسكرية؟! يوري آفنيري، الأكبر سناً بين جميع دعاة السلم الاسرائيليين، يقيم الأمر جيداً: «ما سينطبع بالأحمر في ذاكرة العالم هو صورة اسرائيل كوحش دموي مستعد لارتكاب جرائم حرب في أي وقت، والعاجز عن الانصياع الى أي قيد أخلاقي مهما كان، هذا ما يترتب عليه عواقب وخيمة على مستقبلنا على المدى الطويل، وعلى صورتنا في العالم، وعلى حظوظنا في الحصول على السلام والهدوء. هذه الحرب هي في نهاية المطاف جريمة بحق الاسرائيليين، وبحق دولة اسرائيل». ويقول: «اذا أراد آيهود أولمرت ووزيريه ليفني وباراك التفاوض بصدق مع السلطة الفلسطينية، لمَ لم يفوا بالوعود التي أطلقت في أنابوليس في نوفمبر 2007م؟!». ويستذكر: «في أيامها.. أعلنت رئيسة الوزراء الاسرائيلية غولدا مائير بأنها تكره العرب»! أما توم سيغيف الصحافي والمؤرخ الاسرائيلي فهو يقول: «أقامت اسرائيل حصاراً دفع ب 1.5 مليون فلسطيني الى شفير الكارثة الانسانية، ودمرت أي فرصة لحياة تستحق العيش لجيل كامل من سكان غزة، ولم يساهم ذلك سوى في تعزيز حركة حماس. لكن حماس ليست فقط كما تدعيه كل من اسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة «ارهابية»، انها أيضاً «حركة وطنية دينية أصيلة» مدعومة من غالبية سكان غزة. هكذا لم يكن للمحاولة الاسرائيلية لاطاحة الحركة من خلال قصف مقرها الأساسي، أي حظوظ بالنجاح. فعلى الرغم من الخسائر البشرية الفظيعة، لكنه خلق أسطورة بطولية في المقاومة». ويتابع «يتساءل الكثيرون.. لماذا لا يتفق الاسرائيليون والفلسطينيون على تقاسم هذه الأرض؟ ببساطة.. الصراع لا يدور فقط حول الأرض والمياه والاعتراف المتبادل، انما أيضاً حول «الهوية الوطنية»، فالشعبان الاسرائيلي والفلسطيني يحددان هويتهما نسبة الى الأرض المقدسة بكاملها، وأي تنازل عن الأرض سيرغم الفريقين على التخلي عن جزء من هويتهما». أما ليلى فرسخ - أستاذة في جامعة ماساشوستس فتقول: «ليس هناك قوة سياسية قادرة أو راغبة في الاستفادة من هذه التعبئة لوضع برنامج سياسي واضح. هكذا تبقى حركة حماس هي الحزب القادم الوحيد ذو الوزن، الا أنها مستنزفة في حربين تخوضهما ضد اسرائيل وضد السلطة الفلسطينية». وأشارت الى انه «لم يسبق للسلطة الفلسطينية ان بدت على هذه الدرجة من الهشاشة، ولشرعيتها ان تكون واهية بهذا الشكل!». ويقول سيرج حليمي: «هكذا ستبقى الضفة الغربية المسيجة بالجدران والحواجز والمزروعة بالمستوطنات، مجموعة من المعازل المحقونة مالياً من قبل الاتحاد الأوروبي، وستقصف غزة في كل مرة سيحلو فيها لجارتها -اسرائيل -» الرد «بصورة غير متوازية». ويتابع «يبدو أمراً عجيباً احتفاظ الفلسطينيين بتصميمهم على تحقيق هويتهم الوطنية يوماً ما. في حال توصلوا الى ذلك، فلن يكون ذلك بمنة، لا من الأوروبيين ولا من الأمريكيين، ولا من غالبية الدول العربية، ففي غزة مرة أخرى تواطأ الجميع في عملية الاغتصاب اللامتناهية للشعب الفلسطيني»! هذه نماذج لبعض الانطباعات والآراء الغريبة والاسرائيلية تجاه الكيان الصهيوني وتجاه غزة، بعكس ما ذهب اليه بعض بني جلدتنا بسبب الفهم الخاطئ والعزة بالاثم والمكابرة، فليت قومي يعلمون. الوطن الكويتية