تلقينا نبأ رحيل الأديب الشاعر والإنسان الفذّ الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي، والحزن يكاد يعتصر قلوبنا، فالمصاب جلل بفقد إنسان وأخ عزيز، وبخاصة عندما يكون بقيمة وقامة القصيبي ذلك الفقيد الذي له إرث حافل بكل ما يسمو بالإنسان في عالم الفكر والسياسة والإبداع. ففقيدنا العزيز موسوعة ثقافية متنقلة، فهو الرجل المخلص لدينه وأمته، والوزير الذي له مواهب متعددة تحكي عنه إصداراته السياسية والإدارية والأدبية ودواوينه الشعرية التي ترجمت إلى العديد من اللغات.. حقاً لم يكن القصيبي رجلاً في أمة ولكنه كان أمة في رجل! رحل عنا وسيترك برحيله فراغاً كبيراً، ليس في المملكة السعودية فحسب، وإنما في الوطن العربي بأكمله. ففي حين شرعت في الكتابة عن القصيبي انتابتني مشاعر الألم الممتزجة بالحيرة، لا أعلم من أين أبدأ فقد تتوارى الكلمات خجلاً وتقصيراً عما تفيض به مشاعرنا حباً وتقديراً ووفاءً لهذا الرجل الإنسان والقائد المقدام الذي نجح في كل أعماله، أما وقد ربطت بيني وبين أبا يارا -رحمه الله- علاقة الأخوة والصداقة التي سأظل طوال العمر أعتز بها، حيث التقيت به بلندن في حقبة تاريخية مهمة حين كان سفيراً في بريطانيا، وأدركته علماً من أعلام الدبلوماسية السعودية التي تولي اهتماماً بأبناء الجالية العربية والسعودية في الخارج، وشاهدته في اجتماعاته الدورية بهم في مقر السفارة السعودية بلندن والتي كان يطلق عليها الربوعية كيف يتعامل معهم بحنو الأب على أبنائه بكرم وسخاء دون أن يتوانى في مساعدة أحد فاستحق ما غمروه به من مكانة كبيرة في قلوب جميع أبناء الجاليات السعودية في الخارج، لذا شعرت بمسؤولية مضاعفة في الحديث عن أبي سهيل الوزير والمفكر والشاعر والأديب والإنسان فرأيت أن الأمانة تحتم علينا الحديث عما عهدنا عليه هذا الرجل الإنسان الذي زانته أخلاقه وسلوكياته ومثله الإيمانية الراقية فأنجبت له طيب السيرة والمسيرة، أما إنجازته على المستوى الأكاديمي والوزاري والدبلوماسي، فقد أدرك تماماً أن القصيبي علم من طراز فريد يعرفه الجميع ولاتخفى بصماته على أحد، فقد تقلد مناصب حكومية عديدة، إضافة إلى عمله سفيراً للمملكة في عدد من الدول، فخدم بلاده بكل إخلاص وتفانِ، وخلف لنا حياة حافلة بالعطاء في كل مواقع المسؤولية التي تبوأها فضلاً عن مكانته الأدبية وإسهاماته الشعرية التي ستظل خالدة في وجدان وذاكرة الأمة العربية. ولكنها حقيقة الكون والحياة الأبدية التي لاجدال فيها ولاخلاف فقديماً قال الشاعر أبو البقاء الرندي: لِكُل شَيءٍ إذا مَا تَم نُقْصَانُ .. فَلا يُغَر بِطيْبِ العَيْشِ إنْسَانُ هيِ الأمُوْرُ كَمَا شَاهَدْتُهَا دُوَلٌ .. مَنْ سَرهُ زَمَنٌ سَاءَتْهُ أزْمَانُ وهَذِهِ الدارُ لا تُبْقِي عَلِى أحَدٍ... وَلاَ يَدُوْمُ عَلى حَالٍ لَهاَ شَانُ وأخيراً لا نملك إلا أن نودعه كأخ وصديق وأديب بكل محبة وإنسانية ونسأل الله جلت قدرته الرحمة والغفران للفقيد الذي اختار له الله جل علاه هذه الأيام المباركة من الشهر الكريم وأن يرحمه ويغفر له ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان، وأن يسكنه فسيح جناته. {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } (156) (155) سورة البقرة E_mail:[email protected]